لاشك ان التغيير الذي اعقب سقوط نظام صدام قد كان زلزالاً تحطمت فيه ركائز مهمة في بنية الدولة, واهمها الاجهزة الاستخبارية, وكان لابد من ان تبنى تلك الاجهزة بشكل جديد وعصري ووفق مفاهيم وطنية بحتة, واساس بناء تلك الاجهزة هو تدريب العناصر التي انتمت لتلك المؤسسات حديثاً.

وللأسف فقد صُرِفَت ملايين الدولارات على اسس تدريبية فاشلة وغير علمية بدليل ان عشر ما صُرف كان يكفي لبناء اكاديمية استخبارية تخصصية, وهو مالم يحصل بل لعله لم يخطر على بال القائمين على الامور.

مميزات التدريب الاستخباري

لا يتشابه تدريب الاستخبارات وصنف الاستخبارات مع نوع تدريب الجيوش والاجهزة الامنية الا في العموميات, وله خصوصية تدخل ضمن اطار عمل الاستخبارات, إذ يختلف مفهوم العدو بين الاستخبارات والامن بشكل كبير.

فالاجهزة الامنية تمنع عناصرها من الاقتراب للعدو, بينما الاستخبارات تدفع بعناصرها للذهاب الى العدو والعيش معه ولصقه, كما ان جميع التدريبات العسكرية والامنية تهدف الى قتل او شل العدو , بينما تذهب الاستخبارات لاختراق العدو.

من اجل اكاديمية استخبارية

من اهم ركائز الاحتراف والتطور في الاستخبارات هو التدريب وبالشكل العملي الصحيح وبأحدث الاساليب وبما يوفر الحاجة الحقيقية ويطور المهارات ويزيد من المعرفة والخبرة ويساعد في انجاز الواجب والوصول الى الاهداف بشكل صحيح.

وتكمن اهمية التدريب في انها تؤدي الى زياده المعرفة وتحسين الاداء وتنمية القدرات والمهارات وتغيير الاتجاه والسلوك في مجال العمل و التمكين من الالمام بالجديد واكتساب الثقة بالنفس والقدرة على الانجاز وتحسين المستوى الفني والاداري والمساهمة الفاعلة في تنفيذ خطط المؤسسة الاستخبارية.

بعد سقوط النظام أصحبت لدينا ثقافة مغلوطة لاوجود لها في اية دولة في العالم تمثلت في ارسال الضباط الشباب بدورات للخارج, وهذا اشبه بتدمير للاستخبارات لأنه يعرضهم للتأثر بل وحتى التجنيد في الخارج, واصبحت هذا الدورات نوع من انواع الترفيه والسياحة بدلاً من ان تكون تدريباً محترفاً ومفيداً, وقد صرفت الملايين لهذا الغرض المضر والخطير للأسف الشديد.

وكان الصواب ان يتم التعاقد مع مدربين محترفين, او بإرسال ضباط واناس كفوئين كبار من ذوي الخبرة ومن خارج المنظومة الاستخبارية, ليتأهلوا كمدربين ومدرسين قادرين على نقل الخبرة واساليب التدريب لعناصر الاستخبارات الجدد ضمن اكاديمية وطنية تمثل مركز او معهد للتدريب مستقل ويتبع الى ادارة المجتمع الاستخباري, والمدربون لا يعملون داخل مؤسسات الاستخبارات وانما هم كادر تدريبي يتقن التدريس, ويجب ان يرافق هؤلاء في الدورات خارج العراق ضباِط امن لحماية الوفود من الاختراق وان يطالَبوا بكتابة تفاصيل دوراتهم ولقاءاتهم بعد كل سفر او دورة.

