على المسلمين مخاطبة العقل الغربي باللغة التي يفهمونها وبأساليب مشوقة ومؤثرة فيهم لكي يتفاعلوا معها ويستجيبوا لها، ونستطيع من خلالها كسب العقل الغربي العادي الذي ليس لديه موقف مسبق تجاه الاسلام ورسوله الكريم اضافة الى محاولة تغيير اصحاب الافكار المضادة المسبقة بأسلوب هادئ وفعال وطويل الأمد...
بقلم: أ.د. موفق عبدالعزيز الحسناوي

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واصحابه الغر الميامين. وعظم الله اجورنا واجوركم في ذكرى استشهاد الرسول الاعظم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).

تمر علينا في هذه الايام الذكرى الاليمة والفاجعة الكبرى باستشهاد فخر الكائنات وهادي البشرية الرسول الكريم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم). هذه المناسبة الاليمة التي يستذكرها المسلمون ويحتفلون بها والتي اصبحت عنوانا يتوحد فيه المسلمون في مشارق الارض ومغاربها في هتاف واحد وصيحة واحدة تنادي لبيك يارسول الله يامحمد.

ان استشهاد الرسول الكريم في السنة الحادية عشر للهجرة النبوية المباركة كانت مفترق طرق ونقطة تحول في تاريخ الدعوة الاسلامية، فبعد ان كان المسلمون قلبا واحدا وسيفا مسلولا وموحدا ضد اعداء الدين من المشركين والكفار ودعاة الجاهلية والالحاد، عصفت في الجسد الاسلامي الواحد رياح الفرقة والتجزئة وأصبح البعض من المسلمين عبيدا لحب السلطة والامارة والمال.

 وبدأت صورة الاسلام الواحد الموحد الذي جاء به الرسول الاعظم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) تتشوه وحاول الكثير من الحاقدين والمرتدين وذوو الاسلام الظاهري والمنافقون يحاولون تجزئته وتفريق الصف الاسلامي الواحد والقضاء على صورته الزاهية وتعاليمه السمحاء.

اننا اذ نستذكر هذه المناسبة سنويا فأننا من المفروض بنا ان نستلهم سيرة وحياة الرسول الكريم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ومشروعه الرسالي الكبير الذي ينطق صدقا وعدلا وتوحدا عالميا من وحي إله العالمين سبحانه وتعالى الذي هدى به البشرية جمعاء وانتشلها من غياهب الضلال والغواية والظلم الى رحاب الحق والنور والهداية، والتي ادت بهذه الامة الاسلامية لان تكون صاحبة الريادة والسيادة وحاملة لواء الهداية للبشرية جمعاء على مدى العصور والاجيال.

وتأتي هذه الذكرى الاليمة في هذه الاعوام والاسلام بصورة عامة وشخصية الرسول الكريم (صلى الله عليه و آله وسلم) بصورة خاصة تتعرض الى اساءة كبيرة من قبل بعض الابواق الناعقة في بعض الدول الغربية التي تتعمد الاساءة للإسلام ورسوله الكريم، من خلال مخاطبة العقل الغربي بوسائل قد تكون محببة ومشوقة لهم من خلال استخدام الرسوم الكاريكاتيرية التي يكون لها صدى واسع الانتشار بين العامة من ابناء المجتمعات الغربية.

ان هذه الاساءة لرسولنا العظيم (صلى الله عليه وآله وسلم) يقابلها صمت مطبق وعدم اكتراث ولامبالاة من قبل المسلمين في معظم الدول الاسلامية، والذين اصبحوا يتفرجون على هذه الاساءة وكأن الموضوع لايعنيهم ولايسيء لأعظم شخصية في التاريخ على مر العصور وهو النبي محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وآله وسلم)، والذي ألف احد الكتاب الاجانب الكبار كتابا عن اهم الشخصيات التي اثرت في مسيرة البشرية على مر الاجيال بعنوان (أعظم مائة شخص في التأريخ وأولهم محمد).

الله اكبر ما أعظم هذا.. لقد انطق الله اعداء الاسلام قبل غيرهم لبيان عظمة شخصية النبي الكريم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وذلك حينما درسوا الشخصيات التاريخية العظيمة التي اثرت بشكل كبير ومباشر في تاريخ البشرية دراسة علمية اكاديمية دقيقة بدون تحيز وبدون قصد مسبق لطمس الحقائق وتشويهها، لان النور الساطع لايمكن ان يحجب مهما حاول الحاقدون والاعداء اطفاؤه او اخفاؤه عن نظر الاخرين.

اننا ندعو جميع المسلمين في مشارق الارض ومغاربها في هذه المناسبة الى التفاعل وبصورة جدية لهذه الاساءة والتصدي لها بصورة كبيرة وفاعلة ومؤثرة وبأساليب وطرائق متعددة ومختلفة تتناسب مع الظروف والامكانيات المتوفرة حاليا والتي تؤثر في العقلية الغربية التي يفترض انها من الممكن ان تكون جامدة وبعيدة كل البعد عن التفاعل مع الدين الاسلامي وتقبل تعاليمه السمحاء ومبادئه العظيمة.

 لقد تغيرت اساليب المواجهة والتصدي وتفنيد الرأي المضاد من المواجهة الكلامية المباشرة والصدام المسلح، الى اساليب أكثر حداثة وواقعية من خلال استخدام وسائل الاقناع والتأثير والتي تكون مؤثرة بدرجة أكبر وبفعالية اعلى من غيرها.

