كلما قل عدد الأفراد الذين يتقنون صنعة إدارة الأموال وتشغيلها في المجتمع، قل عدد الأفراد الذين يستطيعون الاعتماد على أنفسهم في تلبية حاجاتهم الأساسية، ومع عدم وجود سياسة تنمية مستدامة تعتمدها الجماعات أو الدول كخدمات الصحة والتعليم فإنها ستوصف بالدول الفقيرة مثل بعض الدول الأفريقية...

 أكثرية الناس يولدون وهم لا يملكون شيئا، ولكن مع تقدمهم العمري بالحياة ينقسمون إلى ثلاثة أقسام، فقير لا يجد ما يُنفق من مال لسد حاجاته الأساسية إلا بشق الأنفس، ومتوسط الحال يجد ما يُنفق من مال لسد حاجاته الأساسية أو بعضها، وغني يجد ما يُنفق من مال لسد حاجاته الأساسية والكمالية أو يزيد من إنفاقه شمالا ويمنا.

وهذا الأمر لا ينطبق على الأفراد، وحسب، بل ينطبق على الأسر والجماعات والشعوب والدول والأمم، فبعض الأسر تُوصف بأنها أسر فقيرة، مع أن بعض أفرادها غني، وأخرى تُوصف بأنها غنية مع أن بعض أفرادها فقير. وكذا الدول، فبعض الدول تُوصف بأنها دول غنية مع أن بعض مواطنيها فقراء، ودول أخرى تُوصف بها فقيرة مع أن بعض مواطنيها أغنياء.

كل من الأفراد والدول يسعيان للحصول على الأموال، فالأفراد يسعون للحصول على المال لسد حاجاتهم من الأكل والشرب والملبس والسكن والتعليم والصحة والرفاهية. والدولة تسعى للحصول على المال لتحقيق التنمية الاقتصادية التي تهدف إلى تحقيق نوعية حياة أفضل لجميع مواطنيها، مثل الحد من الفقر، وتحسين الرعاية الصحية، والتعليم، وضمان التوزيع العادل للدخل.

صحيح أن الجماعات والدول هي الأخرى تفكر في الحصول على الأموال لتحقيقها أهدافها إلا أنها تظل رهن قدرة أفرادها، لأن أية جماعة أو أية دولة هي كيان معنوي مؤلف من أفراد، والأفراد كلما كانوا يحسنون صنعة إدارة الأموال تمكنوا من تحقيق أهداف الجماعة التي ينتمون إليها أو الدولة التي يستوطنونها، والعكس صحيح أيضا، وعليه؛ فالفرد إذا كان يمتلك مهارة إدارة الأموال سيكون عضوا فعالا في الجماعة التي ينتمي إليها، أو مواطنا مقتدرا في كيان دولته. 

بمعنى آخر؛ كلما ازداد عدد الأفراد الذين يتقنون صنعة إدارة الأموال وتشغيلها في المجتمع، ازداد عدد الأفراد الذين يستطيعون الاعتماد على أنفسهم في تلبية حاجاتهم الأساسية، بالإضافة إلى تلبية حاجاتهم الكمالية أو جزء منها، بل يزداد عدد الذين يُتوقع أن يقدموا جزء من الأموال لغيرهم من مواطنيهم الفقراء على شكل نقود أو مساعدات عينية أو مساعدات لوجستية وغيرها. فيزداد عدد الأغنياء ويقل عدد الفقراء، ومع وجود سياسة تنمية مستدامة تعتمدها الجماعات أو الدول كخدمات الصحة والتعليم والعمل فإنها ستوصف بالدول الغنية مثل بعض الدول الأوربية أو الدول الصاعدة للغنى مثل الصين. 

والعكس صحيح أيضا، كلما قل عدد الأفراد الذين يتقنون صنعة إدارة الأموال وتشغيلها في المجتمع، قل عدد الأفراد الذين يستطيعون الاعتماد على أنفسهم في تلبية حاجاتهم الأساسية، ومع عدم وجود سياسة تنمية مستدامة تعتمدها الجماعات أو الدول كخدمات الصحة والتعليم فإنها ستوصف بالدول الفقيرة مثل بعض الدول الأفريقية، وبعض الدول العربية.

إذا مهارة إدارة الأموال من الأمور الأساسية التي ينبغي أن يتعلمها أفراد المجتمع جميعا، صغارا وكبارا، أطفالا وشبابا وشيوخا، رجالا ونساء، سواء كانوا من طبقة الفقراء أو طبقة الأغنياء، وسواء كانوا متعلمين أو أميين؛ لأن جميع بني البشر يتعاملون مع الأموال لحظيا. ليس هذا وحسب بل تشكل الأموال دافعا قويا لهم، وفي سبيلها يبحثون عن العمل والتعليم الجيد والمهارات المتعددة...