ويجب ان تكون مؤسسة التدريب عبارة عن مدرسة استخبارات او معهد استخبارات او كلية لعلوم الاستخبارات, ويشرف عليها ضباط مخضرمين من اصحاب الخبرة في المجال الاستخباري وتتبنى اساليب علمية وحديثة, وتضع خطة ومناهج تدريب سنوي لكل مؤسسات الاستخبارات وتكون لها فروع في اجهزة الاستخبارات كافة, وفي الغالب يكون هذا المركز العلمي تحت اشراف إدارة المجتمع الاستخباري, فهو المعني بالخطط والاحتياجات وهو الاعلم بما تحتاجه المؤسسات من تدريبات وفق المهمات الموكولة اليها .وتتنوع حاجات التدريب الى انواع الاستخبارات الهجومية والوقائية والدفاعية, فالاستخبارات العسكرية تحتاج من ضابط الاسلحة ان يعرف انواع الاسلحة واشكالها وضابط استخبارات في القوة الجوية يجب ان تكون له معرفة بأنواع الطائرات واستخداماتها واسلحتها وكل تفاصيلها وبالشكل العام حتى يتمكن من التشخيص الدقيق.

يجب اعتماد الاساليب العملية الصحيحة في التدريب التي تُعتمد عالمياً الان, لتسهيل وتسريع عملية التأثير والتعليم واستهداف المتعلم بشكل افضل, وسنشير الى اساليب التدريب الحديثة المتبعة حاليا, وهي تتطور بتطور العلوم حالها حال العلوم الاخرى.

مفردات التدريب الاستخباري

لا نستطيع حصر ابجديات مناهج التدريب بسبب تنوع الاختصاصات كما لا يمكن حصر احتياجات التدريب فهي تتم حسب حاجة العمل الاستخباري, ولكن بالشكل العام تدور حول انواع التكنلوجيا والحواسيب وقيادة السيارات بأنواعها واستخدام الاسلحة وتفكيك العبوات و فتح الاقفال وزرع اجهزة التعقب والسباحة والرماية والجغرافيا وقراءة الخرائط وتحديد المسافات والادارة والتزوير وكتابة التقارير ودراسة علم النفس والقانون الدولي وقوانين العقوبات والطب الجنائي والتحقيق والتصوير والقراءة السريعة والشفرة والمناخ واصول الدبلوماسية والعلم الجنائي واللياقة البدنية وتطوير قدرات التحليل والاستنطاق والاستجواب والسرية والكتمان والتخفي وانتحال الشخصية ومقاومة التحقيق والتوصيف والمشاهدة والمراقبة والامن الشخصي والانضباط وايجاد الطريق ومكافحة التجسس والمقرات الآمنة والواجهات والمنطق والاسعافات الاولية والمطاردة والتقييم والتدقيق والاشاعة والدعاية والحرب النفسية والتفكير الاستراتيجي والتضليل والمراقبة واشارات الجسم وحقوق الانسان والمواطنة والاحترام والفحص الامني والثقة والشك والخطط البديلة و التعايش والخداع وكبح حب الظهور وادارة المصادر والمخبرين وتنظيم الملفات وخزن البيانات وسرعة البديهة والارتجال والاستطلاع والتخطيط والتفتيش والدوريات والكمين والمثابات وانواع الاوكار والرصد والاحداثيات والتواصل والتهديف والدفاع عن النفس والهروب والانسحاب.

اساليب التدريب

التدريب علم اداري متكامل ومنفصل عن علم الاستخبارات, وله اساليبه التي تتطور بتطور التكنلوجيا والزمن, ومن اهم الاساليب ما يلي:

1- الاسلوب التدريسي: هو الاسلوب القديم, وكلما ترشّق كان اكثر تأثيراً, وقد اضيفت لهذا الاسلوب وسائل ايضاح سمعية وبصرية.

2- الاسلوب البحثي: وهو تشجيع العناصر على كتابه الابحاث والدراسات ووجهات النظر العلمية والعملية وهذا من الاساليب الحديثة الناجحة والتي تسهم في تفعيل الافكار ومشاركة افكار الجميع (تُلزم المؤسسات الاستخبارية المحترفة عناصرها بكتابة بحث عن مجال عملهم سنويا).

