تتعدد الوسائل السياسية التي تسهم في حماية مبدأ التداول السلمي واهمها تتمثل بالأحزاب السياسية المعارضة ومنظمات المجتمع المدني، ثم الرأي العام، إذ ان النظم الديمقراطية في العالم تقوم على مبدأين اساسيين هما مبدأ تعدد الاحزاب ومبدأ تداول السلطة سلمياً، والمبدأ الأول هو ضامن للمبدأ الثاني كشرط من شروط...

ناقش مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية وضمن نشاطاته الفكرية الشهرية موضوعا حمل عنوان (مخاطر غياب التداول السلمي للسلطة كمخرجات للعملية الانتخابية) بمشاركة عدد من مدراء المراكز البحثية، وبعض الشخصيات الحقوقية والأكاديمية والإعلامية والصحفية في ملتقى النبأ الأسبوعي الذي عقد بمقر مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام، قدم الورقة النقاشية وأدار الجلسة الحوارية الباحث في المركز الاستاذ حيدر عبد الستار الاجودي حيث ابتدأ حديثه قائلا:

"تتجه اغلب دول العالم الى النص صراحة او ضمنا على مبدأ اساس في الانظمة الدستورية ابتعادا عن الظلم والاستبداد، الا وهو مبدأ التداول السلمي للسلطة، فالسلطة منذ وجودها تشكل قيدا ثقيلا على حرية الانسان لأنها اما ان تكون عادلة او تكون مستبدة وظالمة للمجتمع الذي تحكمه، ومن هنا فإن هذا الموضوع له اهمية كبيرة في وقتنا الحاضر كونه يمثل ضمانا اساسيا ضد الاستبداد والطغيان وضد الفكر الدكتاتوري الذي دائما يخلف الدمار في المجتمعات بصورة عامة ويمثل انتهاكا كبيرا لحقوق الانسان وحرياته، ولأن التداول السلمي للسلطة يشكل هدفا جماهيريا للحد من تعسف الانظمة واستبدادها.. جاء عنوان الورقة البحثية بهذا المضمون.

ان محاولة تعريف مفهوم التداول السلمي للسلطة لا يخلو من صعوبات واشكالات ترتبط بتعدد وجوه التداول وتنوع لوازم امكاناته مما يعرقل عملية حصره في اطار مفهوم واحد، مع ذلك وبشكل عام، يعني هذا المبدأ ان تتعاقب او تتناوب على السلطة القوى السياسية المتنافسة فتصل المعارضة الى السلطة بعد ان تصبح اغلبية لتحل محلها في المعارضة القوة المنافسة بعد ان تفقد صفتها كأغلبية، وهذا التناوب يكون سلميا سواء عن طريق الانتخاب او الاستفتاء العام للوصول الى السلطة، اذ لا يمكن لأي حزب سياسي ان يبقى في السلطة الى ما لا نهاية له ويجب ان يعوض بتيار سياسي اخر فالسلطة المطلقة مفسدة مطلقة.

ان عملية التداول السلمي للسلطة لا تعد كونها فقط آلية لإدارة دخول القوى السياسية الى السلطة والخروج منها، بل ان اشكاليتها في حقيقة الامر هي اعمق من ذلك فهي تكشف طبيعة الحالة الاجتماعية برمتها في صراعات اطرافها وتحالفاتها وفي درجة الوعي السياسي العام، لذلك كان التحقق الفعلي لمبدأ التداول السلمي مرهونا بشروط مسبقة، اذ نرى بأنها تشير الى ممارسة السلطة وتوفير متطلباتها والتي تأتي في مقدمتها تحديد اعلى نسبة في نتائج الانتخابات وذلك لان مبدأ التداول السلمي هو فكرة سياسية زجها الدستور وعلينا دائما الركون للشعب باعتباره المصدر الاول للسلطات.

