الاستثمارُ في الإِنسان؛ هل يجري على أَساس قاعدة المُواطنة حصراً، مِن جهةٍ، بالإِضافةِ إِلى القاعِدةِ الذهبيَّة التي حدَّدها أَميرُ المُؤمنينَ بقولهِ (قِيمَةُ المَرءِ ما يُحسِنُ) مِن جهةٍ أُخرى أَم على أَساس حجم ولائهِ لـ القائِد الضَّرورة أَو للحكومةِ أَو للحزبِ الحاكِم والزَّعيم المُلهم أَو للأُسرةِ...
هي كثيرةٌ إِلَّا أَنَّ أَهمَّها برأيي ثلاثَة؛
١/ الإِنسانُ؛ فهوَ مِحور التَّنمية، هو الذي يخلُق فُرصها وهو الذي يحميها من الضَّياع وهو الذي يرعاها لتكونَ فُرصاً مُستدامةً وهو الذي يستفيدُ منها.
وإِذا أَردنا أَن نعرفَ مَوقع الإِنسان منها يلزم أَن نعرِفَ؛
أ/ سعرهُ في البِلاد، هل هو أَثمن ما موجود فيها؟! أَم أَنَّ سعرهُ أَرخص من سعرِ الطماطم والبَطاطا؟!.
أَين يصرُف وقتهُ؛ في المدرسةِ والمُختبرِ والمعملِ والمصنعِ؟! أَم في الشَّارعِ والمقاهي والمُعسكراتِ؟!.
دمهُ؛ مصونٌ أَم مهدورٌ؟!.
ب/ حجمُ الإِستثمار فيهِ، والذي يتجلَّى في أَربعٍ:
- التَّعليم
- الصحَّة
- الأَمن
- الإِنتاج
والاستثمارُ في الإِنسان؛ هل يجري على أَساس قاعدة [المُواطنة] حصراً، مِن جهةٍ، بالإِضافةِ إِلى القاعِدةِ الذهبيَّة التي حدَّدها أَميرُ المُؤمنينَ (ع) بقولهِ (قِيمَةُ المَرءِ ما يُحسِنُ) مِن جهةٍ أُخرى؟! أَم على أَساس حجم ولائهِ لـ [القائِد الضَّرورة] مثلاً أَو للحكومةِ أَو للحزبِ الحاكِم والزَّعيم المُلهم أَو للأُسرةِ [الكريمةِ] أَو يعتمدُ على تقليدهِ لهذا المرجِع أَو ذاك؟! أَو لعشيرتهِ أَو مُحافظتهِ؟!.
٢/ الفُرص؛ حجمَها وديمُومتها.
هل هيَ موجودةٌ في البلادِ أَم معدُومة؟! وإِذا كانت موجُودةٌ فهل هيَ مُتاحةٌ للجميعِ بالعدلِ والتَّساوي أَم أَنَّ فِئةً معيَّنةً تحتكرَها لنفسِها وتُحرم مِنها فئاتٌ أُخرى؟!.
٣/ الموارِد، الإِمكانيَّات
هل هيَ موجودةٌ أَصلاً في البلادِ؟! وإِذا كانت موجودةٌ فهل هيَ مُستثمرَةٌ أَم مهدُورة؟! وإِذا كانت مُستثمرةٌ، فهل للصَّالحِ العام أَم لـ [العِصابةِ الحاكمةِ] فقط؟!.
هذه المُقوِّمات الثَّلاثة وما يدورُ حولها من أَسئلةٍ تتحقَّق الأَجوبة السَّليمة والصَّحيحة عليها بوجودِ دَولةٍ ذات مؤَسَّسات قويَّة وحقيقيَّة لا يُسيطر عليها الحزب الحاكِم مثلاً أَو يتدخَّل في شؤُونها السَّاسة والزُّعماء أَو تهدِّدها الميليشيات أَو الدَّولة العميقة.