والسؤال هنا ما هي الأموال وما حاجتنا إليها؟ وهل تحتاج الأموال إلى إدارة وكيف؟ وماهي المهارات اللازمة لصنعة إدارة الأموال؟ 

الأموال ليست هي النقود فقط، وإن كنا نستخدم في الغالب مصطلح (الأموال) ونقصد به النقود، سواء كانت ورقية أم معدنية، إنما الأموال هي كل ما يُتمول به الإنسان، فالنقود مال، والأرض مال، والبيت مال والسيارة مال، وأي شيء يمتلكه الإنسان، وكان له قيمة هو مال. والإنسان بالفطرة يحب المال حبا كثيرا، فقد قال الله تعالى (وتحبون المال حبا جما) وذلك لأن المال في حياتنا عنصر أساسي لا يمكن الاستغناء عنه أو جزء منه، لسد حاجتنا من الأكل والشرب والملبس والسكن وغيره.

 فإذا كنت لا تملك نقودا لا تستطيع أن تأكل إلا بالاعتماد على نقود الآخرين، وإذا كنت لا تمتلك نقودا لا تستطيع أن تشتري حاجاتك من اللباس، وإذا كنت لا تملك بيتا فأنت لا تستطيع أن تعيش في الشوارع إلا إذا كنت من المتشردين، فأنت مضطر لشراء منزل أو إيجار منزل لحاجتك إلى سكن، وهكذا يمكن القول في كل حاجات الإنسان.

وإذا كانت الأموال والنقود أمورا ضرورية لاستمرار حياتنا وحياة الآخرين، فإنها بالتأكيد تحتاج إلى إدارة، وفي تصوري ليس هناك إدارة أهم من إدارة الأموال والنقود، لأنها تفتح الأبواب أمام الناس، وتجعلهم يتصرفون بمسؤولية كاملة إزاء ما ينبغي أن يحصلوا عليها من أموال، أو إزاء ما حصلوا عليها من أموال، أو إزاء ينبغي أن يخططوا له لاستدامة هذه الأموال. 

تعتمد حياة الناس أفراد وشعوبا ودولا على محطات التعامل مع المال، فالأموال لها محطات مثل محطات القطار. وكل محطة مكملة للأخرى. فمن يتمكن من ركب القطار يحصل على نقطة، ومن يتمكن من الوصول إلى المحطة الأولى له نقطة، ومن يتمكن من الوصول إلى المحطة الثانية له نقطة، وهكذا حتى المحطة الأخيرة، فأنها تعد مثابة الفوز. 

وإدارة الأموال تعتمد على محطاتها، ومحطاتها هي:

1. كيف أحصل على الأموال؟

 يُعد الحصول على المال أول محطة من محطات إدارة الأموال، ومن دون هذه المحطة لا يمكن الانتقال إلى المحطة الثانية. والحصول على الأموال ليس طريقا سهلا، بل هو طريق شاق يستلزم توفير مجموعة من الشروط والمهارات. وبوابة الحصول على المال الأساسية هي العمل، وللعمل شروط منها: أن تكون لديك رغبة بالعمل، وأن تكون قادرا عليه، وأن تكون ملتزما به، وأن تجيد مهارة أو أكثر من مهارات.

 وبناء عليه ينبغي أن يتعلم الإنسان الراغب في الحصول على الأموال كيفية توفير الشروط والمهارات اللازمة للحصول على فرصة عمل ملائمة، وكيفية البحث عن العمل، وكيفية إقناع صاحب العمل باني الشخص المناسب للوظيفة، وكيفية الالتزام بمقررات العمل، وكيفية التعامل مع زملاء الوظيفية وغيرها. وهذه المحطة هي المحطة التي يفترق بها الإنسان الفقير أو مدقع الفقر عن غيره. فالإنسان الفقير أو مدقع الفقر من أول أسباب الفقر عنده هو أنه لا يعمل أو لا يجد فرصة عمل. 

2. كيف أنفق الأموال؟

 يُعد إنفاق الأموال ثاني محطة من محطات إدارة الأموال، وهي محطة غاية في الأهمية، ويكاد عدد كبير من الناس يتواجدون عند هذه المحطة، إلا الفقراء والمعدومين؛ فهؤلاء لم يركبوا القطار قط. هذه المحطة يوجد فيها أناس، لديهم كمية من المال، قليل أو كثير، إلا أنهم يختلفون في طريقة إنفاقه، فلابد لكل واحد منهم أن ينفق ماله، على ما يحتاجه، فبعض الناس ينفق كل ما لديه، وبعض الناس ينفق جزء ويبقي جزء.