ان الامر الاساسي في عملية التداول يتمثل في الالية السليمة لإدارة التولي على السلطة والتخلي عنها في نظام سياسي ما، والديمقراطية في مفهومها المعاصر تقوم على ركيزتين اساسيتين هما التعددية الحزبية والانتخابات، حيث تذعن الاقلية لرأي الاغلبية، ولعملية التداول السلمي على السلطة شروط تعتمدها الأنظمة السياسية الديمقراطية لضمان نجاحها منها:

1- توفّر وعي اجتماعي عام بأهمّية التداول كحصن من هيمنة الطغاة على الشعوب وضمانة لعدم الالتفاف على مطالبه.

2- وجود تعددية حزبية موضوعية، وهي ظاهرة تنبع من اختلافات سياسية تعبّر عن فروق فكرية في المرجعيات الإيديولوجية أو العقائدية أو فروق في البرامج السياسية بين مكونات المجتمع السياسي.

3- وجود نظام انتخابي وقانون يضمن دوريته وكيفية إجراء الانتخابات وشروط الترشح والمشاركة في العملية الانتخابية.

4- توفر دستور للبلاد يتضمّن توافقا حول مؤسسات الدولة وحكم الأغلبية مع احترام الأقلية، فالتداول السلمي على السلطة لا يعني تغيير أجهزة الدولة بتغيّر الطرف السياسي الماسك بالحكومة وإنما هو تغيير للنخبة الحاكمة قصد تطبيق برامج الأحزاب السياسية الصاعدة إلى السلطة.

5- أن يحترم الطرف السياسي الذي يمسك بالسلطة على إثر اقتراع عام الالتزامات التي تعهدت بها الحكومة التي سبقته في مستوى الاتفاقات الدولية والاتفاقيات مع المنظمات الوطنية كالنقابات والجمعيات، ولا يمنعه هذا طبعا من إعادة النظر في بعض تلك القرارات والاتفاقات بالحوار مع الجهات المعنية.

تتعدد الوسائل السياسية التي تسهم في حماية مبدأ التداول السلمي واهمها تتمثل بالأحزاب السياسية المعارضة ومنظمات المجتمع المدني، ثم الرأي العام، إذ ان النظم الديمقراطية في العالم تقوم على مبدأين اساسيين هما مبدأ تعدد الاحزاب ومبدأ تداول السلطة سلمياً، والمبدأ الأول هو ضامن للمبدأ الثاني كشرط من شروط التداول السلمي، اما دور الاحزاب السياسية المعارضة التي تقع خارج المجالس النيابية فلها دور رقابي مؤثر في مسائلة هيئات السلطة لا يقل اهمية عن دورها داخل المجالس النيابية، إذ تستطيع عن طريق وسائل الاعلام المختلفة تسليط الضوء على الاعمال والتصرفات التي من شأنها ان تعيق من عملية تداول السلطة سلمياً أو الانتقاص منها، ومن ثم اثارة الرأي العام ضد تلك التصرفات، مما يجعلها اداة رادعة وضاغطة لتقويم وتسديد العملية الديمقراطية من الصعوبة تجاهلها. وهذا بالتأكيد سيؤدي الى الحد من طغيان السلطة واستبدادها.

ان اغلب البلدان تلجأ الى التداول السلمي للسلطة وتشير اليه اشارة صريحة وواضحة في دساتيرها رغبة منها في الحد من ظاهرة تركيز السلطات وشموليتها التي عصفت بحقوق افرادها وصادرت حرياتهم ورغبتها في انشاء حكومة مركزية متزنة تحفظ الحقوق وتصون الحريات مع حرصها على الاحتفاظ بتنوعها القومي والمذهبي، لذا نجد بأن الدساتير تناولت بين طياتها مددا دستورية للرؤساء سواء كان نظام الحكم (رئاسي او نيابي) والهدف السامي من وراء ذلك عدم احتكار السلطة بيد واحدة وهذا ما نجده في الانظمة الديكتاتورية التي لم تشير الى تلك المدد وان اشارت فإن اشارتها شكلية لا يقوى اي احد على عدم اختيار الطبقة الديكتاتورية الحاكمة وبالتالي انعدام انتقال السلطة بصورة سلمية".

