آراء وافكار - مقالات الكتاب

تجنيد بدل البناء؟

سواء تعثر مشروع قانون التجنيد الالزامي أم لا، فإن مجرد طرحه ووضعه في جدول الاعمال للقراءة الأولى يثير الكثير من علامات الاستفهام حول دوافع طرحه، والجهات التي تقف وراءه، دعونا من الكلام العام الذي يستهدف المشاعر والعواطف من قبيل تقوية الروح الوطنية واشغال عن الانحراف والفساد والمخدرات...

سواء تعثر مشروع قانون التجنيد الالزامي أم لا، فإن مجرد طرحه ووضعه في جدول الاعمال للقراءة الأولى يثير الكثير من علامات الاستفهام حول دوافع طرحه، والجهات التي تقف وراءه، دعونا من الكلام العام الذي يستهدف المشاعر والعواطف من قبيل تقوية الروح الوطنية واشغال عن الانحراف والفساد والمخدرات.

هذه شــعارات تستهدف بسطاء التفكير والقلقين ممــا يــدور فــي المجتمع مــن انحرافات. أســاس هذه الشــعارات يقوم على فكــرة دكتاتورية وهي اشغال الشباب بالعسكرة والحروب للتخلص من عواقب بطالتهــم، التي قد تحرك لديهم أســئلة عــن الحكم وســلوكه ولاحقــا التحرك سياســياً للمعارضة. هذا ما كان يفعله النظام السابق منذ العام 1980 وبدؤه الحرب مع إيران، وما يليها من غزو الكويت والحرب العالمية المدمرة لما تبقى من العراق.

الذريعة اليوم أن التجنيــد الالزامي يقوي الروح الوطنيــة ويصهــر الجميــع فــي بوتقتهــا. كلام شــعارات يغفــل الواقع. فالــروح الوطنيــة تتبلور عندما يتوفر وطن يحفــظ الكرامة ويوفر العيش الكريــم والآمن وفرص العمل، وليس بالعســكرة التــي ابتلي بهــا العــراق لعقــود ولم تنتج ســوى مجتمع مفــكك منهار اقتصاديا وصحيا وتعليميا كافــر بالوطــن والوطنية. مشــروع القانــون أعد في عهد حكومــة اتهمت بتطبيــق أجندات تأخذ العــراق فــي اتجــاه معــين، وبــين تفاصيــل تلك مواجهــة قــوات الحشــد الشــعبي بالإضعاف أو بمليشــيات ذات توجه معاكس، فهل جاء مشروع القانون في السياق ذاته؟

الدولة البناءة هي التي توجد فرص عمل للشباب بــدل اشــغالهم بالعنــف والمــوت. الأمــوال التــي ستنفق على التجنيد الاجباري يجب أن توجه إلى مشــاريع إنتاجية تستقطب الشــباب لعمل ٍ مفيد لهم وللوطن.

في ظــل هيمنة أخطبوط الفســاد علــى مفاصل الحيــاة والادارة وفــي كل المســتويات، ســيكون التجنيــد الاجبــاري بــاب فســاد جديــدا دفــع الفاســدين إلــى التهليــل لهــذا المشــروع. أليس الأجــدى أن نكافــح الفســاد المستشــري فــي المؤسسات الأمنية بما فيها الجيش بدل التشريع لفساد جديد؟

هل نريد جيشــاً قويــاً يدافع عن الوطــن بعقيدة حقيقيــة؟ لمــاذا لا نحول جيشــنا الحالــي إلى ما نريــده؟ هل الجيش الحالي قاصــر؟ إذن لنعالج مواطــن القصــور فيــه. لنشــدد الرقابــة علــى الضبــاط ونكبــح الفاســدين منهــم، وهــم كثر.

لنســائل الضباط الذين أثــروا فجأة عن مصدر ثروتهم وأهليهم. كيف يشــتري ضابط عددا من البيوت فــي أرقى المناطق في فترة قصيرة؟ كيف يصل ضابط صغير إلى رتبة لواء خلال ســنوات قليلة؟

ومن أين يأتي بعض الضباط بالسيارات الفارهة التي تهدى للراقصات؟ لنعــد هيبة الجيــش والقوى الأمنيــة بإصلاحها ومعالجة الفســاد داخلها، ولن نحتاج بعدها إلى تجنيــد إجبــاري تلجأ إليــه في الغالــب الأنظمة الدكتاتوريــة، وإن وجــد فــي دولــة ديمقراطية، فبشــروط وظــروف لا تتوفــر فــي العــراق الآن.

تصوروا لو يتم إقرار هذا القانون فكيف سيطبق؟ أم أنــه يوضع علــى الرفوف إلى جانب عشــرات القوانين التي صدرت ولم تطبق؟ آن الأوان كي نغادر عقلية الدولة المركزية ومنهج العســكرة، ولنفكــر بمشــاريع عمل وانتــاج بدل التخدير.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق