لم يعد الكثيرون في العراق يمتلكون الحماسة والتفاؤل باليوم الذي تتحقق فيه الإصلاحات التي وعد بها رئيس الوزراء، حيدر العبادي، بل اعتقد البعض ان حزم الإصلاح ودعم التظاهرات كانت اجراء روتيني، الغرض منه امتصاص الغضب والاحتجاج الجماهيري ضد سوء الخدمات واستشراء الفساد في جميع مؤسسات الدولة، ومن دون استثناء... حتى ان تحول (موجة) التظاهرات وطبيعة الشعارات التي ترفع، في مقارنة بسيطة بين الامس واليوم، تجد ان الكثير من القناعات قد تبدلت، والكثيرون ركبوا هذه الموجة، فيما غادرها اخرون، اما خوفا او طمعا... والمحصلة النهائية كانت... مجرد ممارسة ديمقراطية تنتظر تحقيق الوعود.
قد يكون هذا الكلام هو عين الحقيقة... لكن ليس كلها، ومن يتابع ويتقصى حقائق ما مر ويمر به البلد... يجد ان (الفساد) في العراق، كلمة أكبر من حجمها، سيما وان قرنا من الفوضى والاحتلال والمحاصصة والتفرد بالسلطة والإرهاب، كفيلة من تمكين (مافيات) الفساد، دولة عميقة داخل الدولة العراقية، وعلى هذا الأساس، من حق أي شخص او جهة (حكومية، دينية، مدنية، إعلامية...الخ)، تتصدى للفساد ومن يدير عمليات النهب والسلب المنظم، وربما العابر للحدود، ان يستشعر حجم الخطر على حياته أولا وعلى وضعه داخل البلد ثانيا... فمن لا تتم تصفيته جسديا، يمكن ان ينتهي به المطاف بقضية (مفبركة) قد تنهي مستقبله بطريقة أخرى.
العبادي كان اول من أعلن ان حياته في خطر، وربما ينتهي به المطاف بانقلاب (عسكري او سياسي) ينهي حياته او مستقبله السياسي، وفي كلا الحالتين الهدف هو منع العبادي او غيره ممن يخول بتحقيق الإصلاحات، من تغيير المعادلة او الاضرار بالمصالح الخاصة بـ(دولة الفساد)... ولهذا كانت (حزم الإصلاح) عبارة عن قرارات ظاهرية وغير حقيقية لم يتفاعل معها الشعب، وربما بات يلوم رئيس الوزراء ويتهمه بالتردد من ضرب الفاسدين "بيد من حديد"... وقد أشار السيد حيدر العبادي الى وجود موانع قد تفوق إمكانات الدولة ذاتها في التصدي للعناصر الفاسدة، التي تشكل بمجملها الدولة العراقية، حين قال "هناك حملة مقصودة تستهدف كل شيء في البلد"، بمعنى اخر... هي حرب مفتوحة على كل الاحتمالات.
هذه الحرب يمكن ان تنهك الحكومة والشعب في حال تمت المواجهة بصورة مباشرة ومكشوفة، فالطبقة الفاسدة او من تلوثت يداها بالفساد، هي طبقة واسعة تشمل أحزاب وسياسيون وقادة كتل وشخصيات وتجار ووزراء وموظفون كبار وسماسرة... ولها جسور من التبادل المنفعي مع جماعات وتنظيمات إرهابية، ومنها تنظيم داعش، سيما على مستوى غسيل الأموال وتهريب النفط والاثار والاتجار بالأعضاء البشرية والمخدرات... إضافة الى عمليات الاغتيال والتفجيرات والخطف والفدية والابتزاز... هذه الشبكة العالمية، لا تقتصر على العراق، بل هو جزء من منظومة عالمية للفساد تمتد الى ابعد نقطة في العالم يمكن ان تتصورها، وتدير عملها بشكل احترافي ومنظم، ولا تظهر الى العلن الا حين تتعرض مصالحها للخطر، كما حدث مؤخرا في العراق.
تنظيم داعش هو الاخر، والذي مهد (لدولته الدموية) في العراق وسوريا، عبر وسائل العنف والقتل والتدمير، يمارس التجارة أيضا/ من اجل تمويل الته الحربية ودفع رواتب المسلحين، والتقارير العالمية التي رصدت تهريب الاثار وبيع النفط وغسيل الأموال وبيع النساء والأعضاء البشرية والخطف والفدية، أكثر من احصائها... بالتأكيد هذه التجارة (غير المشروعة) تحتاج الى من يديرها او يتعاون مع هذا التنظيم على ادارتها، وبالتالي تتلاقى مصالح (الفساد) مع (الإرهاب) في اطلاق عملياتهم الربحية وتحصين انفسهم من أي جهة يمكن ان تمنع عنهم كسب المال السهل... وفي هذه الحالة يكون العدو بالنسبة لهم... عدوا مشتركا.
اضف تعليق