فالذين ينفقوا كل أموالهم، صحيح أنهم يسدون جزء من حاجاتهم إلا أنهم بمثابة الفقراء والمعدومين الذين لم يركبوا القطار بعد. فكلما تقدموا خطوة عادوا من حيث انطلقوا، فيظلوا تحت دائرة الفقر دائما، والفرق بينهم وبين الفقراء هو أنهم ينفقون على حاجاتهم من أموالهم الخاصة بينما الفقراء ينفقون في الغالب من أموال الآخرين التي تقدم لهم على شكل معونة اجتماعية من المجتمع أو من الدولة. بينما الذين أنفقوا جزء وابقوا الجزء الآخر سوف يتمكنون من الانتقال إلى المحطة الثالثة. في هذه المحطة يحتاج الناس أن يتعلموا مهارة إنفاق الأموال، فمن الخطأ أن تُنفق كل ما لديك، ولو كان ما لديك قليل. 

3. كيف أدخر الأموال؟

 يُعد ادخار الأموال ثالث محطة من محطات إدارة الأموال، وهي محطة لا يدخلها إلا أناس لهم عقلية مهتمة وعارفة بأهمية الأموال في الحياة، فهم دائما يقسمون ما يحصلون عليها من أجور ومرتبات بين ما يجب أن ينفقه على حاجاته الضرورية جدا، وبين ما يجب أن يدخره في صندوق الادخار أو في حسابه المصرفي، لا يستخدمه إلا في وضع أفضل، أو في وضع أصعب أحوج ما يكون إليه. في هذه المحطة يحتاج الناس إلى تعلم مهارات الادخار، كم هي الأموال التي يجب ادخارها؟ وكيفية ادخارها؟ وكيف استخدم الأموال المدخرة وغيرها؟ 

4. كيف استثمر الأموال؟

 يُعد استثمار الأموال المدخرة رابع محطة من محطات إدارة الأموال، وهي محطة تجمع أناس يتمتعون بحس عالي في تنمية رؤوس أموالهم وزيادتها، وهم لا يدركون أهمية الأموال ولا ادخارها فقط بل يدركون أهمية تحريكها في الوسط الاقتصادي والاجتماعي لتحقيق غايات اقتصادية واجتماعية تعود عليهم أولا ثم المجتمع الذي يستثمر به هذه الأموال على شكل مشاريع أو مصانع أو منشئات أو خدمات بالمنفعة الكبرى. لذا فان البلاد التي يزادا فيها مواطنوها المستثمرون هي بلاد محظوظ حقا. وكثير من البلدان الفقيرة والغنية تسعى دائما إلى جلب هؤلاء المستثمرين إلى بلادهم لتحرك اقتصادها وتحقيق تنمية اقتصادية مخطط لها، وتمنح امتيازات كثيرة من أجل المحافظة عليهم. 

5. كيف أوزع الأموال؟ 

يُعد توزيع الأموال الفائضة عن الحاجة خامس محطة من محطات إدارة الأموال، وهي محطة لا يصلها إلا القليل من الناس، لأنها تتطلب مستوى عالي من الإحساس ليس بأهمية المال كما في المرحلة الرابعة بل بأهمية وجود هذا المال في داخل المجتمعات، لأن المال لم يوجد لادخاره أو استثماره فقط إنما وجد لإعانة الناس على سد احتياجاتهم. وهذا من أعظم ما يقوم به بعض الأغنياء من الناحية الدينية والاجتماعية والنفسية، ومردوده عند الله وعند الناس كبير أيضا.

 وقد لجأ بعض الأثرياء وأصحاب الشركات الكبرى إلى تخصيص جزء من أرباح شركاتهم إلى المجتمعات المحتاجة مثل الفقراء والأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة وغيرهم، وقد يقوم البعض بفتح مشروعات خاصة لتهيئة فرص عمل للفقراء بدلا من أعطياهم المال. وكل من وصل إلى هذه المحطة أصبح معلم لا يحتاج إلى مهارة. بل تجربة العطاء هي المهارة التي ينبغي أن نتعلمها منه.

..........................................

** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات/2009-Ⓒ2024

هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...

http://ademrights.org

[email protected]

https://twitter.com/ademrights

اضف تعليق