q

تخيل لو ان آلاف الاطنان من القنابل التي القتها طائرات "التحالف العربي"، الذي دعت اليه السعودية، على اليمن، وهدمت بناه التحتية، واضعفت الى حد كبير قوة الجيش النظامي، وقتلت مئات المدنيين، كانت قد استخدمت ضد فرع تنظيم "القاعدة" في جنوب اليمن، والذي يوصف على انه الفرع الاقوى للتنظيم في شبه الجزيرة العربية، وبإسناد الطائرات من دون طيار التي سيرتها الولايات المتحدة الامريكية، اضافة الى الاسناد البري لجماعة الحوثي (حركة انصار الله)، والموالين للرئيس المدعوم من التحالف العربي "هادي عبد ربه منصور"، لطرد التنظيم من اليمن، بدلا من التناحر فيما بينهم.

وتخيل ايضا لو اتفقت الحكومتان المتضادتان في ليبيا، ووحدت جهود ميليشياتهما لمنع انتشار الجماعات الاسلامية التكفيرية، ومحاصرة توسع تنظيم "داعش" في المناطق الساحلية، وعملت على احلال النظام والامن بدل الفوضى والانهيار نحو عنوان "الدولة الفاشلة".

وتصور لو اتفق الفرقاء على توحيد جهودهم ونواياهم تجاه سوريا للعمل على التوصل الى حل سياسي شامل يهدف الى القضاء على التنظيمات المتطرفة وسيطرتها على ثلثي مساحة سوريا تقريبا، بدلا من التباكي على مقتل (220) الف مواطن سوري وتهجير الملايين بين الداخل والخارج.

ولو اراد اي كاتب او محلل او متابع او حتى اي مواطن عربي الاسترسال في تخيلاته وتصوراته لتشمل عقد العالم العربي والشرق الاوسط، التي تمركزت فيها بؤر القتال والدمار والتطرف والعنف، وهو يتذكر العراق ومصر ولبنان والبحرين...الخ، لوجد ان الحل ممكن وليس مستحيلا، سيما وان اصل الحكاية كانت ولا تزال تلك "الحروب العبثية" والصراعات التي تجري بالوكالة بين الاشقاء من جهة وبينهم وبين دول اسلامية في الشرق الاوسط من جهة اخرى.

عندما تحاول التنظيمات المتطرفة بسط سيطرتها وتوسيع نفوذها في منطقة او دولة ما، فإنها ترغب في العمل تحت غطاء "الدولة الفاشلة" بدلا من الدول التي تمتلك نظاما قويا ومؤسسات مستقرة وجيش وقوات امنية يقظة، وحتى يتيسر لها (التنظيمات المتطرفة) ارسال عناصرها وخلاياها النائمة الى تلك المناطق، تعمد الى اضعاف النظام والسلطة واستبدالهما لاحقا بنظام وسلطة ذلك التنظيم او الحركة، ولعل ما تقدمة الازمات والصراعات من فوضى وارباك في بعض الدول العربية، يمكن ان يقدم فرصة ذهبية الى التنظيمات المتطرفة التي اخذت بالانتشار وتوسيع نفوذها بشكل مخيف في الخليج والعراق وسوريا والبحر المتوسط وشمال افريقيا، اضافة الى وسط وغرب افريقيا واسيا، وقد استفادت خلال الاربع سنوات الماضية، تنظيمات كانت مغمورة او غير موجودة (مثل تنظيم داعش، جبهة النصرة، حركة بوكوحرام، الشباب الصومالي، انصار بيت المقدس...الخ)، من الصراع الذي ادارته بالنيابة عن اطراف عربية واقليمية ودولية، لتخلق لنفسها كيانا يتمتع بالقوة والثراء ولا يمكن التحكم به بسهولة، بعد ان استفادت من تحول بعض الدول الى "دولة فاشلة"، او من خلال سعيها لتحويل بعض الدول الى "دول فاشلة"، كما جرى ويجري في العراق واليمن.

الغريب ان الانظمة العربية والاسلامية التي تدعم التطرف او يؤدي دعمها الى انتشار التطرف والعنف والطائفية في منطقة الشرق الاوسط لا تعرف، او لا تريد ان تعرف، ان ما يجري من فوضى في المنطقة سيشمل الجميع، وهو ما اثبتته التجارب خلال السنوات السابقة القليلة، وهي لا تريد فض الاشتباك الطائفي والخوف من الهيمنة لطرف على حساب الاخر، بل وزادت على ذلك، ما نشاهده اليوم من تخبط وضرب اهداف بلا معنى هنا وهناك بحجج غير واضحة او غير منطقية، والاغرب من هذا انها لم تحاول يوما من الايام تجنيب هذه المنطقة ويلات الصراع، ومحاولة احلال السلام وسحب فتيل التوتر، على الاقل حتى يمكن التخلص من آفات التطرف التي نخرت شعوب المنطقة وانظمة الحكم فيها، ولقد جربت اغلب هذه الانظمة ولمدة زادت عن اربع سنوات جميع الحيل والدعم والمعادلات والرهانات التي لم تأتي بنتيجة ايجابية، بل فاقمت من سوء الاوضاع حتى بلغت القاع.

منطقة الشرق الاوسط، بعد عاصفة الحزم في اليمن، وصراع الميليشيات في ليبيا، والحرب الاهلية في سوريا، وسقوط الموصل في العراق، بحاجة الى تغيير حقيقي في الاستراتيجية التي يجري تقييم الامور فيها والعمل على ضوئها، فالصراع لا يولد سوى الدمار وانتهاك الحقوق يؤدي الى الشعور بمزيد من الظلم ضد النظام وقد يجر الى التطرف في نهاية المطاف، كما ينبغي وضع حد لصراع النفوذ الاقليمي الواضح في منطقة الشرق الاوسط، ووضع قواعد جديدة للحوار والشراكة بدلا من المنافسة والصدام، وقد تسهم الولايات المتحدة الامريكية (ان كانت جدية في مساعيها نحو شرق اوسط هادئ) وبعض الوسطاء المحليين والدوليين بالمساعدة في ارساء قواعد جيدة للسلام في هذه المنطقة التي تضخم فيها الارهاب بشكل لا يصدق وسط عدم اكتراث معظم الانظمة بهذا الخطر.

اضف تعليق