وللاستزادة من الآراء والمداخلات حول الموضوع تم طرح السؤالين الآتيين:

السؤال الاول/ كيف يؤثر الالتفاف على مخرجات العملية الانتخابية على الاستقرار السياسي والسلم الاجتماعي؟

السؤال الثاني/ كيف يمكن للمراكز البحثية ومنظمات المجتمع المدني توعية الرأي العام بمخاطر هيمنة الكتل السياسية على المخرجات الانتخابية؟

المداخلات

عملية الانتخاب تعطي مباركة وشرعية للفاسدين

الاستاذ صادق الطائي/ باحث سياسي:

"قد يكون الانقلاب العسكري اقرب الاخطار عندما يغيب التداول السلمي للسلطة بحجة ان البلد يعيش ظروف غير طبيعية وقاسية حفاظاً على السلامة العامة وحرية المواطن، فالقادة السياسيون والشعب غير راغبين بإدخال البلد في حالة تعطيل كل القوانين او اعلان رئيس الجمهورية او رئيس الوزراء قرار ايقاف مجلس النواب والانتخابات، وتعطيل جميع المؤسسات التشريعية بقرار حكومي، اي لا قانون ولا دستور ولا صحافة حرة تراقب وتفضح القوى الفاسدة في اي تجمعات تخاف من تحرك وتقدم المجتمع نحو الصعود والمعرفة والوعي، هذا يعني اقبار تلك المرحلة ورجالاتها الفاسدين، عندها يحاولون الالتفاف وبث الشبهات والاحاديث السلبية والدعايات الكاذبة على العملية الانتخابية واعتبارها تساهم في ادامة الفساد وسرقة الثروة الوطنية ومجيء عناصر فاسدة جديدة للمرحلة القادمة كالتفاف على مخرجات العملية الانتخابية من خلال الادعاء بأن عملية الانتخاب تعطي مباركة وشرعية للفاسدين والمفسدين في المجتمع حتى يكون هناك (عزوف) وابتعاد وامتعاض من المشاركة، وفي الاخير تكون المعادلة ثابتة وكراسي الفاسدين والعناصر الفاسدة مستقرة في مواقعها السابقة دون ضغوط.

المواطن البسيط لا يعرف كثيرا من الامور، ولكن مع عمليات التعلم والاستمرار في رفد المجتمع بالتوضيح والصحافة والمنشورات وجلسات المناقشة والطرح الجيد والعملي تعطي للمواطن قدرة من الوعي والفطنة على الوقوف امام هيمنة الكتل السياسية على تحويل نتائج العملية الانتخابية لصالحها أي عملية تزوير النتائج، في المجتمعات المتقدمة والتي تؤمن بالاستقرار السياسي والتحول السلمي لا يمكن ان يكون إلا من خلال عملية الانتخابات سواء كانت محلية او برلمانية".

ديمقراطية الغنيمة

الدكتور خالد العرداوي/ مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية:

" اذا اجريت العملية الانتخابية بدون شروطها من الممكن يتم فيها تزييف ارادة الناس وتصب في مصلحة الحاكم لا في مصلحة الدولة ولا في مصلحة الشعب، وكلنا نتذكر كيف كانت تجرى الانتخابات قبل عام 2003 ولكن لا يعني نظام الحكم آنذاك كان ديمقراطيا بل إن نسبة المشاركة كانت اكثر من نسبة المشاركة في انتخابات ما بعد 2003، فقد كان دافع الناس في المشاركة هو الخوف وهذا الدافع لا يحدد في تقرير الناس لاختياراتهم ولا يمكن للمواطن ان يختار ما لا تختاره السلطة، مما جعل العملية الانتخابية غطاء شكلي تستثمره السلطة لإضفاء المشروعية على عملها ووجودها.

