أن تأخذ مؤسسة حقوقية او صحية، وحتى شخصية معينة، صفة "العالمية"، لهو نوع من الامتياز يُعتد به ويكسب صاحبه وجاهة وحظوة في كل مكان، فالأمم المتحدة – مثلاً- مؤسسة عالمية، أو قضية البيئة، عالمية ايضاً، وهكذا الامثلة كثيرة. هذه السمة لها فوائد؛ منها: الشرعية والمقبولية، وايضاً سرعة الوصول الى الهدف باجتياز العقبات والمحددات. وعندما نتحدث عن "عالمية الحسين" والنهضة الحسينية، فاننا لا نتحدث عن مصالح واهداف خاصة بمؤسسة او دولة او شخص معين، إنما عن مبادئ وقيم انسانية، كما هي دينية في وقت واحد. وفي كربلاء وقعت معركة غير متكافئة بين فئتين ومنهجين، وقد توصل العالم – الى حدٍ ما- الى حقيقة الأمر، وعرف من يكون الامام الحسين، عليه السلام، ومن يكون يزيد...؟! وقد أدلى سياسيون ومفكرون وقادة كبار في العالم، بتصريحات تشيد بالامام ونهضته.
بيد أننا أمام نصّ ديني موثّق عن الامام الصادق، عليه السلام، يؤكد أن دم الحسين وثأره، ليس قضية الشيعة واتباع أهل البيت، عليهم السلام، وحسب، إنما هي قضية العالم بأسره، بل هي قضية الأرض برمتها. فكيف يكون ذلك...؟!.
الامام الصادق، عليه السلام، في إحدى الزيارات التي زار بها جّده في كربلاء، يقول ما نصّه: "... وضمّن – الله تعالى- الأرض ومن عليها دمك وثأرك".
في كتابه "إحياء عاشوراء" لسماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي – دام ظله- وصفٌ خاص لهذه العبارة حيث يقول: "يمكنني القطع أنه لم يرد مثل هذا التعبير في الادعية والزيارات المروية عن أهل البيت، عليهم السلام، بمثل ما ورد هنا بحق الامام الحسين، وقد حار العلماء في تفسيرها، ومنهم العلامة المجلسي الذي نقل هذه الزيارة في كتابه بحار الانوار عن ابن قولويه".
ثم يُثار نقاش في هذا الموضوع عن احتمال تعارض هذه العبارة مع أصل "العدل الإلهي" الذي يعد من اصول الدين لدينا، بمعنى أن الله منزّه عن الظلم، الى جانب هذا، فان الأصل ايضاً هو انسجام وتطابق روايات أهل البيت مع منطق العدل الإلهي، كما هي مطابقة للقرآن الكريم، لان الحديث يجعل الارض، بمعنى الكرة الارضية برمتها، ومن عليها من البشر، من بداية الخليقة والى يوم القيامة، في حين إن المسؤولين عن مقتل الإمام وإراقة دمه، واستباحة حريمة وغيرها من الجرائم والتجاوزات الحاصلة، كانت على بقعهة جغرافية محدودة، وعلى يد اشخاص معينين ومن منطقة معروفة، ولا دخل بسائر الناس في العالم – من الناحية الظاهرية والمادية- بما جرى على ارض كربلاء.
سماحة السيد المرجع ينفي قطعاً، حصول التعارض بين الحديث الشريف والعدل الإلهي، بعد أن يدعو الى تفهم الحديث بالمعنى المجازي لا المعنى الحقيقي، وإلا فان جميع بني البشر سيكونون مسؤولين عن إراقة دم الحسين، حتى وإن كانوا من الرافضين لهذا العمل ومن المؤمنين، بمن فيهم الانبياء والأولياء، بيد أن الاقرب الى الصواب، هو العلاقة بين القضية التكوينية وبين قضية الامام الحسين، عليه السلام. وهذا يفسر المواقف التي تعرض لها الانبياء لدى مرورهم بارض كربلاء، وكيف أن السماء اخبرتهم أنهم يقفون على أرض يقتل فيها سبط خاتم الانبياء، ففي حينها يبكون ويذرفون الدمع ويظهرون الحزن، ومنهم خليل الله، ابراهيم، عليه السلام، عندما يقع فجأة خلال مسيره، على الارض ويصاب في جبهته فتسقط قطرات من الدم على الأرض، فيأتيه الخبر بأن الارض التي يقف عليها، إنما هي ارض كربلاء.
من هنا نفهم مغزى الحديث عن الترابط بين قضية الحسين، ونهضته وبين رسالة الانبياء، من نبي الله آدم، ومروراً بالانبياء جميعاً، لأن قتل الإمام الحسين، عليه السلام، لم يكن قتلاً لشخص معارض لحاكم او لجماعة وفئة سياسية، إنما لمسيرة طويلة من القيم والمبادئ السماوية التي جاءت وأضاءت للبشرية على مر التاريخ، وكان لها الفضل في تحولات كبيرة وعظيمة، لنلاحظ الحضارة الغربية؛ بماذا تفخر وتعتز. وكذلك اليهود، وتحديداً في البقعة الجغرافية التي يحتلونها اليوم، وهي ارض فلسطين...؟. انهم يعتزون بعمقهم الديني، وأن لهم تاريخ يعود الى الفين أو ثلاثة آلاف عام، ولكنهم يتحسرون اليوم لعدم وجود شخصية في تاريخهم قامت بعمل ولو مشابه لما قام سبط رسول الله في كربلاء، وجاء هذا الاقرار والاعتراف على لسان أكثر من شخصية فكرية وثقافية وحتى دينية، وهذه بحد ذاتها تعمق لدينا الايمان بالنهضة الحسينية وتزيدنا فخراً وعزّاً، ثم تفسر لنا المعنى الحضاري للرواية عن النبي الاكرم، في حق الامام الحسين – مضمون الرواية- بأن "لك منزلة في الجنة لن تبلغها إلا بالشهادة".
وفي الايام التي تلي الذكرى الأليمة باستشهاد الامام الحسين، عليه السلام، وهي أيام تتعلق بالامام السجاد وعمته عقيلة بني هاشم، زينب الحوارء، عليهما السلام، يجدر بنا التعامل مع ذكرى الواقعة وما جرى بعدها بمزيد من الشمولية وسعة الأفق، وعدم حصرها في بقعة جغرافية او في أطر محددة، وهذا ما يدعونا اليه سماحة السيد المرجع الشيرازي بأن "الثأر – الواردة في الحديث- لا يقصد قتل قاتله فقط، بقدر ما يعني تفاعلاً تكوينياً، وفي الانسان يعني المسؤولية التي ينبغي تحمّلها تجاه قضيته، عليه السلام".
اضف تعليق