يصادف اليوم ذكرى سقوط نظام صدام على يد القوات الامريكية والدول المتحالفة معها، يوم 9/4 ارتبط بالحملة التي قادها رئيس الولايات المتحدة الامريكية، "جورج بوش" لمكافحة الإرهاب وانظمة دول "محور الشر"، بعد هجمات 11/9 التي ضربت منهاتن وبوسطن على يد المتطرفين من تنظيم "القاعدة"، وكان "غزو" العراق امرا محتوما بالنسبة للولايات المتحدة بعد عامين من غزوها لأفغانستان التي كان يسيطر عليها "طالبان" ويختبئ "اسامة بن لادن" زعيم تنظيم القاعدة في كهوفها، على الرغم من الانتقادات الواسعة لحملة "بوش" في العراق بعد ان ذهبت اسبابها "النووية" ادراج الرياح (والتي لم تقنع الكثيرين)، لكن ما حدث اصبح جزءا من التاريخ، ولا يمكن العودة للوراء، فالعراق بعد عام 2003، او بعد 9/4 اصبح جزءا من الحرب العالمية ضد الارهاب التي دعت اليها الولايات المتحدة الامريكية بعد المساس بأمنها القومي من قبل تنظيم القاعدة الذي وعد بمزيد من الهجمات لاستهداف الولايات المتحدة ومصالحها في جميع دول العالم والشرق الاوسط تحديدا.
لقد مرت 12 عاما منذ سقوط نظام صدام الاستبدادي، حاولت خلالها الولايات المتحدة الامريكية دعم العراقيين في اعادة ترتيب البيت العراق سياسيا وامنيا، بعد عقود من الانقلابات والدكتاتورية والحروب الطائفية واللامنطقية التي خرج العراق منها منهكا وضعيفا، الا انه استطاع ان ينجح في تشكيل نظام ديمقراطي (وسط محيط تندر فيه هكذا انظمة او مصطلحات)، وتداول سلمي للسلطة، على الرغم من تحول العراق (خلال الغزو وبعد انسحاب جميع القوات الاجنبية) الى "ساحة الجهاد العالمي"، كما يحلو للمتطرفين تسميته، والتي استهدفت المواطنين العراقيين بالمفخخات والعمليات الانتحارية التي خلفت مئات الالاف من الشهداء والقتلى، وادخلته في دوامة لا تنتهي من العنف والدمار الذي اقترب من تهديد النسيج الاجتماعي وتمزيق التعايش السلمي بين المكونات والاقليات في العراق، بعد عام 2006 (تفجير مرقد الامامين العسكريين في سامراء)، وما تلتها من ازمة "حرب اهلية" اشعلت الصراعات الطائفية والمذهبية في ظل وجود تنظيم متطرف "القاعدة" تسانده العديد من التنظيمات والحركات التكفيرية المدعومة من جهات ودول اقليمية نافذه، وبرغم جميع الماسي والمحن التي مرت لم تستطع ان تغير من واقع التحول الكبير للعراق نحو الديمقراطية التي دفع العراقيون ثمنها من دمائهم واجسادهم.
عندما تتذكر تاريخ 9/4 وما تلاه من احداث لا يمكن اختزالها بكلمات او أسطر، يقفز امامك تاريخ 9/6 عام 2014، والذي شكل (هو الاخر) منعطفا اخر في تاريخ العراق الحديث، وهو لا يقل خطورة عما سبقه من تقلبات سياسية وامنية عصفت بالبلاد، وكان العراق وقتها يمر امام امتحانين في غاية الصعوبة:
- التداول السلمي للسلطة (رئاسة الوزراء)، واللغط الذي اثارته مسألة "الولاية الثالثة" للسيد "المالكي" والمطالبة بالتغيير، فضلا عن الضغوط الخارجية التي دعمت الاتجاهين.
- الانهيار الامني الكبير في العراق، والذي رافق بروز تنظيم ما يعرف (الدولة الاسلامية/ داعش) كقوة ارهابية عالمية او عابرة للحدود، بعد ان تمكنت من السيطرة على مناطق واسعة في سوريا (شرق سوريا في الرقة ودير الزور)، ومن ثم احتلال مناطق واسعة في شمال وغرب وشرق العراق (منها الموصل ثاني اكبر مدن العراق من حيث السكان)، والقيام بعمليات تهجير وقتل وتدمير للأثار والرموز الدينية في خمس محافظات عراقية، حيث عدت من اكبر عمليات التخريب والقتل والابادة الجماعية بحق الاقليات والمكونات العراقية الاخرى على مستوى العالم في الوقت الراهن.
لكن هل انتهى العراق كما اراد الاخرون فعل ذلك؟
الجواب اثبتته الايام التي تلت هذا الحدث، 9/6، وسقوط الموصل بيد "داعش"، فضلا عن التقلبات السياسية التي وضعت "تجربته السياسية" على المحك، فقد خرج العراق مرة اخرى من ركام الهزيمة منتصرا، واستطاع ان يثبت للآخرين انه شعب يحب الحياة ويتمسك بديمقراطيته رغم كل شيء، فالعراق توحد في مقاتلة "داعش" والفكر التكفيري مثلما توحد في ممارسة عملية "التغيير" والاستئثار بالسلطة، واجزم بالقول ان من حق الشعب العراقي ان يفخر كثيرا بما حققه من انتصارات اغاضت الكثيرين، وهو في كل مرة يخرج "بعلامة كاملة" امام اصعب الامتحانات، بعد ان حول الفشل الى نجاح، والهزيمة الى نصر، بدلا من الاستسلام الى الامر الواقع او العيش في بقعة مظلمة، اعتقد ان متلازمة الفشل والنجاح لدى العراقيين ستكون احد اهم عناصر القوة لديهم في المستقبل، فالشعوب التي تغير دفة الاحداث وبوصلة الزمن، هي الشعوب الحية وليست الميتة.
اضف تعليق