في بدايات الحرب العراقية الايرانية وتقدم قوات الجيش العراقي الى الداخل الايراني، حدثت الكثير من عمليات الفرهود للمدن الايرانية مثل المحمرة وديزفول، وحدثت مثلها عند احتلال الكويت، وفي عمليات الانفال ضد الاكراد..
لم تقتصر عمليات الفرهود على المناطق التي تحدث فيها عمليات عسكرية، بل شمل ذلك حتى المحال التجارية في الكثير من مدن العراق، بعد صدور قرار من مجلس قيادة الثورة (المبجّل) بمصادرة مواد محلات التجار الذين يتأخرون بتوزيع المواد الغذائية الواردة اليهم من وزارة التجارة عند وصولها الى محلاتهم او مخازنهم.
اشترك الكثيرون في عمليات الفرهود تلك ضباطا ومراتب، وقد اقتصرت المواد التي (فرهدها) الجنود على العطور او الملابس او ادوات المطبخ وبعض الاجهزة الكهربائية.
اما الضباط وخاصة من الرتب الكبيرة، والموجودين في قوات الحرس الجمهوري او بقية الاجهزة الامنية العسكرية، فكان ما فرهدوه اكثر قيمة وثمنا، وخاصة في تجربة الفرهود الكويتية، واصبحت لهم منافذ لبيع تلك السلع وخاصة في بغداد، للمتاجرين بالتجزئة، وخاصة المكيفات او التلفزيونات والثلاجات..
اما بقية انواع الفرهود الاخرى، والتي تشتمل على الذهب او الاحجار الكريمة او السيارات الفارهة او التحف النادرة، فكانت من نصيب ابناء القائد الضرورة (عدي وقصي) واخوة القائد من أمه (ام المناضلين) والحلقة المقربة منهم، من ضباط الحمايات الخاصة ومن لف لفهم.
وقتها لم يحدث تركيز على عمليات الفرهود تلك، لانه فرهود اشتركت فيه السلطة وباركته، ولم تكن هناك من مناقشات اخلاقية لعملية غزو الكويت، على مستوى الداخل العراقي بسبب من طوق الاستبداد الذي كان يحاصر العراقيين.
هذه الايام وبعد تحرير تكريت، يعود الحديث عن الفرهود من قبل الكثير من وسائل الاعلام العراقية والعربية، والتركيز على ماجرى بعد تحرير تلك المدينة، من عمليات سلب ونهب لايمكن التأكد من هويات القائمين عليها والمشتركين فيها.
عدم التأكد والرغبة فيه، يجعل تلك الاصوات تتهم جانبا واحدا وهو قوات الحشد الشعبي بما حدث، طالما ان مقاتلي هذا الحشد يمثلون مكونا واحدا هو المكون الشيعي، قاموا بتحرير مدينة (سنية) لها حضورها في الارث السياسي والدموي العراقي طيلة اكثر من ثلاثة عقود..
وسبق تلك الحملة، حملة اخرى قبل تحرير المدينة، باتهام فصائل الحشد الشعبي بانتهاكات لحقوق الانسان، على اعتبار ان حتى ارهابيي داعش تشملهم تلك الحقوق.
الضجيج الاعلامي يبرز في اقصى مدياته عبر عنوان يحمل كلمة (الثلاجة) وهي آلة كهربائية، اخترعها الفرنسي فرديناند كاريه عام 1859، تستغل طاقة كهربائية لإنتاج التبريد.
وقد انشغل محللون سياسيون وشيوخ عشائر وقادة معارضة فندقية، بتحليل الدوافع والاسباب لسرقة ثلاجة (فرديناند كاريه).
قبل سرقة الثلاجة، وجعلها عنوانا رئيسيا ومحل تحليل سياسي وثقافي واقتصادي واجتماعي وطائفي، اشترك فيه رواد الفيس بوك العراقي، وقعت جملة من الاحداث لم تستأثر بهذه الضجة من قبل تلك الاصوات، من سرقة وتهديم للتاريخ العراقي الممتد عبر الاف السنين، ولم تشكل اثار مدينة الحضر او نمرود او المتحف العراقي في الموصل مادة اخبارية او تحليلية دسمة لتلك الاصوات، لان من قام بها هم من افراد العشيرة وافراد تلك القطعان.
ولم يستأثر حدث مثل العثور على عشر مقابر جماعية لضحايا أحداث سبايكر في منطقة القصور الرئاسية وسط تكريت، بنفس الاهتمام الذي استأثرت به تلك الثلاجة، رغم ان واحدة من المقابر التي تم فتحها تضم رفات 100 قتيل من ضحايا سبايكر. هل تذكرون سبايكر؟
فرهود السلطة الذي بدأت به الموضوع، لايختلف عن القتل والاذلال والتعسف والارهاب الذي قامت به داعش، واحتضنته تكريت وغيرها من مدن سنية، طالما هو موجه ضد مكون لا يستاهل ان يكون حاكما للعراق، وطالما ان ارهابيي داعش هم ابناء تلك الحواضن، فيمكن السكوت والتغاضي عن افعالهم مهما كانت اجرامية ووحشية، وأبلسة الطرف الاخر حتى لو كان ذلك عن طريق التلفيق..
وهو ما اشار اليه النائب عن تحالف القوى العراقية عبد الرحمن اللويزي، بقوله أن (تحرير تكريت أصبح بنظر البعض جريمة كبيرة اقترفها أفراد الحشد الشعبي ما داموا أعادوا المدينة من دون ثلاجاتها ومولداتها).
وتابع اللويزي (لو عرضتم كل اثاث العراق على ام شهيد عراقي من البصرة والناصرية او السماوة او ميسان او الديوانية او النجف او كربلاء او الحلة او الكوت لما استبدلته بشعرة من راس ولدها الذي روى دمه ارض تكريت في معركة تحريرها).
هل تتسع ثلاجة تكريت لشهداء سبايكر الذين يبلغ عددهم 1700 شهيد؟
اضف تعليق