الإمام الحسن (ع) كان مضطرا للصلح مع معاوية، ولم يكن راغبا به أبدا، وسبب اضطراره هو تفرق قادة جيشه، وقلة أنصاره، وعازما على قتال أهل الكوفة وسفك دماءهم جميعا إذا ما قامت الحرب. فأراد الإمام أن يحافظ على ما بقي له من أصحاب وأتباع، ويحفظ دماء المسلمين...

تولى الإمام الحسن بن علي أبن أبي طالب(ع) خلافة المسلمين بعد استشهاد والده الإمام علي (ع) إذ بايعه عدد كبير من المسلمين في الكوفة. وكان الإمام الحسن (عليه السلام) مصمماً على السير على نهج أبيه أمير المؤمنين (عليه السلام) في قتال الفئة الباغية في الشام، وعلى رأسها معاوية بعد أن رفض الأخير مبايعته والدخول في طاعته...

وإن أول شيء فعله (ع) هو أنه (زاد المقاتلة مائة مائة) ورتب العمّال، وأمّر الأمراء...إلا أن مجريات الأحداث انتهت إلى عقد الإمام الحسن (ع) صلحا مع معاوية أبن أبي سفيان، تنازل بموجبه عن خلافة المسلمين لمعاوية، مع أنه كان أحق بالخلافة منه. الأمر الذي رفضه البعض.

فكيف يمكن لإمام معصوم هو أحق بالخلافة أن يتنازل عنها إلى معاوية أشر الناس وأكثرهم فسادا؟ وكيف يكون للإمام أن يصالح معاوية وهو قد رأى والده الإمام علي (ع) يعد العدة لقتاله، ويحرض المؤمنين على الاستعداد للحرب؟ بل كيف له أن يهان معاوية وهو قد أعد جيشا لمقاتلته حتى يعيد أمور المسلمين إلى نصابها، وإذا بالإمام يتنازل عن حقه في خلافة المسمين ويسلمها لقمة سائغة لمعاوية؟

تشير الوقائع التاريخية أن الإمام الحسن (ع) كان قد سار على نهج أبيه عليأ بن أبي طالب في منازلة بني أمية والحد من حكم معاوية أبن أبي سفليان في الشام، وقد أعد جيشا وقادة وسلاحا من أجل القتال... إلا أن الأمور لم تستقم للإمام كما كان يريد وكما خطط له، فسرعان ما دب الخلاف فيما بين قيادة جيشه، وفيما بين جنده. منهم من يريد أن يهادن ويجنح للسلم، ومنهم من يريد أن يقاتل، ومنهم من خانه وباعه مقابل حفنة من الدنانير الذهبية كقائد جيشه، بالإضافة إلى أن زعماء القبائل الكوفية لم يكونوا جمعيهم مع الإمام الحسن (ع)، بل كان بعضهم يجاهر بحق معاوية في الحكم، وبعضهم تلقى أموالا من معاوية ووعودا في المناصب والمغانم حين يستولي على خلافة المسلمين.

وكان خيار الإمام الحسن (ع) إما أن يستمر بالقتال ومنازلة جيش معاوية القوي والموحد، وقد يخسر جميع أصحابه وجنوده ومحبيه وأهل بيته، وبين أن يهادن ويصالح معاوية ويتنازل عن الحكم له. فاختار الثاني وتنازل عن الخلافة لمعاوية على أن يكون هو خليفة مسلمين من بعده.

لقد أثار الصلح بين الإمام الحسن (ع) الخليفة الشرعي، وبين معاوية بن أبي سفيان الخليفة الغاصب للخلافة لغطا كبيرا بين المسلمين في وقتها، ومازال يثير جدلا بين المسلمين المعاصرين، فمنهم من يرى أن الأمام الحسن(ع) خاف على نفسه وعياله من بطش جيش أمية، ومنهم من رأى أن الأمام الحسن (ع) لم يكن يستطيع أن يوحد الأمة ويقودها مثل أبيه، فهو ليس قائدا متمكن من اختيار قادته، وحشد الناس حوله. ومنهم من يرى أنه لم يكن للإمام أن يتنازل عن إمامة المسلمين وخلافتهم كونها وصية من الله ورسوله له. ومنهم من كان يرى أن الإمام لم يكن له أن يهان معاوية ويصالحه لأن معاوية لم يف بوعد أوعده ولا بعهد عاهده، فكيف سيفي للإمام بالشروط التي فرضها من أجل التنازل لمعاوية عن خلافة المسلمين؟

وكان من آثار هذا الصلح أن وقع اختلاف كبير بين قادة جيش الإمام وأصحابه، إذ اعترض بعضهم على الإمام بشدة. فهذا حجر بن عدي الذي يعد من أخلص أصحابه يقول: لوددت أنك كنت متّ قبل هذا اليوم ولم يكن ما كان، إنا رجعنا راغمين بما كرهنا ورجعوا مسرورين بما أحبوا. فتغير وجه الحسن (ع) وغمز الحسين (ع) حجراً، فسكت. فقال الحسن (عليه السلام): (يا حجر ليس كل الناس يحب ما تحب ولا رأيه كرأيك وما فعلت إلا إبقاء عليك والله كل يوم في شأن).

وقال له رجل من أصحابه: يا أبن رسول الله لم هادنت معاوية وصالحته وقد علمت أنّ الحقّ لك دونه وأنّ معاوية ضال باغ؟ فقال: يا أبا سعيد علة مصالحتي لمعاوية علة مصالحة رسول الله لبني ضمرة وبني أشجع ولأهل مكة حين انصرف من الحديبية ... ولولا ما أتيت لما ترك من شيعتنا على وجه الأرض أحد إلا قتل.

وقال للذي خاطبه بـ (مُذل المؤمنين): ما أنا بمذل المؤمنين ولكني معزّ المؤمنين، إنّي لما رأيتكم ليس بكم عليهم قوة سلمت الأمر لأبقى أنا وأنتم بين أظهرهم كما عاب العالم السفينة لتبقى لأصحابها وكذلك نفسي وأنتم لنبقى بينهم. وقال (ع): والله ما سلمت الأمر إليه إلا أنّي لم أجد أنصاراً ولو وجدت أنصاراً لقاتلته ليلي ونهاري حتى يحكم الله بيني وبينه ولكني عرفت أهل الكوفة وبلوتهم ولا يصلح لي منهم من كان فاسداً.

وقال سليم بن قيس الهلالي: قام الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام على المنبر حين اجتمع مع معاوية فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إن معاوية زعم أني رأيته للخلافة أهلاً ولم أرَ نفسي لها أهلاً وكذب معاوية. أنا أولى الناس بالناس في كتاب الله وعلى لسان نبي الله فأقسم بالله لو أن الناس بايعوني وأطاعوني ونصروني لأعطتهم السماء قطرها والأرض بركتها ولما طمعتم فيها يا معاوية...

في الواقع أن الإمام الحسن (ع) كان مضطرا للصلح مع معاوية، ولم يكن راغبا به أبدا، وسبب اضطراره هو تفرق قادة جيشه، وقلة أنصاره، بينما كان جيش معاوية جيشا موحدا متماسكا، وعازما على قتال أهل الكوفة وسفك دماءهم جميعا إذا ما قامت الحرب. فأراد الإمام أن يحافظ على ما بقي له من أصحاب وأتباع، ويحفظ دماء المسلمين، حتى لو كان ذلك على حساب حقه في الحكم كما فعل أبوه الإمام على (ع) من قبل.

.......................................
** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...
http://ademrights.org
ademrights@gmail.com
https://twitter.com/ademrights

اضف تعليق