روي عن الإمام الجواد، عليه السلام، عن رسول الله، صلى الله عليه وآله، انه قال: "لو بقي من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يظهر القائم من آل محمد....
يتفق الجميع على وجود منقذ لآخر الزمان يخلّص العالم من أزماته ومشاكله الخانقة، بيد ان الافتراق في نقطة "الانتظار"، هل هي فكرة عملية بالأساس، في ظل التجاذبات والصراعات وسرعة التحولات في المجالات كافة؟ ثم كيف يكون هذا الانتظار؟
ان المأخذ الذي يأخذه البعض على "الانتظار"، انه يعكس الثقافة التي جُبلت عليها شعوبنا، والتي لايمكن لشريحة المثقفين والمفكرين من اصحاب هذا المأخذ، التنصّل من مسؤولية انتشار هذه الثقافة، حتى باتت الشعوب تستريح اليوم الى تمنيات– وليست آمال حقيقية- بـ "التحرير" و"الاستقلال" و"حق تقرير المصير" وغيرها من الشعارات تأتيها على طبق من ذهب من الخارج، لأنها عاجزة عن ايجاد مصاديق عملية لهذه الشعارات في واقعها المتخلف.
أما اذا قرأنا "الانتظار" بشكل متكامل وعميق، يشمل أبعاده الانسانية والحضارية، لوجدنا أن للإنسان الفرد في أي مجتمع، له دور في تحقيق الانقاذ العالمي الذي يتم على يد آخر وصي لخاتم الانبياء؛ الامام الحجة المنتظر، وقد أكدت الروايات عن المعصومين، عليهم السلام، على ضرورة الالتزام بمبدأ الانتظار، وتفهّم حقيقته، فاذا كان "خير أعمال أمتي انتظار الفرج"، ينحصر بما يفهمه البعض من أنه دعوة للإحجام عن أي عمل إصلاحي وتغييري، بحجة أن الخطب فظيع والازمات معقدة للغاية، ولابد من ترك الأمر لمن هو يمتلك القدرات الربانية اللامحدودة. فان هذا يعني أننا نكون في الجهة المقابلة للقيم والمفاهيم الحضارية التي ضحى من اجلها المعصومون أنفسهم، بدءاً من النبي الأكرم، مروراً بالأئمة الهداة، وحتى الامام الحجة المنتظر. وكلها تدعو الى الإصلاح والتغيير والبناء الانساني على اساس من القيم الفاضلة.
صفقة للإصلاح وتجارة لن تبور
هنالك مشكلة ربما تخلق هاجساً أمام المتصدين للإصلاح والتغيير في الاصعدة كافة، وهي عدم وجود ضمانات النجاح وزيادة احتمال الفشل والخسارة، فهناك من يخشى على مستقبله السياسي وآخر على مكانته الاجتماعية والعلمية، فضلاً عمن يخشى على حياته وهكذا. بيد أن هنالك تطمينات حقيقية لمن يمضي في هذا الطريق مجاهداً ومخلصاً، وهو ليس من دولة كبرى او مؤسسة اقتصادية كبيرة او دولة غنية، إنما التطمين صادر من الله – تعالى- حيث يبشرنا بقوله في صيغة استفهامية: {ياأيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم، تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم}.
واستناداً الى سنن التاريخ التي يبينها لنا القرآن الكريم في غير سورة وآية، فان الجهاد والكفاح الذي خاضه الانسان لتحكيم القيم والمبادئ، كان هو الغالب على قدرات وامكانيات الطغاة الماضين، ولم يحدث أن انتصر حاكم ظالم او طاغية على من نذر نفسه للتغيير والإصلاح أو نصر أحد انبياء الله – تعالى- لان هنالك تمهيد على ارض الواقع، وليس القضية دائماً مرهونة بالجانب المعنوي والغيبي، لاسيما وأن الله – تعالى- يؤكد هذه الحقيقة بقوله: {كلٌ نمدّ هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك، وما كان عطاء ربك محظورا}.
هذا النوع من الجهاد المخلص، هو الذي يعطي المصداقية الكبرى للإنتظار والأمل المشرق بتحقق النجاة من كل ما تعاني منه البشرية اليوم، الامر الذي يستدعي تحركاً سريعاً يواكب سرعة التدهور الذي نشهده في المجالات كافة، السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وكل ما يتصل بحياة الانسان، ولعل من ابرز ما يعانيه؛ الأزمة في السلم والعدل والحرية، مما ولّد لنا الظلم والإرهاب ومصادر الحريات وتشويه الحقائق وفساد في مجالات عدّة.
الاشتراك في الأمل وفي المصير
عندما يجد الجميع أنهم مشتركون في الأمل الذي يتطلعون اليه، ويدعون دائماً لظهور الامام الحجة المنتظر، فانهم في الوقت نفسه يجدون أنفسهم مشتركون في المصير وهم يعيشون أزمات خانقة وقاتلة، لاسيما في المرحلة الراهنة، حيث اصبحت شعوب كاملة مهددة في حياتها ومصيرها. فعندما يهبّ الناس لتلبية نداء المرجعية الدينية بالجهاد ضد عناصر تكفيرية وعصابات اجرامية، فان من الجدير بهم أن يهبّوا ايضاً في معركة جهاد على جبهة أخرى لا تقل اهمية من الجهاد على جبهات القتال، فهنالك جبهات الإصلاح الإداري والتعليمي والأسري، وصولاً الى الإصلاح السياسي والاقتصادي الشامل.
إن الانتصار في هذا الجهاد، ولو بشكل نسبي، يفتح آفاق الأمل نحو احتمال حل المشاكل والازمات المستعصية على صعيد الداخل، وصولاً الى مواجهة الازمات التي تأتينا من الخارج على شكل دسائس ومؤامرات، تلبس أحياناً ثوب التطرف الديني تارةً، او ثوب الديكتاتورية الحزبية والفردية تارةً اخرى.
واذا كان الجهاد في طابعه العسكري يختص بفئة من المجتمع، مثل الشباب – على الاغلب- فان جهاد المنتظرين للإنقاذ الشامل، لا يختص بفئة او جماعة او شريحة، بل هو يشمل بالضرورة، جميع الناس، صغاراً وكباراً، الرجل والمرأة، لأن القضية تتعلق بحياة الجميع؛ المادية منها والمعنوية. فالفتنة السوداء التي تستهدف شعوبنا والامة جمعاء، بحاجة الى اصطفاف شامل مرصوص الصفوف، يجعل أنصار الامام الحجة المنتظر في جبهة، وأنصار الباطل والتضليل والانحراف في الجبهة المقابلة.
اضف تعليق