دَولةٌ يكونُ فيها القانُون فوقَ الجميع فلا يوجدُ في البلادِ مَن هوَ مُستثنى من ذلك، أَمَّا إِذا كانَ القانونُ شِباكٌ تصيدُ الفُقراء والمَعُوزين والضُّعفاء والمُغفَّلين ويفلت مِنها الزَّعيم ومُحازبيهِ وأُسرتهِ وذيُولهِ وأَبواقهِ، فلا تنتظر أَن تتحقَّق التَّنمية أَبداً.
يقُولُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) في توكيدٍ على دولةِ القانون (وَوَاللهِ لَوْ أَنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ فعَلاَ مِثْلَ الَّذِي فَعَلْتَ، مَا كَانَتْ لَهُمَا عِنْدِي هَوَادَةٌ، وَلاَ ظَفِرَا مِنِّي بَإِرَادَة، حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ مِنْهُمَا، وَأُزِيحَ الْبَاطِلَ عَنْ مَظْلَمَتِهِمَا).
دولةٌ يكونُ المِعيارُ فيها للمُواطنةِ، مع تنوُّعها وتعدُّدها، وليسَ للخلفيَّةِ أَو للموقعِ مهما كان نوعهُ.
وإِنَّ مِن سِمات دَولة المُواطنة هو ضبط وتنظيم التنوُّع والتعدديَّة ليتحقَّق التَّعايش، أَمَّا غيرها، فسمتها تفجير التنوُّع والتعدديَّة لتُحقِّق تفوُّق النَّوع الواحد، الدِّيني أَو المذهبي أَو الإِثني أَو حتَّى الحزبي إِذا كانَ شموليّاً [إِيديولُوجيّاً] في الدَّولة.
ومِن سِماتها كذلك أَنَّ الحقُوق والواجِبات تسري على كلِّ المُواطنِين بالتَّساوي والعَدل من دونِ أَيِّ إِستثناءٍ.
يقولُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) (أَيُّها النَّاسُ، إِنِّي رَجُلٌ مِنْكُمْ، لِي مَا لَكُمْ وعَلَيَّ مَا عَلَيْكُم) ويقولُ (ع) (وَأَنْ تُكُونُوا عِندِي فِي الْحَقِّ سَوَاءً).
ومِن كتابٍ لهُ (ع) إِلى الأَسود بن قُطْبَةَ صاحِب جُند حُلوَان (فَلْيَكُنْ أَمْرُ النَّاسِ عِنْدَكَ فِي الْحَقِّ سَوَاءً).
إِنَّ أَوَّلَ معركةٍ خاضها أَميرُ المُؤمنينَ (ع) لحظة إِعتلائهِ سِدَّة الخِلافة كانت معركة [الإِصلاحِ الحقيقي] ضدَّ الفسادِ المالي والإِداري الذي ضربَ بأَطنابهِ كلَّ مفاصل الدَّولة، وهوَ الفساد الذي اعتمدهُ مَن كانَ قبلهُ لتكريسِ سيطرة [الدَّولة العميقة] على قاعدةِ [الخِدمة الجهاديَّة] و [العشائريَّة] و [الوَلاء للقائدِ الضَّرورة] و [تقديس الحاشِية] [الملأ].
فعندما عُوتب (ع) على تصييرهِ الناس أُسوةً في العَطاء من غيرِ تفضيلٍ إِلى السَّابقاتِ والشَّرف، قالَ (ع) (أَتَأْمُرُونِّي أَنْ أَطْلُبَ النَّصْرَ بِالْجَوْرِ فِيمَنْ وُلِّيتُ عَلَيْهِ! وَاللهِ لاَ أَطُورُ بِهِ مَا سَمَرَ سَميرٌ، وَمَا أَمَّ نَجْمٌ فِي السَّمَاءِ نَجْماً! لَوْ كَانَ الْمَالُ لي لَسَوَّيْتُ بَيْنَهُمْ، فَكَيْفَ وَإِنَّمَا الْمَالُ مَالُ اللهِ لَهُمْ).
