الجموع الزاحفة نحو مرقد الامام الكاظم، عليه السلام، لمواساته في ذكرى استشهاده في الخامس والعشرين من شهر رجب الأصب، لا يخلو كل فرد فيها من مشكلة في ماله وصحته، أو معاملة متعثرة في دائرة رسمية، وربما يلتقي الموظف والمراجع والمدير والرجل الطاعن في السن الذي يحصل...
علي بن يقطين، من المقربين الخلّص الى الامام الكاظم، عليه السلام، وكان يشغل منصباً رفيعاً في البلاد العباسي، ولحرصه على عدم خسرانه هذا المنصب، كان يلتزم التمويه والتقيّة التي علّمها إياها الإمام، عليه السلام، وهذا ما كان يغيض المتزلفين والوصوليين في البلاط العباسي، ولطالما سعوا للوشاية عليه عند هارون العباسي، والإيقاع به وكشف حقيقة انتمائه للتخلص منه، وفي التاريخ قصص عدّة عن ذكاء هذا الانسان الرسالي وقدرته في التخلص من المطبات التي كان ينصبها أعداؤه، وكان ذلك –طبعاً- برعاية مباشرة من الامام الكاظم، عليه السلام.
هذا المنصب لم يكن ليكتسب مشروعيته إلا بما كان يقضيه من حاجات الناس ويحل مشاكلهم بما يؤتى من قدرة، وبما لا يفسد عليه العلاقة القائمة بينه وبين البلاط العباسي.
وجاء في التاريخ أن شخصاً يُدعى؛ ابراهيم الجمال جاء مقر الحكومة – حسب المصطلح الدارج- وطلب لقاءً من بن يقطين، فرفض لقاءه، وعند حلول موسم الحج، توجه بن يقطين الى الديار المقدسة للحج، وهناك توجه الى المدينة المنورة لزيارة الامام الكاظم، عليه السلام، فكان التعامل معه كما تعامل مع ذلك الانسان في مقر الحكومة ببغداد!، فلما استفهم الأمر من الإمام، أجاب، عليه السلام: "حجبتك لأنك حجبت أخيك ابراهيم الجمال، وقد أبى الله ان يشكر سعيك، او يغفر لك ابراهيم الجمال".
وفي الراوية التاريخية، أسرع علي بن يقطين الى بغداد لطلب العفو والرضى من ابرهيم الجمال، من اجل يكسب رضا إمامه وقائده.
اذا طابقنا هذه الصورة مع صورة أي انسان في الوقت الحاضر تسنّم منصباً معيناً في الدولة، بحيث تكون حاجات الناس ومصائرها بيده، نجد ان علي بن يقطين ربما يشكل صورة مثالية للغاية لمفهوم قضاء حاجة المؤمن، فهو ملتزم بهذا الخصلة الاخلاقية رغم معرفته بانه ربما تكلفه، ليس فقط منصبه، بل وحياته ايضاً.
وبالرغم من أن اتباع أهل البيت، عليهم السلام، لم يكونوا يحظون بحكومة موالية لهم، ولا حتى متعاطفة معهم، إلا بعض المراحل التاريخية العابرة، بل كان العكس؛ حيث القمع والتنكيل والاعتقالات في طوامير تحت الارض، والتصفيات الدموية، فان الامام الكاظم، عليه السلام، كان يسعى لأن يوفر أكبر قدر ممكن من الرفاهية وحسن الحال لشيعته ومحبيه، من خلال ثقافة التكافل والتعاون فيما بين الناس انفسهم، وإلا فهل كان الامام يريد لنفسه التميّز –حاشاه- في الكرم والعطاء وقضاء حاجات الناس وإطعام الفقراء وغيرها؟
ومن ابرز الكُنى المحلية المبتكرة من قبل الشيعة، ما يطلقه العراقيون تحديداً على الإمام الكاظم، بانه "باب الحوائج" لما خبروه من هذا الامام الملهم، في قضاء الحوائج الكبيرة، وحل الازمات المتسعصية.
ولنا ان نتسائل: هل ان جميع الناس لديهم حاجات مستعصية وخطيرة، مثل ديوم ثقيلة مستحقة، او داء خطير وفتاك، او فقدان للأمن وغير ذلك؟ وهل كانت حاجة ذلك الانسان (المراجع) على باب على بن يقطين، بتلك الأهمية والحساسية بحيث يلومه الامام الكاظم، ويحذره من غضب السماء؟
الجموع الزاحفة نحو مرقد الامام الكاظم، عليه السلام، لمواساته في ذكرى استشهاده في الخامس والعشرين من شهر رجب الأصب، لا يخلو كل فرد فيها من مشكلة في ماله وصحته، أو معاملة متعثرة في دائرة رسمية، وربما يلتقي الموظف والمراجع والمدير والرجل الطاعن في السن الذي يحصل على لقمة عيشه من الراتب التقاعدي، كلهم في مسيرة واحدة يهتفون وينادون "باب الحوائج" ليقضي حوائجهم، وعندما نأتي الى هذه الحوائج –افتراصاً- نرى انها شخصية بامتياز –على الاغلب- فكما ان الفقير يستشفع بالامام للحصول على فرصة عمل، فان الغني يفعل الشيء نفسه لقضاء ديون متراكمة عليه بالملايين وربما بالمليارات، او يدعو لأن يصل ابنه الى كلية الطب او الهندسة كونه من المجدين (الشطار)، او أن تحصل الزوجة على وظيفة وفرصة عمل تستثمر بها شهادتها الجامعية لمضاعفة دخل الأسرة وتحقيق المزيد من الرفاهية، هذا فضلاً عن الحاجات الانسانية الملحّة، مثل الشفاء من الامراض، او طلب الذرية، او الزواج وامثالها.
كل هذه الحوائج لو قُدّر للجنة ان تحصيها في قائمة وتضعها في قاعدة بيانات على الحاسوب، مع إحصاء عدد الاختصاصات والمواقع التي يشغلها الناس المحتشدون، لوجدنا أن نسبة كبيرة من هذه الحوائج والازمات قابلة للحل سريعاً وبشكل ربما لا يصدق، بيد نفس هؤلاء المحتشدون والزائرون لمرقد الامام الكاظم، عليه السلام.
إن زيارة الامام الكاظم في ذكرى استشهاده، يومٌ واحد في السنة، بينما نعيش أيام السنة نغوص في المشاكل والازمات القابلة للحل بسهولة ودون كثير عناء او تكلفة من صاحب الشأن، كأن يكون موظفاً او تاجراً أو أي انسان آخر تكون حاجة انسان مؤمن بيده، ربما يكون هذا الانسان هو جار يطلب مساعدة معينة، او ربما يطلب أمراً يزيح عنه الأذى والقلق كأن يكون شباكاً مشرفاً او عارض في الطريق او اصوات مزعجة وأمثالها كثير.
وفي رواية عن الامام الكاظم في هذا السياق، أنه قرن فرحة انسان مؤمن بقضاء حاجته بأنه "أسرني، وسرّ أمير المؤمنين، عليه السلام، والله؛ لقد سر جدي رسول الله، صلى الله عليه وآله، ولقد سرّ الله تعالى".
اضف تعليق