ان المطلوب من جميع المسلمين في هذه المرحلة الحرجة الالتفاف حول رمز وحدتهم الرسول الكريم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، ودفع الاساءة التي لحقت بشخصيته الكريمة المقدسة عند الجميع، وباستخدام مختلف الاساليب والوسائل المؤثرة والحديثة التي تتناسب مع العصر الراهن.

على المسلمين مخاطبة العقل الغربي باللغة التي يفهمونها وبأساليب مشوقة ومؤثرة فيهم لكي يتفاعلوا معها ويستجيبوا لها، ونستطيع من خلالها كسب العقل الغربي العادي الذي ليس لديه موقف مسبق تجاه الاسلام ورسوله الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم)، اضافة الى محاولة تغيير اصحاب الافكار المضادة المسبقة بأسلوب هادئ وفعال وطويل الامد والذي ينتظر نتائج طويلة الامد وراسخة من خلال هذا التغيير.

 علينا ان نستثمر الامكانيات الكبيرة التي توفرها شبكة الانترنت لنشر العديد من الافكار والمقالات وباللغة الانكليزية وبأسلوب قصصي جميل مؤثر لبيان عظمة الاسلام ورسوله الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) والابتعاد عن لغة الشعارات الجوفاء والتمسك بالأساليب التقليدية في الاقناع التي عفا عليها الزمن والتي اصبحت غير مؤثرة في الاخرين.

علينا ان نستثمر الامكانيات الكبيرة للقنوات الفضائية الكثيرة التي تبث من الدول الاسلامية وتضمينها برامج توعية متعددة وبأساليب مختلفة وباللغة الانكليزية لتخاطب الغربيين بلغتهم ليستجيبوا لها تبين الاسلام على حقيقته بعيدا عن التعصب والتحزب والطائفية وان نظهر ديننا الاسلامي الحنيف للآخرين دينا واحدا موحدا ورمزا للتسامح والهداية والسلام، ودينا لإتمام مكارم الاخلاق، وان يرى الاخرون في الاسلام والمسلمين اسوة حسنة لهم ومثالا كبيرا يحاولوا الاقتداء والتشبه به ليكونوا اناسا صالحين وفضلاء في مجتمعاتهم.

علينا ان نستثمر الامكانيات الكبيرة للصحف والمجلات العربية التي تصدر بكثرة في مختلف الدول الغربية وتضمينها مواضيع ومقالات عديدة وبلغة تلك البلدان وبأساليب مشوقة واستخدام الصور الملونة والرسوم الكاريكاتيرية التي تمكننا من ايصال افكارنا ومبادئنا لأعدائنا بقوة وفعالية مؤثرة وصبر كبير وجهد متواصل ودؤوب وانتظار النتائج على المستوى البعيد وكما يفعل الغربيون معنا.

 علينا ان لاننظر الى هذا الامر الكبير نظرة ضيقة الافق وجزئية وسريعة النتائج، لأننا نحتاج الى تضافر جهود جميع المسلمين وفي جميع البلدان الاسلامية وعلى المستويين الرسمي والشعبي لمخاطبة عقول المواطنين الغربيين الاعتياديين قبل مخاطبة اصحاب القرار عندهم. لان الاسلام بدأ وانتشر في البداية من خلال الاقناع ومخاطبة العقول قبل استخدام السيف والقوة.

لابد لنا الان لغرض مواجهة هذا الامر الكبير والاساءة المتعمدة التحرك وعلى جميع المستويات الرسمية والدينية والشعبية والمنظمات المدنية وكل فصائل المجتمع الاسلامي وبصورة متوازية ومتكاملة في جميع بقاع الاسلام، في ضوء الخطوات والاجراءات التي تم الاشارة اليها سابقا لبيان مظلومية هذه الاساءة وعدم صحتها في حق الاسلام والرسول الاعظم محمد بن عبدالله (صلى الله عليه و آله وسلم) هادي البشرية واعظم شخصية في التأريخ.

لنجعل من هذه الاساءات المتكررة نقطة للتأمل والوقوف الى ماوصل اليه حال الاسلام والمسلمين ونظرة الآخرين الحاقدة والمبغضة له، ولنجعل منها فرصة للوحدة الاسلامية الحقيقية بين مختلف المذاهب والطوائف الاسلامية نحو الهدف الكبير وهو شهادة (لااله الا الله محمدا رسول الله) قبل كل شيء. واعادة النظر في تعاملنا مع مختلف القضايا المتعلقة بديننا الاسلامي وعلاقتنا مع الاديان الاخرى، وضرورة الانفتاح على الاديان والحضارات الاخرى والتواصل معها ومحاولة التأثير فيها قبل التأثر بها.

 لتكن مناسبة استشهاد الرسول الاعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) فرصة لمراجعة النفس ومحاسبتها والالتجاء الى الله سبحانه وتعالى والتمسك بحبل الهداية المتين والابتعاد عن معصية الله وتجنب نواهيه والتمثل بأخلاق نبيه واهل بيته الكرام (عليهم السلام) وفرصة كبيرة للعمل الصالح والالتزام الحقيقي بالإسلام ومبادئه.

دعونا نعتز بديننا ونبينا وبلدنا وحضارتنا كما يعتز الاخرين بحضاراتهم. دعونا نرى رسولنا الكريم رمزا لوحدتنا وتكاتفنا وهدايتنا ونورا يضيء طريقنا. دعونا نحب بلدنا العزيز كخيمة كبيرة تضمنا وتوحدنا وتحمينا من الاعداء.

وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واصحابه الغر الميامين.

* نشر في شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 14 شباط 2010 / 29 صفر1431

اضف تعليق