هذه التصرفات لا تجلب للأطفال إلا خسارة الوقت والشهرة غير المناسبة لأعمارهم والمنافسة غير الملائمة لمداركهم، في الوقت الذي يجب فيه أن يكونوا في المدرسة يؤدون الفروض المدرسية ويتطلعون للمستقبل أو يشاركون اقرانهم باللهو واللعب في الحدائق والمنتزهات. ان كانت التصرفات تنم عن مقاصد الربح...

في الوقت الذي نمتن ونثمن فيه ما وصلت إليه البشرية من تقدم وتطور علمي تكنولوجي ملحوظ على جميع الاصعدة والمستويات، إلا أننا في ذات الوقت نخشى من سوء الاستخدام وبشاعة الاستغلال وجشع البعض، ومن بين تلك المخاوف هو انتشار ظاهرة عمالة الاطفال إلكترونيًا، والذي تنطبق عليه مواصفات العمل الاعلامي حينًا والمسرحي حينًا آخر، وما بين هذا وذاك، طفولة تهدر وحياة تعكر واسرة تستفيد!

كثيرًا ما نشاهد على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديوية لأطفال صغار لم تتجاوز اعمارهم العشر سنوات، وهم يقومون بإداء تصرفات عمدية وعروض مسرحية ممنهجة تراجيدية أو هزلية، تدربوا عليها مرارًا وأتقنوا ممارستها أمام الكاميرات، ليتم بعد ذلك تحميلها بشكل مقاطع مدبلجة أو معدلة أو مجزئة من قبل ذويهم على مواقع التواصل الاجتماعي الاكثر مشاهدة والاقل رقابة ( التيك توك مثلًا)، ليحصد الأخير لهم المشاهدات والتفاعل والارباح المالية المرجوة من جل التصرف.

مستغلين بذلك غياب النص الصريح المانع والمجرم من هذا الفعل وانعدام الرقابة الوطنية وسذاجة الانحدار الاخلاقي، على الرغم من توافر جميع الشروط اللازمة لاعتباره عمل، والذي عرف في قانون العمل رقم 37 لسنة 2015 في المادة الاولى منه بفقرتها الخامسة بأنه: "كل جهد انساني فكري أو جسماني يبذله العامل لقاء اجر سواء أكان بشكل دائم أم عرضي أم مؤقت أم جزئي أم موسمي"، وبذلك نكيف طبيعة التصرف الصادر عن الاطفال في هذه المقاطع على أنها عمل لقاء اجر، ويستثنى منها ما كان عفويًا أو مجردًا من قصد الربح.

ولدى الاطلاع نلاحظ حرص المشرع العراقي على القضاء الفعلي على عمل الاطفال في المادة السادسة منه، وحين العطف والرجوع على المادة الاولى نجدها في الفقرة الحادي والعشرون قد عرفت الطفل بأنه: "اي شخص لم يتم 15 الخامسة عشرة من العمر"، عليه يكون الفعل الصادر عن الاباء وذوي الاطفال الذين يقومون بتدريب وتعليم هؤلاء الاطفال على تصوير المقاطع ونشرها بغية الربح، مخالفين للقانون ويقعون تحت طائلة المسؤولية.

مع التأكيد على أن هذه التصرفات لا تجلب للأطفال إلا خسارة الوقت والشهرة غير المناسبة لأعمارهم والمنافسة غير الملائمة لمداركهم، في الوقت الذي يجب فيه أن يكونوا في المدرسة يؤدون الفروض المدرسية ويتطلعون للمستقبل أو يشاركون اقرانهم باللهو واللعب في الحدائق والمنتزهات.

ان كانت التصرفات تنم عن مقاصد الربح المادي والشهرة في المجتمع لطفل يجيد اضحاك العامة فهذه مشكلة، وأنّ كان الطفل يؤدي المطلوب منه بكلمات بذيئة خادشة للحياء وبأفكار تتعارض مع القيم والمبادئ الانسانية والاسلامية والآداب العامة للمجتمع فالمشكلة أعظم!

وما بين هذا وذاك، فلا مناص من تحقق المسؤولية ونهوض التقصير وامكانية محاسبة ذوي الطفل وفق (م11 ق.ع.ع)، حيث أشارت المادة إلى عقوبة تشغيل الاطفال بالحبس مدة لا تزيد على ستة اشهر وبغرامة مالية لا تزيد على مليون دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين، وان كان الاداء والتنفيذ إلكترونيًا عرضيًا أو مؤقتًا فلا مانع من تطبيق القواعد العامة، ولكن السؤال الأهم هنا: من يرفع ويقيم دعوى عمالة الاطفال على هؤلاء؟ هل بالإمكان تلقي التبليغ من قبل الغير؟ وهل للجان قسم تفتيش العمل التابعة لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية مهام بهذا الشأن؟ وهل للادعاء العام دور في ذلك حمايةً للمجتمع؟ هذا ما سنعمد بالإجابة عليه في مقالات قادمة ان شاء الله.

* عضو ملتقى النبأ للحوار، وتدريسية في جامعة كربلاء

اضف تعليق