وعندما دعاهُ بعضُ [كِبار الصَّحابة] إِلى إِعتمادِ [تسوِيَةٍ تاريخيَّة] مع الفاسدين فيدَعُ ما بأَيديهم مِن أَموالٍ منقولةٍ وغَير منقولةٍ إِستَولَوا عليها من ميزانيَّة الدَّولة بطُرُقٍ غَير مشروعةٍ وغَير قانونيَّةٍ، ويبدأ بالإِصلاح من حيث بدأَت خلافتهُ، مُستشكلينَ عليهِ فيما ردَّهُ على المُسلمين مِن قطائِعَ عُثمان، ردَّ عليهِم الإِمام بالقَولِ (إِنَّ الحَقَّ لا يُبْطِلُهُ شَيْئٌ، وَلَوْ وَجَدْتُهُ قَدْ تُزُوِّجَ بِهِ النِّسَاءُ، وَمُلِكَ بِهِ الاْمَاءُ، وَفُرِّقَ في البُلدانِ رَدَدْتُهُ; فَإِنَّ في العَدْلِ سَعَةً، وَمَنْ ضَاقَ عَلَيْهِ العَدْلُ، فَالجَوْرُ عَلَيْهِ أَضيَقُ)!.
وذاتَ مرَّةٍ تحدَّثت إِليهِ [العِصابةُ الحاكِمةُ] قائِلةً لهُ في مُحاولةٍ منها لمُساومَتهِ على السُّلطةِ ووقف تنفيذ مبدأ [مِن أَينَ لكَ هذا؟!] [يا أَبا الحَسن؛ إِنَّك قد وترتَنا جميعاً، ونحنُ إِخوتُكَ ونُظراؤُكَ مِن بني عبدِ مَنافٍ، ونحنُ نُبايعُك اليَوم على أَن تضعَ عنَّا ما أَصبناهُ مِن المالِ أَيَّام عُثمان، وأَن تقتُلَ قتَلتهُ، وأَنَّا إِن خِفناكَ تركناكَ فالتحقنا بالشَّامِ].
فقالَ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) (أَمَّا ما ذَكَرتُم مِنْ وِتْرِي إِيَّاكُم فالحَقُّ وَتَرَكُم، وأَمَّا وَضعِي عَنكُم ما أَصَبْتُم فلَيسَ لِي أَن أَضَعَ حَقَّ الله عَنْكُم وَلا عَن غَيْرِكُم).
ويقُولُ (ع) (أَلا لا يقُولَنَّ رِجالٌ مِنكُم غَداً قَد غَمَرَتهُم الدُّنيا، فاتَّخَذُوا العِقار، وفَجَّرُوا الأَنْهار، وَرَكِبُوا الخَيْلَ الفارِهَةَ، واتَّخَذُوا الوَصائِفَ الرُّوقَة، فصارَ ذلِكَ علَيهِم عاراً وَشَناراً، إِذا ما مَنَعْتَهُم ما كانُوا يَخُوضُونَ فيهِ، وأَخَّرتَهُم إِلى حُقُوقِهِم الَّتي يَعلَمُونَ، فَيَنْقَمُونَ ذلِكَ وَيَستَنكِرُونَ وَيَقُولُونَ: حَرَمَنا ابْنَ أَبِي طالِب حُقُوقَنا.
أَلا وَأَيُّما رَجُلٌ مِنَ المُهاجِرِينَ وَالأَنصارِ مِنْ أَصْحابِ رَسُولِ الله، يَرى أَنَّ الفَضْلَ لَهُ عَلى سِواهُ لِصُحْبَتِهِ، فإِنَّ الفَضْلَ النَّيِّر غَداً عِنْدَ الله، وَثَوابَهُ وَأَجْرَهُ عَلى الله، وَأَيُّما رَجُلٍ اسْتَجابَ للهِ وَلِلرَّسُولِ، فَصَدَّقَ مِلَّتَنا وَدَخَلَ فِي دِينِنا، واسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنا، فَقَدِ اسْتَوْجَبَ حُقُوقَ الإِسْلام وَحُدُودَهُ، فأَنْتُم عِبَادُ الله، وَالمَالُ مَالُ الله، يُقْسَمُ بَيْنَكُم بالسَّوِيَّةِ، لا فَضْلَ فِيهِ لأَحَدٍ عَلى أَحَدٍ).
اضف تعليق