q
ويتطلب النهج الذي يعتبر الطبيعة بنية تحتية أن نُقيم ما يمكن أن تقدمه الطبيعة قبل التفكير في الحلول التقليدية، ويمكن أن يساعد الدول في سد فجوات بنيتها التحتية بطرق مستدامة حقًا. ولكن ستظل البنية التحتية التقليدية ضرورية للنمو والتنمية على الدوام. وهذا يتطلب منا تصميمها بصورة أفضل لتقليل...
بقلم: إريك بيرجلوف

بكين- منذ آلاف السنين، دعمت البنية التحتية الطبيعية- مثل نُظم الأنهار والأراضي الرطبة والسهول الساحلية والكثبان الرملية والغابات- تطور الحضارة البشرية. وفي الواقع، كانت قدرتنا على استغلال هذه البنية التحتية في كل شيء، بما في ذلك توفير الغذاء ومياه الشرب، وحماية السواحل من العواصف، والتصدي للفيضانات، أمرًا أساسيًا لنجاحنا نحن البشر؛ وستكون ضرورية لبقائنا في المستقبل.

ودفع التقدم التكنولوجي قدما بتطور البنية التحتية. إذ تحول اللون الأخضر إلى الرمادي، حيث وفرت الخرسانة والكابلات والفولاذ الطاقة والاتصالات، والنقل- ورافق ذلك نمو وتطور لم يسبق لهما مثيل. ومع أن التحديث السريع أنتج ازدهارًا لم يكن ليتصور في أي وقت مضى، إلا أنه تسبب في عواقب غير مقصودة وخطيرة، لا سيما التدهور البيئي، وانبعاثات الغازات الدفيئة التي تهدد وجودنا ذاته.

والسؤال المطروح الآن هو كيف سنحقق الأهداف البيئية الملحة المتمثلة في تقليل الانبعاثات، وحماية الطبيعة والتنوع البيولوجي واستعادتهما، مع تمكين الاقتصادات النامية من تحقيق تطلعاتها المشروعة فيما يتعلق بالنمو. وورد في تقرير حديث من البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية أن أول شيء يتطلبه تحقيق هذه الأهداف هو الاعتراف الصريح بالطبيعة على أنها بنية تحتية.

إن اعتبار الطبيعة بنية تحتية سيغير الأمور، لأن ذلك سيجبرنا على التفكير بطريقة أكثر نظامية. وأثناء سعينا لتحقيق النمو والتطوير، يجب علينا أن لا نتجنب تدمير الطبيعة فقط، بل يجب أيضًا تعزيزها وإثرائها باستثمارات "لها أثر إيجابي على الطبيعة"- وفي الوقت نفسه، الاستفادة من إمكانياتها الهائلة في تقديم الخدمات الأساسية.

ويفعل البيولوجيون ذلك بالفعل عندما يحددون كيفية استعادة الأرض المتدهورة. ولكن يجب على الاقتصاديين الآن الانضمام إلى تلك الجهود وتحسين أدواتهم لإدراك قيمة رأس المال الطبيعي وتعقيداته. إذ على سبيل المثال، لا يغطي التنوع البيولوجي عدد الأنواع فحسب، بل أيضًا تنوعها الوراثي وتنوع وظائفها. ويتمثل جانب آخر من جوانب التنوع البيولوجي في التاريخ التطوري المعقد للأنواع- عندما اتخذت مسارات مختلفة في "شجرة الحياة". وفقط بتعميق فهمنا للتنوع البيولوجي سنفهم الإمكانات الكاملة للطبيعة- وتأثيرنا عليها.

إن هذه المعلومات محلية إلى حد بعيد، واكتسابها سيتطلب مساهمات من العلماء والسكان المحليين. وما يبعث على السرور هو أن هناك بالفعل نماذج لمثل هذا التعاون. إذ كان مشروع تحريج "سانبي" الضخم، الذي يهدف إلى منع اندماج صحراوين كبيرتين في شمال الصين، ناقصا في البداية، حيث زُرع نوع واحد فقط من الأشجار. ولكن على مدى عقدين، أدى فهم أعمق للبيئة المحلية ومشاركة المجتمعات المحلية إلى نجاحه.

