نحتاج الى قصة نجاح تستعيد ثقة الشعب بنفسه. أن بطولة الخليج العربي هي قصة نجاح واقعية صنعها الشعب أساساً مع عدم أغفال ما قامت به بعض الجهات لتنظيم البطولة بهذا الشكل الناجح. ويمكن البناء على هذه القصة أو على الأقل أتخاذها مثلاً لما يمكن للعراقيين القيام به مقارنةً بالآخرين...

ان الثقافة الاجتماعية تتفاعل مع الظروف المجتمعية الآنية فتؤثر وتتأثر بها، لقد عانى العراقيون لعقود من حالة فقدان للهوية العراقية. وعمل الاحتلال الأمريكي ومن جاء معه وترعرع في ظله من قوى سياسية، وبطرق مختلفة لتشويه أو تذويب الهوية العراقية باتجاه هويات أثنو-طائفية متعددة ممزقين المجتمع الى جماعات متناحرة.

لقد أظهرت الدراسات العلمية ان الهوية الوطنية والتي هي بالأساس شعور داخلي ينعكس في صورة سلوكيات محددة، تزداد وتبرز حينما يكون هناك أنجاز ما. هذا الإنجاز قد يتمثل بتقدم اقتصادي أو ثورة شعبية أو انجاز رياضي أو علمي أو سواه. من هنا نفهم مثلاً ارتفاع الشعور بالهوية الوطنية لدى العراقيين، كما أشارت لذلك استطلاعات الرأي العام العراقي، في محطات زمنية معينة مثل الفوز بكأس آسيا لكرة القدم، الانتصار على عصابات القاعدة والإرهاب في 2008 تحرير الموصل 2016 وانتفاضة تشرين 2019 وسواها من المحطات التاريخية، لقد تم الحديث كثيراً عن بطولة الخليج العربي خلال العقد الماضي، وتم تأجيل تنظيمها في العراق أكثر من مرة.

والى اللحظات الأخيرة قبل انطلاق البطولة كان هناك شك واسع في انعقادها في البصرة. سبقت ذلك حملات إعلامية لسنوات لسلخ العراق عن محيطه العربي من جهة، فضلاً عن محاولات في كثير من الدول العربية لتصوير العراقيين على أنهم انسلخوا عن محيطهم وهويتهم التاريخية وأنهم وقعوا تحت سيطرة أجندات إقليمية معينة من جهة أخرى.

لذا مثل انطلاق دورة الخليج العربي اختباراً حقيقياً للعراقيين والبصريين منهم تحديداً، لإظهار قدرتهم على الإنجاز فضلاً عن اظهار السلوكيات التي تعزز ثقافة الشرف التي نوهنا عنها أعلاه. أن هذا الاستقبال الحافل للزوار للبصرة، وبهذه الطريقة التي باتت كل وسائل الأعلام العالمية تتحدث عنها، هو توقيع سلوكي شعبي على شهادة القدرة على الإنجاز وإظهار ما يعزز ثقافة الشرف عند العراقيين.

أنه إظهار وتوق واضحين للهوية الوطنية العراقية المميزة. في أكثر من محاضرة ألقيتها في مختلف دول العالم عن الوضع الاجتماعي والسياسي في العراق، كان هناك سؤال مشترك يطرح عليّ في كل تلك المناسبات مفاده، كيف يمكن للشعب العراقي الخروج من حالة اليأس والإحباط التي تصفها؟

كان جوابي باستمرار، نحتاج الى قصة نجاح تستعيد ثقة الشعب بنفسه. أن بطولة الخليج العربي هي قصة نجاح واقعية صنعها الشعب أساساً مع عدم أغفال ما قامت به بعض الجهات لتنظيم البطولة بهذا الشكل الناجح. ويمكن البناء على هذه القصة أو على الأقل أتخاذها مثلاً لما يمكن للعراقيين القيام به مقارنةً بالآخرين.

نحتاج الى قصص نجاح في مجالات الحياة المختلفة، سواء في مكافحة الفساد أو الاقتصاد أو السياسة أو العلم أو الرياضة وغير ذلك. أن من الواضح أن ثقافة الإنجاز موجودة في العراق مثلها مثل ثقافة جلد الذات والبكاء على اللبن المسكوب. ونحن بأيدينا علينا أن نختار أي الثقافتين نرعى وننمي لدى الشعب وبالذات أجيال المستقبل.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق