وسط مشكلات الشرق الأوسط والامراض السياسية المزمنة التي يعاني منها العالم العربي من الخليج الى المحيط... يخرج الينا بصيص امل، ربما يمكن البناء عليه "قليلا" في تنقية الأجواء المشحونة بصراعات النفوذ والهيمنة... ناهيك عن التطرف والإرهاب (وتلك طامة لها شأن اخر)... خصوصا صراع النفوذ بين إيران والسعودية... وما نتج منه من صراعات ثانوية لا تنتهي عند حلبة الطائفية والطاقة والإرهاب.
في الخبر الأول... كان الحدث المهم، ما اشيع من موافقة الأطراف المتصارعة (جماعة أنصار الله، هادي، السعودية)، على هدنة "رمضانية" او "إنسانية" في اليمن، تدخل حيز التنفيذ يوم الجمعة... برعاية الأمم المتحدة، التي بدت متفائلة باستمرارها لعيد الفطر المبارك وربما لما بعده... سيما إذا اقتنعت هذه الأطراف بمواصلة مشوار "جنيف" وتحديد مالها وما عليها، بعد ان باتت قنابل "عاصفة الحزم" تدور في حلقة مفرغة... وتعيد قصف نفس الأهداف السابقة من دون ان يكون هناك أي جديد.
في الخبر الثاني... كان اتفاق "جنيف" هذه المرة لا يتعلق بالسعودية، وانما بالنووي الإيراني... مع اقتراب الوفود المفاوضة من ختم الجلسة النهائية التي قد تفضي الى "اتفاق تاريخي"... أكد جميع المسؤولين والمراقبين، انه سيغير الكثير من ملامح المنطقة السياسية... ولنأمل ان تكون هذه التغييرات او الملامح... إيجابية.
المهم ان الصراع التاريخي بين إيران والسعودية... امام فرصة حقيقية لاحتواء التصعيد وتهدئة المخاوف، بين "الهدنة" و"الاتفاق" يمكن ان نحقق الكثير من الدبلوماسية الهادفة الى امتصاص التوتر من الشرق الأوسط والعالم العربي والخليج، في هذه الفترة بالذات... للحاجة الماسة اليها بعد ارتفاع السنة نار التطرف والإرهاب والحروب.
اغلب الظن... ان النية موجودة لدى الطرفين (إيران والسعودية)، في احتواء الصراع وامتداداته في الخليج وافريقيا واسيا... لكن ما ينقص ربما هو "الحجر الأخير"... وهو الأصغر لكنه المتمم لأجزاء "الاحجية"، تماما مثلما حدث في الموافقة على "الهدنة" التي لم يتوقعها أحد بعد فشل "جنيف اليمن"، وربما مثلما سيحدث في توقيع "اتفاق تاريخي" لم يكن أحد يتخيل وصوله الى هذه المرحلة بعد 21 شهرا من المحادثات، بل وأصبح الجميع ينتظر اعلان الاتفاق في أي لحظة، اما كيف سيتم ذلك؟ فجوابه عند كبار القوم والساسة من الجانبين... وبالطريقة الدبلوماسية ذاتها التي شقت طريقها وسط صعاب الرفض وتناقض المصالح واختلاف التوجهات.
تاريخيا... سعى كل جانب منهما للتواصل مع الاخر، ونسيان او تناسي أسباب الخلاف بوجوهه الدينية والقومية والسياسية والاقتصادية، لكن جميع هذه المساعي فشلت... ولو بعد حين، الا انها (في جميع الأحوال) لم تصل الى درجة السوء كما هو عليه الحال اليوم.
وبالتالي قد تأتي الانفراجه من هنا... من نقطة "التوتر الحرجة" التي خففتها بعض "الدبلوماسية الهادفة"... والتي لا تتطلب سوى:
- تحديد واحترام المساحات التي يتحرك فيها الطرفان... والبناء على حسن الثقة والجوار بينهما
- عدم اثارة التوترات الدينية او "الطائفية"... سيما في مناطق التوتر "بالوكالة"، وترك ذات الدول هي من تقرر مصيرها.
- الدخول في شراكة لمكافحة الإرهاب واحتواء التطرف... بدلا من الدخول في صراعات "لكسر العظم" او "الغاء الاخر".
- التعاون الاقتصادي والاستثماري... وقد يكون هذا التعاون، أحد مفاتيح التقارب المستقبلي المهم بين البلدين.
بخلاف ذلك... ماذا يملك كل طرف تجاه الاخر؟... او بالأخرى ماذا جنت المنطقة من الصراعات... افتعالها او المشاركة فيها؟
لا اعتقد ان يتعدى الجواب... كلمات "الدمار" و"الخراب"، وهو ما حدث بالفعل، من دون ان يكون هناك من منتصر، او نهاية لسيناريو الازمات المتوالية، في سوريا والعراق ولبنان واليمن وليبيا ومصر، والإرهاب الذي ضرب الخليج، وتونس والجزائر والمغرب، وتستمر الحكاية من دون نهاية قريبة.
بغض النظر عن مصير "الهدنة" او "الاتفاق" وكيف سيتم تطبيقه وما مدى نجاحه... ما زال الامل يحدونا في نهاية قريبة للصراعات غير المبررة والعشوائية، والتي فاقمت من مشاكل المنطقة الاقتصادية والدينية والاجتماعية والقومية، حتى أصبح العيش في منطقة "الشرق الأوسط" يشبه "الخلود في الجحيم" بالنسبة لأهلها، وهو شعور وكلمات اعتدت ان تستشعرها او تسمعها من وجوه وافواه الناقمين.
اضف تعليق