اما اذا كنا نقصد بقضية التداول السلمي للسلطة هو ما يجري في العراق بعد 2003، فللأسف لا زالت البيئة غير ديمقراطية وان اتصف نظام الحكم بأنه ديمقراطي بحسب النصوص الدستورية، فالثقافة التي تدير العملية الانتخابية كآلية من آليات الخيار الديمقراطي هي عقلية غير ديمقراطية قائمة على الاستئثار بالسلطة والاستحواذ على السلطة وتسفيه المعارضين، ما حصل بعد 2003 كانت صناديق الاقتراع تشكل مظهر من مظاهر الخوف من السلطة وبعيدا عن تقديم نموذج ناجح للسلطة يحفز الناس على ان السلطة ليست غاشمة، وان السلطة لا تمثل ارادتهم ولكن تمثل ارادة المتنفذين في السلطة، وهذا ما فشلت فيه الطبقة السياسية بعد 2003 ولكن كانت النتيجة اكثر من 70% نسبة المشاركة في الانتخابات منذ 2006 الا انها تراجعت لتصل الى اقل من 28% في الانتخابات المحلية 2023، وهذا يدل على ان سقف الثقة بدأ يضعف عن الخيار الديمقراطي داخل المجتمع، وسوف ينظر الى الخيار الديمقراطي على انه خيار السلطة وليس خيار الشعب، وسينظر الى المؤسسات الدستورية الديمقراطية على انها مؤسسات الماسكين بالسلطة وليست مؤسسات الشعب، مما سيولد المزيد من عدم الثقة بين السلطة ومؤسساتها وقيمها وقواعدها وبين الشعب كمصدر اساسي للسلطة في نظام حكم ديمقراطي، وعندما تكون الثقة مفقودة سيسمح لحالات التمرد على القانون والتمرد على المؤسسات ونمو الجريمة والفساد، وسينظر رجال السلطة للمال العام والى المؤسسات العامة على انها غنيمة، وسينظر الشعب ايضا للسلطة ومؤسساتها وقوانينها وثرواتها وامتيازاتها على انها غنيمة، وهذا هو الذي يخلق حالة نسميها نحن بنظام كلبتوقراطي لا يكون فقط على مستوى السلطة وانما على مستوى الثقافة الحاكمة للشعب ايضا، وهذا ما يولد عدم الاستقرار في المستقبل ويهدد السلم الاجتماعي بشكل خطير.

اما ما يخص مراكز الابحاث ومنظمات المجتمع المدني فهي تنتمي لبيئة مدنية ديمقراطية، وعندما تكون البيئة هي بيئة استبدادية استئثارية اقصائية عند ذلك تتعرض هذه المؤسسات الى مخاطر كبيرة كتوجيه الاتهام بالعمالة والتجاهل والتهميش وابعاد الرأي الذي يخرج منها وايضا مخرجاتها لا تحترم، ولذلك ان هذه المؤسسات لا تستطيع ان تعمل بحرية في بيئة غير ديمقراطية يكون دورها ضعيف في تغيير بوصلة الرأي العام لأنه لا يمكن ان تحفز الرأي العام وتغير اتجاهاته مع وجود البندقية والمدفع فوق الرأس او مع وجود الكاتم الذي يهدد الرأي او المنهج الفكري، فأعتقد سوف يكون دور هذه المؤسسات ضعيف، نعم ممكن في المستقبل مع تطور الاوضاع وتغير الظروف تأخذ جزء من الحيز ولكن اذا بقيت الامور كما هي عليه الان سوف يكون دورها ضعيف ونأمل انه لا يستمر لوقت طويل".

عدم الثقة بالانتخابات

الاستاذ عدنان الصالحي/ مدير مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية:

