ان فجوة الثروة والدخل التي اتسعت بشكل كبير بسبب الفساد والادارة الفاشلة للاقتصاد العراقي الزاخر بثرواته المختلفة تنذر ببركان كبير ما لم يتم تداركه، والمتفحص للحياة الاجتماعية والاقتصادية اليوم يجد بوضوح أشكال من الانفجارات الصغيرة والحمم الاجتماعية المنبعثة هنا وهناك والتي تدلل على اقتراب انفجار البركان...

الحلقة الأولى من هذا المقال الى أربع ثنائيات أغتالت الوسط ورفعته من حياتنا التي باتت تضم معسكرين لا ثالث لهما. الثنائية الأولى اقتصادية، والثانية سياسية، والثالثة اجتماعية، والرابعة دينية. اليوم سأوجز الثنائية الاقتصادية.

لقد باتت ثنائية الثروة ظاهرة مألوفة في كثير من دول العالم التي أنقسمت الى طبقة غنية أو مفرطة الغنى، وأخرى فقيرة أو مفرطة الفقر. أن عدد المليارديرات في العالم تضاعف من حوالي 500 شخص عام 2000 الى ما يناهز 2500 شخص في العام الفائت. هؤلاء ألتهموا أكثر من نصف الثروة التي تم توليدها في كل العالم خلال العقد الماضي! وأن 1بالمئة من سكان العالم سيطروا على ثلثي ال 42 تريليون دولار التي تم أنتاجها منذ 2020،في حين حصل 99 بالمئة من البشر على ثلث تلك الثروة فقط. وللأسف لم يكن العراق أستثناءً لهذه الظاهرة العالمية.

لم يتح النظام الاقتصادي الذي تبنته الدولة العراقية قبل 2003 (سواءً في عهدها الملكي أو الجمهوري) ظهور طبقة المليارديرات فيه لأسباب عالمية ومحلية. لكن شهد الأنموذج الأقتصادي الفرانكشتايني العراقي بعد 2003 أستغلال سقوط الدولة لينتج لنا ما يقدر ب 36 ملياردير-10 منهم في كوردستان- ممن يملكون ثروات تتجاوز المليار دولار. وللمقارنة فقط فأن عدد المليارديرات في الأمارات هو 6 وفي هولندا 11 وفي اليابان 30 !! كما يقدر ذات المصدر(أتحاد المستثمرين في العراق) عدد المليونيرات في العراق ب 16 الف مليونير،نصفهم في كوردستان.

وبغض النظر عن مدى دقة هذه التقديرات حيث لا تتوفر مؤشرات رسمية عن الثروة في العراق الا أن ظاهرة بروز عدد كبير من المليارديرات والمليونيرات في العراق تدل عليها مؤشرات أقتصادية وعمرانية وأجتماعية كثيرة ولا تخطؤها عين أي مراقب حفيص.

توزيع ثروات

وبحسب بيانات موقع WID  وهو موقع عالمي يقيس عدم العدالة في توزيع الثروات فأن 1 بالمئة من العراقيين يستحوذون على 20 بالمئة من دخله وعلى 39 بالمئة من ثروته. كما أن أغنى 10 بالمئة من العراقيين يستحوذون على 72 بالمئة من ثروته و 50 بالمئة من دخله!

أما أفقر 50 بالمئة من العراقيين فهم لا يمتلكون سوى 1.5 بالمئة من ثروة العراق ويصلهم سنوياً 12 بالمئة فقط من دخله!! بمعنى أن 1 بالمئة من العراقيين يدخل لهم سنوياً حوالي ضعف ما يدخل ل 22 مليون عراقي! من جهة أخرى فأن أرقام الفقر في العراق تثير الخوف هي الأخرى بخاصة أذا تم قياسها بقيمة الدينار العراقي في السوق الموازية وليست الرسمية.

وبرغم تباين تقديرات نسبة الفقر لكنها تتراوح بين 25 بالمئة -40 بالمئة في العراق. ونقصد بنسبة الفقر أولئك الذين يقل دخلهم عن  3250-5000   دينار يومياً لكل فرد من الأسرة. هذا يعني أن 10-17 مليون عراقي يعيشون تحت خط الفقر حالياً.هذه الأرقام الصادمة لا تدع مجالاً للشك أن العراقيين باتوا منقسمين الى معسكرين فقط وأن الطبقة الوسطى تشارف على الأنقراض.

أذ تشير التقديرات الى أن نسبة لطبقة الوسطى في العراق باتت بحدود 20 بالمئة فقط من العراقيين بعد أن كانت بحدود 60 بالمئة في بداية ثمانينات القرن الماضي بحسب تقديرات لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الأسكوا).

ان أنحسار المعسكر الوسطي وانتشار الفقر بكل بؤسه من جهة في مقابل الغنى بكل توحشه من جهة أخرى ينذر بانعكاسات خطيرة ليس على الاقتصاد فقط، بل قبل ذلك على المجتمع والسياسة أيضاً. ان فجوة الثروة والدخل التي اتسعت بشكل كبير بسبب الفساد والادارة الفاشلة للاقتصاد العراقي الزاخر بثرواته المختلفة تنذر ببركان كبير ما لم يتم تداركه. والمتفحص للحياة الاجتماعية والاقتصادية اليوم يجد بوضوح أشكال من الانفجارات الصغيرة والحمم الاجتماعية المنبعثة هنا وهناك والتي تدلل على اقتراب انفجار البركان.

................................................................................................

* الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق