يعلل البعض جنوح شريحة واسعة من بنات حواء الى التفرّد في عملية صياغة الشخصية وتقرير المصير، الى تغيرات العصر الحديث وظهور عوامل جعلت المرأة – الفتاة تنطلق في رحاب الحياة متأبطة حزمة مبررات لأن تقرر ما يفيدها من العلم والعمل ونمط الحياة وفق معايير يتفق عليها السواد الأعظم من الناس في الوقت الحاضر.
فهنالك تصور سائد، بان على الفتاة ان تفكر وتخطط لمستقبلها، وهي على مقاعد الدراسة، وتحجز مكانتها في المجتمع، وكلما تعالت في الطموح، كانت اكثر آمناً على وضعها المعيشي عندما تتحول الى أم وزوجة في المستقبل. وهذا ما يبشّر به – للأسف- بعض رموز الكادر التربوي عندنا في العراق، بأن "من السهل على الشاب ان يكون ضمن الباعة المتجولين في الطرقات والاسواق، لكنه مستحيل على الفتاة". وعليه يجب أن تفكر بنظام اقتصادي خاص لها، بعيداً عن الرجل – الزوج.
ولمن يطالع سيرة الصديقة الزهراء، عليها السلام، في هذه الزاوية بالذات، يجد أن ذاك التعليل مجرد رؤية متسرعة او عاطفية متأثرة من عوامل بعضها خارجية وأخرى داخلية، مثل الحاجة الى تغطية تكاليف المعيشة، وحب الظهور تحت الاضواء، وإلا فان الشخصية المقتدرة للمرأة يمكن ان تكون أوسع واكبر من ذلك بكثير، الى حيث التأثير على استقرار وتقدم الأسرة والمجتمع والامة بأسرها.
فاطمة تدافع عن علي...!
ربما يكون من الصعب على البعض تفسير موقف الصديقة الزهراء، عليها السلام، وهي تنوب عن أمير المؤمنين، عليه السلام، في كشف حقيقة الطامعين بالحكم وزيف ادعاءاتهم بأنهم "خلفاء"، وهل كان، عليه السلام، بحاجة لمن ينوب عنه في الدفاع عن حقه، وهو سيد البلغاء؟ ثم ألم تعرف الصديقة الطاهرة أنها تقدم على خطوة باتجاه خط النار في جبهة حرب أوجدها من وصفتهم في خطبتها بانهم من "ظهرت فيكم حسيكة النفاق، وسمل جلباب الدين، ونطق كاظم الغاوين و..." الى آخر النعوت التي أماطت بها عن لثام المدعين الاسلام في خطبتها الشيهيرة، ثم إن المفضوح أمام الملأ يكون أكثر شراسة ودموية لانقاذ نفسه؟ كل هذا وغيره، تجاوزته الصديقة الطاهرة، بروح كبيرة ورؤية ثاقبة تتطلع الى مستقبل الامة، بعد التزام الامام علي، بعهد رسول الله، صلى الله عليه وآله، بما يجري عليه وتكون مهمته الصبر حفاظاً على مصير الامة والدين.
ليس هذا وحسب، ولم تكتف الصديقة الطاهرة من الدفاع عن أمير المؤمنين، وفضح المنافقين وأدعياء الدين في مسجد رسول الله، وأمام جموع المسلمين، بل استمرت في ذلك حتى وهي في ساعاتها الاخيرة، عندما اجتمعت عندها عدّة من النساء، وجاء مما قالت لهنّ في عتاب مرّ: "وما نقموا من أبي الحسن... نقموا والله منه نكير سيفه، وشدة وطئه، ونكال وقعته، وتنمره في ذات الله – عزوجل- ....".
هذه المواقف وغيرها، كانت تمثل دفاعاً باسلاً عن اهداف عظيمة تجاهلها ضيقي الأفق واصحاب المصالح الضيقة، وربما لو كان الى جانبها، عليها السلام، في هذا الموقف، من نساء ورجال بما يكفي، لاختلف الوضع وتغير مجرى التاريخ، لان ببساطة، كان الجبن وضحالة الوعي ومخلفات الجاهلية القاعدة التي انطلق منها طلاب السلطة.
ولم يقال جزافاً: "وراء كل عظيم امرأة"، ويفترض ان تكون عظيمة ايضاً، لانها تشق شرنقة الذات والمصالح المادية والمظاهر وغيرها لتشارك في نجاح زوجها في مختلف أعماله، وما الموقف التاريخي للزهراء، عليها السلام، إلا مثلاً أعلى لمن تريد العز والكرامة لها ولزوجها.
تقوية الجبهة الداخلية لمواجهة التحديات
لقد مثّلت الصديقة الطاهرة، عليها السلام، بموقفها البطولي أمام عصبة الباطل، الثلّة المؤمنة من الأسرة النبوية والقلة الباقية، ودونت لهم وللاجيال الوثيقة الثورية – إن صحّ التعبير- على مر الاجيال يحملونها مشعلاً في طريق التغيير والإصلاح.
إن الامام علي، عليه السلام، ما كان الوحيد في التاريخ الذي يبقى وحيداً في الساحة ويواجه تحديات عنيدة، إنما شهد التاريخ - وما يزال- حالات عديدة لرجال تحملوا المسؤولية بقلمهم وخطابهم وفكرهم، وشاءت الاقدار أن لا يحظوا بالمؤيدين وجماهير الشعب التي ترفع صوره وتهتف باسمه قائداً. وربما تطاله الاتهامات ومختلف انواع التسقيط والتشكيك.
والمرأة – الزوجة أو ربما الأخت، بحكم موقعها الأسري وتكوينها الخاص، من شأنها أن تكون حلقة الوصل بين رب الأسرة ومن هو في واجهة الاحداث، ومن هو في الداخل، فاذا وجد الاطفال التضامن مع الأب في محنته فانهم – دون شك- سيكونون على النهج ثابتون، ويواصلون نفس الدور الذي نهضت به الأم، والعكس ينتج العكس تماماً، فاذا كانت الأم في وادٍ، والأب يواجه مصيره لوحده، كيف بالامكان توقع جيل يواجه التحديات؟ او حتى يحافظ على هويته وكرامته؟
من هنا؛ اذا كانت المرأة والفتاة تفكر بالحصول على الاستقلالية في حياتها، فان عليها أن تستعد لكل الاحتمالات السيئة لانها ستكون لوحدها في الساحة، كما الرجل في ساحة المواجهة، فاذا يعجز الرجل بقدراته الذهنية والعضلية والمادية، عن تحقيق ما يريده، فهل تكون المرأة، بما هي عليه من الخصوصيات المعروفة، أقدر على المواجهة وتحقيق اهدافها؟!
وفي الختام؛ إن الصديقة الزهراء، عليها السلام، إنما انتصرت بأمير المؤمنين، عليه السلام، الذي واجه الانحراف الكبير بصبره ورباطة جأشه، وعندما يأتي ذكرها في المآتم، يُقرن ذلك بالامام علي، عليه السلام. لانها دافعت عنه بتلك البسالة والبطولة والبصيرة الثاقبة.
اضف تعليق