3- الاسلوب التطبيقي او التنفيذي: وهو ببساطة ان تتم مرافقة المتدرب أثناء تأدية العمل والواجب ويلاحظ الاداء عملياً كأن يرافق ضابط الارتباط الشخص المتدرب اثناء لقاء المصدر او ان يرافق ضابط الاستجواب المتدرب اثناء التحقيق.

4- الاسلوب غير المباشر (عن بعد): وهو ما اتاحته التكنلوجيا من خلال الدوائر المغلقة او الحاسوب فلا حاجة فيها للحضور في صف دراسي وتتيح التعلم باختلاف تواجد الطلبة والتدريسيين.

كما تساهم المؤتمرات وورش العمل والزيارات الميدانية بالارتقاء بالتدريب والتطوير وهي تخلق الانسجام والعلاقة الايجابية والتعارف وزياده التحاور وايجاد لغة مشتركة علمية.

خطط التدريب

وبالرغم من الخطوط العريضة للتدريب ولكن بالطبع هناك تخصصات, فمثلاً عناصر الاستخبارات الجنائية يحتاجون الى دورات اكثر في مجال القانون والطب الجنائي وقوانين العقوبات, بينما يحتاج عناصر الاستخبارات العسكرية لدورات اكثر في معرفة الاسلحة وانواعها والجغرافيا واساليب القتال, فيما يحتاج منتسبو الاستخبارات الخارجية او الهجومية لدراسة القانون الدولي واصول الدبلوماسية واللغة وانتحال الشخصية واساليب التجسس والتجنيد.

ويأخذ مركز التدريب العالي المشرف هذه الخصوصيات بنظر الاعتبار, ويقوم بإعداد جدول ونشرة تدريب سنوية بتوقيتات دقيقة وبرمجة منظمة, ويعرف كل جهاز من بداية السنة عدد الدورات والافراد المطلوب ارسالهم والتخصصات المطلوب ارسالها والتوقيتات ومدة كل دورة سنوياً , الامر الذي يؤدي لبناء اجهزة استخبارات متعلمة وذكية وذات مستوى تدريب عالٍ.

يجب ان تعتمد الاستخبارات على ثلاث مناهج تطويرية في مجال التدريب والتعليم وهي

1. التدريب الإلزامي: حيث تُفرض الدوائر والمؤسسات الاستخبارية دورات الزامية سنوية او نصف سنوية او فصلية على عناصرها وتضاف نتائج الدورات إلى الملف الشخصي وتكون إحدى ركائز التقييم للفرد وتكون هذه الدورات ملزمة للجميع ويجب استكمالها في مراحل الخدمة.

2. التدريب الفني التخصصي: لكل مؤسسة استخبارية نوع من التدريب الخاص بعملها يجب ارتقاء منتسبوها به, فمثلا ضابط الارتباط يتم تدريبه على كل ما يخص عمله والضابط الفني تكون تدريباته خاصه بنوع عمله وهكذا ويكون التدريب المهني لزياده الكفاءة والاداء كل حسب اختصاصه.

3. التدريب الطارئ: وعادة يكون بلا خطة مسبقة وحسب الحاجة, وهو المنهج الذي يوضع لغرض حل مشكلة داخل الجهاز كأن يكون هناك خلل في استخدام جهاز فني أو مصدر سري تم إحضاره بشكل طارىء وسريع أو هناك حاجة لإرسال مدرب إلى محطة خارج البلد لتدريب أفراد سرا أو سارق تم تجنيده لخرق عصابة ويحتاج لتدريب لاستخدام كاميرا أو لاقطة ويجب أن يخضع لتدريب سريع.

خلاصة

في كل عمل وفي كل مواجهة وفي كل معركة, اذا اردت الانتصار في معركة فعليك بالتدريب ثم التدريب وثم التدريب, ومن ثم اذا اردنا استخبارات فاعلة ومعلومات جيدة وخرق ناجح لصفوف العدو فلابد من التدريب المرهق والطويل والشاق الذي سيتخرج منه جيل يعلم ما يفعل ويتقن ما يعمل ولا يعرف طريق الفشل ولا يعرف المستحيل, والله الموفق.

اضف تعليق