وتعد الحوكمة والحوافز أمورا حاسمة أيضًا في حماية البنية التحتية الطبيعية وتنميتها. ففي إندونيسيا، لطالما كانت الأراضي المنغروفية تحمي المجتمعات، خاصة الأسر الفقيرة، من فيضانات المد والجزر القاتلة، ولكنها تستنزف في مناطق تعاني من ضعف أداء الحكومة. وفي مصر، على عكس ذلك، استمدت جهود استعادة المنغروف الدعم من إيرادات السياحة البيئية وتربية النحل، وهو قطاع ينتج العسل ويدعم تقديم خدمات التلقيح الأساسية.

ويتطلب النهج الذي يعتبر الطبيعة بنية تحتية أن نُقيم ما يمكن أن تقدمه الطبيعة قبل التفكير في الحلول التقليدية، ويمكن أن يساعد الدول في سد فجوات بنيتها التحتية بطرق مستدامة حقًا. ولكن ستظل البنية التحتية التقليدية ضرورية للنمو والتنمية على الدوام. وهذا يتطلب منا تصميمها بصورة أفضل لتقليل تأثيرها على الطبيعة. فعلى سبيل المثال، تترك بنية الطاقة المتجددة بصمة بيئية كبيرة، وتقسم بنية الطرق وتلحق ضررًا بالتكاثر. ويمكن أن تساعد حلول مثل التشييد المشترك للبنية التحتية في المواقع المتطورة وتوفير بنية تحتية إضافية (مثل ممرات في الطرق السيارة مخصصة لعبور الحيوانات البرية، والمساحات الحضرية الخضراء، وجهود استعادة الطبيعة) في التخفيف من هذه التأثيرات.

ومن المؤكد أن التمويل قد يكون تحديًا. إذ يفترض إطار العالمي كونمينغ مونتريال للتنوع البيولوجي، الذي اتفق عليه قبل عام، أنه سيكون هناك حاجة إلى ما بين 598 إلى 824 مليار دولار سنويًا بحلول عام 2030 لسد الفجوة في تمويل التنوع البيولوجي. وفقط من خلال تقدير الطبيعة على نحو صحيح وإنشاء أسواق ستعبئ رأس المال الخاص والمؤسساتي، يمكن توليد مثل هذه الأموال اللازمة لحماية الطبيعة ومن ثم البدء في استعادتها.

ولتحقيق هذا الهدف، يجب تطوير "الطبيعة كبنية تحتية" وكفئة أصول، باستخدام أساليب وأدوات مالية جديدة. وعلى الصعيد الجزئي، ستتطلب هذه العملية تحسين تسعير الخدمات التي توفرها الطبيعة -على سبيل المثال، فرض رسوم الاستخدام أو التصاريح والضرائب على الأنشطة الضارة- وقواعد تنظيمية محلية وتنظيمات قابلة للتكيف. ويمكن أن تدعم السياسات على المستوى الجزئي تطوير أدوات مالية أخرى، وفي نهاية المطاف تشكيل الأسواق- بما في ذلك السندات المرتبطة بالأداء والإقراض القائم على السياسة وصفقات الديون مقابل الطبيعة ورصيد الطبيعة، على سبيل المثال لا الحصر- لتوجيه المزيد من التمويل نحو جهود استعادة الطبيعة. ويجب أن تؤخذ الدروس من أسواق الكربون لتجنب تكرار أخطاء الماضي.

ويجب إيلاء عناية خاصة للاقتصادات ذات الدخل المنخفض، التي يتسم العديد منها بالضعف الشديد إزاء تغير المناخ وتدهور البيئة ولكنها غنية بالموارد الطبيعية التي يجب أن تقيم تقييما صحيحا. ويمكن للبنوك التنموية الإقليمية أن تحفز نهج الطبيعة كبنية تحتية، مضمنةً ذلك في جميع جوانب عملياتها. وفي نهاية المطاف، يجب أن يوجِه هذا النهج أيضًا مشاريع البنية التحتية الفردية واستراتيجيات النمو الوطنية.

وسيكون لعواقب القرارات المتعلقة بالبنية التحتية التي نتخذها اليوم تأثير على عقود أخرى قادمة. وفقط بالالتزام بالاستثمار الأخضر وتطوير البنية التحتية التقليدية يمكننا التأكد من أننا نضع الأسس لاقتصاد عالمي أكثر إنصافا واستدامة وشمولًا.

* إريك بيرجلوف، هو كبير الاقتصاديين في البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية.
https://www.project-syndicate.org/

اضف تعليق