في الوقت الذي تزداد فيه تعقيدات الصراع السياسي والعسكري والاقتصادي في عدد من دول منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا (وبالأخص الدول العربية)، والتي لا تبشر ملامحها بانفراجه قريبة قد تلوح في الأفق، يلاحظ ان هناك ارتياحا دوليا من سير الجهد الحكومي في العراق تجاه مكافحة الإرهاب وتعزيز التوافقات السياسية واذبة الخلافات الطائفية، وهي العوامل التي اجتمعت على تهديد وجود الدولة العراقية قبل أشهر قليلة من تشكيل الحكومة الحالية برئاسة الدكتور "حيدر العبادي"، التي ورثت تركة ثقيلة من المشاكل الداخلية والخارجية، فضلا عن الاثقال الإضافية التي ظهرت مؤخرا على خلفية هبوط أسعار النفط (الذي يشكل اكثر من 95% من ميزانية العراق) واضرت بالاقتصاد العراقي كثيرا بعد ان سبب هبوطه الحاد خسارة عشرات المليارات من الدولارات، كما فاقم نزوح مئات الالاف من المواطنين من مناطق شمال وغرب وشرق العراق (باتجاه الوسط والجنوب وإقليم كردستان العراق)، بعد ان استولى تنظيم "داعش" على أراضي شاسعة منها، من الضغوط الأمنية والاقتصادية والخدمية "الضعيفة" على الحكومات المحلية والحكومة المركزية التي وجدت نفسها (في كثير من الأحيان) عاجزة عن التعامل بسرعة مع الملفات الحساسة والتي تتعلق بالجوانب الإنسانية والخدمية، وسط حرب قاسية مع التنظيمات المتطرفة، تستنزف اغلب موارد العراق البشرية والمادية.
المؤشرات الدولية التي عبرت عن تفاؤل "حذر" بتحسن أمنى وسياسي في العراق، جاءت عبر تصريحات كبار القادة ومسؤولين بارزين في اغلب دول العالم الكبرى، والتي عكست بمجملها توافقا دوليا على دعم وتشجيع الدولة العراقية ومؤسساتها السياسية والأمنية على تعزيز وتقوية البرنامج الحكومي بمستواه الداخلي والخارجي، وتلافي أخطاء الماضي، او على الأقل الاعتبار منها، واكدت الولايات المتحدة الامريكية على لسان نائب الرئيس الأمريكي "جو بايدن" ان مقاتلة تنظيم داعش "جمع القادة العراقيين في معركة مشتركة" بعد ان توافقوا "لتشكيل حكومة تشمل جميع الفئات والاتفاق على خطة لتقاسم عائدات النفط وحشد آلاف المقاتلين السنة لمحاربة تنظيم داعش"، وقد انعكست النجاحات السياسية على ارض المعركة بعد النجاح في ان "زخم داعش في العراق توقف وفي كثير من الأماكن انحسر"، إضافة الى ان "الهالة التي تحيط بالتنظيم بأنه لا يقهر وهنت".
وحتى لا تضيع فرصة استمرار النجاح العراقي في تجاوز الازمة الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، ينبغي على جميع الكتل السياسية وقادتها والأحزاب العراقية وصانع القرار، ان يستثمروا جميع الإمكانات المتاحة والأجواء المناسبة وهذا التوافق الدولي في الذهاب الى ابعد من المصالح السياسية الانية، وبالأخص نحو تثبيت القواعد الأساسية للنظام الديمقراطي في العراق وترسيخ مفهوم "المأسسة" والعمل المشترك والابتعاد عن الصراعات الجانبية والخلافات التي قد تعيد الجميع الى المربع الأول، او تصفير النجاحات التي تحققت حتى الان، كما ينبغي مراعاة عدة أمور منها:
- الاستفادة من التوافق الدولي في تقديم المزيد من الدعم العسكري واللوجستي والاقتصادي الى الحكومة العراقية من اجل تعزيز موقفها في مكافحة الإرهاب، والاستمرار في مطالبة المجتمع الدولي بالوقوف الى جانب العراق بصورة أكثر تأثيرا.
- التحرك سريعا نحو تحقيق المزيد من الانتصارات العسكرية وعدم التأخير او التراخي في استعادة الأراضي التي يستولي عليها التنظيم منذ ما يقرب من عام، وبالأخص محافظتي الانبار والموصل، والتي قد تنهي 90% من الانهيارات الأمنية التي عانى منها العراق على مدى عقد من الزمن.
- ضرورة الابتعاد (في هذه الفترة تحديدا) عن أية أمور من شأنها ان تؤدي الى احتكاكات طائفية او مذهبية يمكن استغلالها من قبل التنظيمات المتطرفة او الأطراف الداعمة لها، خصوصا في التعامل مع ملف تحرير المناطق ذات الغالبية السنية وطريقة اشراك قوات "الحشد الشعبي" في القتال في تلك المناطق إذا استلزم الامر.
- استمرار الجهد الحكومي في مكافحة الفساد الإداري والمالي ومحاربة مافيات الفساد السياسي المتغلغلة عميقا في الدولة العراقية والتي تمثل الوجه الاخر للإرهاب والتطرف داخل العراق.
- التركيز على إدارة ملف المدن المحررة من تنظيم داعش بمهنية واحتراف، وتوفير الخدمات والاحتياجات الضرورية، مع توفير كافة المستلزمات التي تضمن المحافظة على استقرارها الأمني، بالإضافة الى تسريع إعادة المواطنين النازحين الى مناطقهم المحررة بصورة امنه وسلسة.
اعتقد ان الوقت المناسب قد حان للعمل على تجاوز الماضي الأليم والسعي نحو "المصالحة الوطنية" الحقيقية، بعد ان وحد مقاتلة "داعش" جميع العراقيين، وأصبحت الأرض مهيأة لتحقيق "العدالة الاجتماعية" للجميع، بعد ان شعر جميع العراقيين ان الخسارة تشمل الجميع مثلما يشمل النجاح جميع المواطنين في العراق.
اضف تعليق