"يكاد يكون نظام الحكم الديمقراطي في منطقة الشرق الاوسط نظاما ناشئا عدا بعض الدول الاخرى التي ما زالت تعاني من الاستبداد بشكل او بآخر، وقسم منها ما زالت الديمقراطية تراوح في مكانها، بالنسبة للعراق يمكن ان يؤشر له بأن ديمقراطيته ناشئة ما زالت تعاني من مشاكل كثيرة، اما موضوع ثقة الشعب بالنظام السياسي فهو نقطة اساسية فيه، فالشعب العراقي مقسم الى ثلاث فئات: الطائفة الشيعية والطائفة السنية والطائفة الكردية، الطائفة الشيعية كانت على عقد من الزمن لديها مشكلة مع السلطة وهذه الثقافة ما زالت لحد الان قائمة على الرغم من التغيير يوجد فيصل بين الحكومة وبين الشعب، وقد ازدادت الفجوة في السنوات الاخيرة نتيجة الانتكاسات التي تعرضت لها الثقة بين الشعب والسلطات المتوالية بحجة القضاء على الفساد والمحسوبية، اما الطائفة السنية فأنهم يرون بأن الحكومات بعد 2003 لا تمثلهم وهذه مشكلة حقيقية متأصلة، والطائفة الكردية ايضا لديهم مشروعهم الذين يسعون لتحقيقه منذ فترات طويلة وربما يتضارب مع مشروع الحكومات، وتوجد مشكلة مركبة وهي كيف تكون السلطة آمنة وسط غياب الثقة لدى الشعب، فعلى السلطات اولا ان تثقف مواطنيها بالعملية الانتخابية لأنه حق وليس واجب، فلا يمكن بأي شكل من الاشكال اجبار المواطن المدني او العسكري على التصويت لجهة او شخص معين اذا لم يكن تصويته عن قناعة شخصية، فعدم وجود مادة دستورية تحدد نسبة الانتخابات مؤشر على تعثر العملية الانتخابية، مما قد ادت العملية الانتخابية اليوم الى عملية روتينية لأنها فاقدة للثقة بين الكتل السياسية المشكلة للسلطة وبين افراد الشعب، واذا استمر عدم الثقة بالانتخابات ربما ستصل الكتل السياسية الى طريق مسدود بسبب عدم المشاركة الجماهيرية في الانتخابات.

اما المراكز البحثية ومنظمات المجتمع المدني فهي اليوم اكثر بعدا عن المجتمع لأنها تعيش عزلة حقيقية عن المجتمع، والاخير لم يعد يهتم لأمورها بسبب عمليات التشويه المنظمة التي تبعتها السلطات على المراكز البحثية منذ تأسيسها، وقسم منها اتهمت بالفساد الخارجي وقسم بالإرهاب وقسم بغسيل الاموال وقسم بأنها عبارة عن ترف فكري، ورغم عمليات التسقيط المنظمة والمضايقات التي تعيشها الا انها بقيت منها الثلة القليلة تتحرك وتؤثر في المجتمع وخصوصا في قضايا مواجهة مخرجات العملية الانتخابية، واذا بقي الحال بعدم الاهتمام لثقة الشعب وتحسين صورة السلطة واقعيا فإن الامور سوف تكون نتيجتها تراجع الثقة مستقبلا اكثر واكثر ما هي عليه وستصل الى مرحلة قد لا يصل الناخب الى صندوق الاختراع مرة اخرى".

تغيير قانون الاحزاب

الدكتور حميد الهلالي/ ناشط مدني:

"هناك علة ذهنية ربما يعاني منها اغلب شعوب العالم وهي عدم القبول التام بالتداول السلمي للسلطة، فالشواهد التاريخية لأغلب دول العالم والتي تعد ديمقراطيتها متقدمة تعاني ايضا من التداول السلمي التام، وربما يكون تداول شكلي غير حقيقي قطعي له، بسبب واقع حاصل بوجود جهات معينة لا تؤمن بالتداول ولا بالديمقراطية في كل العالم، ففي العراق تعد الديمقراطية وسيلة من وسائل السلطة ووجه وسائل السلطة هي وجه من الديمقراطية، نحن لحد الان لا توجد لدينا تربية ديمقراطية على مستوى القادة وعلى مستوى الشعب، بعض الافراد لا يزالون ينتخبون على اساس عشائري طائفي ومناطقي حتى يعيد نفس الوجوه التي كانت تحكم لمنفعته الشخصية، فلابد في التداول السلمي للسلطة في العراق ان يتوفر شيء اساسي وهو تغيير قانون الاحزاب هذا القانون الفاسد الذي كان احدى هفواته عدم وجود محددات مالية ومحددات وطنية والا لصارت المعركة على كرسي المغانم وليس على الخدمة كما يشاع.

