لماذا ايدت الكتل السياسية المشاركة في الحكومة تلك الإصلاحات، وأعلنت وقوفها الى جانب رئيس الوزراء حيدر العبادي؟
يعود ذلك الى:
الضغط الجماهيري المصحوب بضغط مرجعي غير مسبوق.
التحشيد الإعلامي المركز حول مطالبات المتظاهرين، ودخول مواقع التواصل الاجتماعي الى المواجهة بقوة كبيرة.
وصول النيران الى عتبة الدار، فان لم يكن من الممكن اطفاؤها، فعلى الاقل محاصرتها ومنعها من الانتشار.
هل هناك جدية في مواقف الكتل السياسية؟
اجابت عن هذا السؤال الكتل نفسها في استجواب وزير الكهرباء، فلم تكتف بإعلان قناعتها بأجوبته، بل عملت على تجديد الثقة به.
كيف حدث ذلك؟
يتصور معظم من خرجوا في التظاهرات ان ملعب الإصلاح هو الحكومة، أي الجهاز التنفيذي في الدولة العراقية، وانه يكفي ان حزمة الاصلاحات لتي صدرت من قبل رئيس الوزراء الذي هو رئيس الحكومة التنفيذي، ستكون هي الحل السحري لجميع المشاكل والمعوقات التي ابتلي بها العراق منذ العام 2003، وهذا التصور لا ينسجم في الحقيقة مع طبيعة النظام السياسي في العراق والذي هو نظام برلماني، لا تكتسب أي إصلاحات شرعيتها الا من خلال مجلس النواب.
فالحزم الإصلاحية التي صدرت من رئيس الوزراء هي مجرد قرارات حكومية لا يمكن ان تتحول الى قوانين نافذة الا من خلال تشريعها في مجلس النواب، والتصويت عليها. لهذا كانت موافقة الكتل السياسية على دعوات التغيير وحزم الإصلاحات الصادرة والدعوة الى محاربة الفساد، هي مواقف غير جدية، لان هذه الكتل تعرف حق المعرفة انها سوف لن تتحول الى قوانين نافذة اذا دخلت الكرة في ملعبها.
وسوف تستمر الكتل السياسية بالضغط على الحكومة لتحجيم الاصلاحات ، من خلال الدستور والقوانين.
وقد سمعنا الكثير من التصريحات والبيانات التي جاءت بعد حزم الإصلاحات والتي اكدت الوقوف معها على ان لا تتعارض مع احكام الدستور او القوانين النافذة او مبدا التوافق السياسي.
والكتل السياسية في حديثها عن الدستور، أيضا هو مجرد حديث فنطازي للاستهلاك الإعلامي، بسبب انتهاكها المستمر لفقراته، او تغييب فقرات أخرى وإبراز غيرها، وهناك الكثير من الأمثلة والسوابق ليس المكان مناسبا لسردها.
تركز الكتل السياسية على شيء اخر، مقرون بموافقتها على الاصلات الحكومية، وهو مبدأ التوافق، وهو التسمية الملطفة لمبدأ (المحاصصة) والذي هو في صلب الاتفاقات التي قادت الى تشكيل الحكومة الحالية، وقد نشرته وسائل الاعلام وقتها تحت مسمى (ورقة الاتفاق السياسي)، والذي هو في حقيقته يتعلق بتوزيع المناصب والدرجات الوظيفية في أجهزة الحكومة، على وفق الحصص الطائفية والقومية، وما يستتبع ذلك من حصص في الموارد والامتيازات. مثلتها احدى اللافتات المرفوعة في تظاهرات ساحة التحرير وورد فيها:
حجنجلي بجنجلي
إقليم الك إقليم الي
برميل الك برميل الي
وكان قد طرح سؤال على مدير المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة سعد الحديثي بشأن ما إذا كانت قد تمت مراعاة التوافق السياسي المعمول به في العراق في قضية تقليص الوزارات، وكانت اجابته: (من حيث المبدأ، تمت عملية الدمج والإلغاء طبقا لأسس فنية بحتة، ولكن مراعاة مبدأ التوافق حصلت تقريبا بشكل تلقائي، لأن الوزارات المشمولة تنتمي إلى كل الكتل تقريبا، فبالتالي ليس هناك غبن وقع على جهة دون أخرى، بالإضافة إلى أن عملية الإصلاح تحولت إلى مطلب جماهيري ضاغط، وهناك حزم أخرى وفي مجالات مختلفة مثل الهيئات المستقلة أو غيرها، وقد يحصل نوع من التوازن أو مراعاة بعض الجوانب).
اما رئيس مجلس النواب العراقي سليم الجبوري فكان له تصريح لافت حين حذر من استغلال الإصلاحات الجاري العمل بها حاليا لتصفية حسابات سياسية من خلال قوله (نحذر من اتخاذ الإصلاحات وسيلة لتصفية الحسابات والبرلمان يدعم كل عملية إصلاح ويرفض عمليات الإقصاء).
وربما أيضا لم ينتبه كثيرون الى قانون الأحزاب الذي تم اقراره مؤخرا، وفيه فقرة تنص على تمويل الأحزاب المجازة، وهي حاليا بحدود الثلاثمائة حزب مسجل في مفوضية الانتخابات، مع ترجيحات بزيادة عدد هذه الأحزاب.
وهو تمويل سوف يضيف اعباءا جديدة على ميزانية العراق التي تعاني من ازمة خانقة بسبب تدهور أسعار لنفط.
ماهي النوافذ التي يمكن ان يدخل منها الذباب ويمكن ان يلوث الأجواء المحيطة بالإصلاحات؟
يمكن ادراجها على الشكل التالي:
الأزمة المالية
تدهور الأمن
تراجع الخدمات
استشراء الفساد
وهذه يسبقها عوامل جوهرية اخرى صنعت تلك النتائج وقادت اليها ويمكن ادراجها على الشكل التالي:
المحاصصة
الانقسام الطائفي.
مسألة السنّة في العراق.
المصالحة الوطنية.
اضف تعليق