اما بالنسبة لمنظمات المجتمع المدني فقد عملت الدولة بالدرجة الاولى على تشويه سمعة العمل المدني، مما أصبح خلط في ذهنية المجتمع العراقي تركزت على ان منظمات المجتمع المدني هي منظمات عميلة وتعمل لنطاق منظمات خارجية خارج اطار الدولة التي تعمل بها، مما ادت الى اضعاف هذه المنظمات والمراكز البحثية وتأثيرها على الوسط العراقي".

الديمقراطية بين العقل والغريزة

الشيخ مرتضى معاش:

"هناك تناقض بين السياسة والحرب، فالسياسة هي تعبير عن إدارة المصالح والحقوق والحريات، والحرب تعبير عن الانفعالات والصراعات والصدامات، والتناقض بينهما تناقض بين العقل والغريزة، فكلما يرتفع مستوى التعقل عند الانسان تصبح قدرته على تقبل وتطبيق الديمقراطية بشكل اوسع، فالديمقراطية المؤطرة بنظام ديمقراطي في اطار التنافس والتعددية هي الاقدر على تحقيق الامن والاستقرار والسلم الاجتماعي، اما الانظمة التي لا تمتلك تعقل ديمقراطي ستذهب نحو اشعال النزاعات والحروب والاستبداد وتدمير السلم الاجتماعي، لذا جاءت الديمقراطية كنظام من اجل عقلنة السياسة وتأطير التنافس والتعدد وعدم تحولها الى تصارع او استخدام الغلبة وقوة السلاح والسيطرة والهيمنة على الاخر المتنافس، فعملية التنافس السليم وتكافؤ الفرص عملية ايجابية من اجل تحقيق الهدف السياسي.

اما الانظمة السياسية غير العقلانية فيكون تحاورها في ادنى مستوياته، ويكون قريب جدا من الصراع الصفري الذي تنعدم فيه لغة الحوار والتفاهم، ان العملية السياسية العراقية تعد اليوم فاقدة لحوار حقيقي فيما بين المجموعات بأشكالها المختلفة، فدائما تبرز هنالك نوع من حالة الشعبوية والطائفية باستثمارها من اجل الغلبة على الطرف الاخر، وسط غياب واضح للمعارضة الحقيقية التي يكون دورها فعالا وجوهريا في عملية بناء الاطار الديمقراطي ولا تصل الى ذلك الهدف المطلوب في عملية التداول السلمي للسلطة بسبب سيطرة الكتل التقليدية المهيمنة على مفاصل الدولة، لذا نلاحظ صياغة قوانين وآليات ونظم حسب مقاسات مصالحهم، فالأحزاب تريد السلطة مطلقا وترفض فكرة التنازل عن السلطة، والمعارضة أيضا تريد اسقاط الاحزاب الحاكمة بكافة اشكالها.

والشعب من جهته لا يفكر بالديمقراطية كأمن اجتماعي مستدام بل يريد فحسب ان يحصل فقط على الامن الاقتصادي بأية وسيلة حتى لو كان النظام استبدادي، لذلك تأتي الاحزاب لتلبية الحالة الشعبية واسقاط المعارضة لتقوم بعملية استنزاف الموارد واستنزاف الموازنة في البلد دون التفكير في العواقب المستقبلية، لذلك فإن تصاعد الشعبويات هي نتيجة تحول النظام الديمقراطي الى ديمقراطية شعبوية قائمة على تلبية رغبات المواطنين وغرائزهم وحاجاتهم المستعجلة على حساب المستقبل.

ومن النقاط السلبية عدم الشعور بالعدالة الانتخابية، فبقاء نفس الكتل الحاكمة وعودتها مرة اخرى للسلطة تجعل الشعب يفقد ثقته بالعدالة الانتخابية وعدم وجود انتخابات سليمة وعدم وجود تداول سلمي للسلطة فيصبح عند الشعب الامر سيان سواء كان نظام ديمقراطي شكلي او نظام استبدادي ما دام لا يوجد فرق بين النظامين، لان الشعب ما يزال يشعر بالظلم وتغييب العقلاء وتغييب المراكز البحثية وتغييب العلماء والمفكرين والمثقفين التي تؤدي الى ازدياد حالة الجهل وكلما تزداد حالة الجهل تزداد المخاطر الكبيرة وتضخم الكتل في اساليبها السيئة.

اما بالنسبة الى دور المراكز والمنظمات فيمكن لها ان تسلط الضوء على مخاطر المستقبل والتعريف بإيجابيات وسلبيات الانظمة سواء الديمقراطي او الاستبدادي الشمولي والتعريف بالمخاطر التاريخية، كما حصل للشعب التونسي الذي ضحى بالديمقراطية من اجل الفقر ولكنه استبدل الفقر بشيء افقر منه، وصار هنالك نظام استبدادي يتجه نحو الشمولية بسبب تحكم نخبة مسيطرة مهيمنة على الاقتصاد، وايضا للمراكز البحثية دور مهم من خلال التركيز على الثقافة الديمقراطية وحوار النخب الايجابي القائم على حسن الاستماع الذي يضع الانسان في حالة فهم ماذا يريد وماذا سيحصل وماذا يحقق من الاهداف، وايضا رفع المستوى الثقافي والعمل التثقيفي عند الناس والابتعاد عن الصراع الصفري والاساليب الصفرية، لأن إدارة الصراعات بأسلوب التنافس الإيجابي هو الاساس لعملية بناء الديمقراطية الحقيقية، وكذلك الابتعاد عن الحالة الشعبوية المتطرفة التي تمارسها بعض النخب كإثبات وجود لها على ارض الواقع مهما كانت الوسائل خطرة".

تداول شكلي مع بقاء الدكتاتوريات

الاستاذ احمد جويد/ مدير مركز ادم للدفاع عن الحقوق والحريات:

"من آليات النظام الديمقراطي هي الانتخابات التي يتم من خلالها اختيار اشخاص تسلم لهم السلطة بعملية تداولية سلمية، وبدون هذه العملية تتحول الى صراع، يكون فيه القوي يغلب الضعيف في السيطرة على السلطة، لذلك تعد عملية صعبة التطبيق في دول العالم بسبب عدم الايمان المطلق من قبل الشعوب والقادة بالعملية الديمقراطية والثقافة الديمقراطية، وهذا الامر متوارث عبر العصور القديمة وحتى المتأخرة بأن الذي يحكم ويسيطر على السلطة هو الذي ينتصر بالقوة سواء بالسيف او بالبندقية ويجب على الاخرين اظهار الولاء والطاعة تحت عنوان الغلبة بالقوة، الى ان جاءت الانظمة الديمقراطية وفرضت نفسها على الشعوب وطورت من حالتها ولكن بقي العمل بها والايمان بها محدود، واذا ما اخذنا القضية بصورة عامة نجد في نهاية حكم ترامب وخسارته في الانتخابات كان هناك تشكيك بنتائج الانتخابات وكادت تؤول الامور ان تصل الى حرب اهلية بعد عدم خضوعها الى مبدأ او مفهوم التداول السلمي للسلطة.

اما في حالة العراق يعد تداول السلطة تداولا شكليا مع بقاء الدكتاتوريات مكانها بسبب ضعف الثقافة الديمقراطية في المجتمع، والشكل السائد ان يساير النظام الدولي من اجل الاعتراف بأن الحكومة شرعية لانها جاءت عبر صناديق الانتخاب، فكان هذا الشكل هو الذي اجبر القوة المسيطرة في العراق ان تتجه نحو الانتخابات واعطاء مدد معينة في الانتخابات كل اربع سنوات، والا لو كان النظام الدولي لا يعترف بشرعية هذه السلطة او تلك لما جرت انتخابات ولا مخرجات للعملية الديمقراطية لأنها مخرجات غير حقيقية بسبب غياب تكافؤ الفرص بين المرشحين والناخبين، ولذلك نلاحظ يوم بعد اخر ان الناس تفقد ثقتها في العملية الانتخابية بسبب عدم الاهتمام بالمخرجات الانتخابية نتيجة لفرض الانتخابات وجعلها فقط شكلية خالية من المضمون".

مكتسبات التحول السياسي

الاستاذ حسين علي حسين/ مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية:

"ان من اهم مكتسبات التحول السياسي بعد عام 2003 هو التحول من نظام دكتاتوري الى نظام ديمقراطي، عندما نذكر نظام ديمقراطي يعني ان يكون هنالك تداول سلمي للسلطة ومع مرور الوقت وكثرة الدورات الانتخابية التي مرت على العراق نجد التداول السلمي هو عملية شكلية غير واقعية، وجرت محاولات عديدة للالتفاف على السلطة للحصول على مغانم سياسية، وقد خرجنا مؤخرا من عملية انتخابية وهي انتخابات مجالس المحافظات لذا يجب علينا كعراقيين ان نستفيد من مخرجاتها وان نعرف هذه المخرجات هي يجب ان تكون امورا مدركة للشخص في معرفة حقوقه، من خلال تمكين دور منظمات المجتمع المدني والمراكز البحثية في المجتمع".

ضبط اسس المؤسسات

الدكتور حسين سرحان/ باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية:

"بعد التغيير في العراق والعمل بالنظام الديمقراطي عبر صناديق الاقتراع كان هناك تداول سلمي للسلطة بدءا من سلطة الاحتلال وتسليمها للعراقيين لحد عام 2023 هو تداول سلمي للسلطة واضح بدون حروب او اقتال لا بين الأحزاب ولا بين الجمهور، لكنه جرى بطريقة توافقية ارضائية وبتأثيرات خارجية وداخلية سواء كانت من مؤسسات دينية او قوى سياسية او قوى اجتماعية او قوى دولية-اقليمية، اما اذا اخذنا الموضوع بشكل عام فكل المجتمعات صفتها التغيير بوجود سلطة او نظام سياسي يساهم في التغيير بأطر تنظيمية وقانونية وسياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية معينة حتى يكون باتجاه هدف تمكين المجتمع وتمكين الافراد والانتقال به من مجتمع اهلي الى مجتمع مدني، فالتداول السلمي للسلطة هو ليس المظهر الوحيد للديمقراطية بل تسبقه امورا اكثر مثل البيئة الديمقراطية والبيئة الثقافية تكون مشجعة وخصبة لهذا السلوك السياسي الديمقراطي، وتسبقه ايضا وجود القانون وايجاد نوع من الرفاهية الاقتصادية للأفراد، وتعد الانتخابات نوع من ادارة الصراع الاجتماعي بحسب امكانيات المجتمع الثقافية والاجتماعية والعلمية الى اخره، وهذا التغير يساهم بالتنشئة الاجتماعية والسياسية باتجاه تمكين المجتمع سياسيا واقتصاديا وثقافيا، وممكن توفير بيئة لقبول الاخر للالتزام بالقانون والانماط الثقافية والاقتصادية والاجتماعية.

المجتمع السياسي في العراق غير مدرك لهويته بسبب السلوك السياسي للقوة السياسية -اذا صحت التسمية- بل هي نوع من ممارسة او مصادرة ارادة هذا المجتمع السياسي رغم ملاحظاتنا عن الانتخابات والنسب المعلنة، التي ربما تشكل اثارها تغيير فوضوي ولا يمكن ان ينتقل بالمجتمع الى مكان ارفع بالعكس بل يرجعه الى شكل اخر ربما يفقد السلطة قدرتها ودورها على ممارسة التغيير الاجتماعي سواء كان بالتعليم او بغيرها، فالعراق حاليا يعيش مرحلة التحول الديمقراطي ما لم يتم ضبط اسس المؤسسات التشريعية والتنفيذية والتنظيمية للانتخابات يكون من الصعب التحول الى النظام الديمقراطي السليم".

وفي ختام الملتقى الفكري تقدم مدير الجلسة الاستاذ حيدر الاجودي بالشكر الجزيل والامتنان إلى جميع من شارك برأيه حول الموضوع سواء بالحضور او من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، كما توجه بالشكر الى الدعم الفني الخاص بالملتقى الفكري الاسبوعي.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية / 2001 – 2024 Ⓒ
http://mcsr.net

اضف تعليق