تقرير حال الثقافة العراقية في عام 2006- القسم الثاني

  راجع القسم الاول                                            اعداد هيئة التحرير في شبكة النبأ المعلوماتية

هجرة المثقفين

الهجرة بديل أم حل موقّت؟... القلق يحاصر الفن العراقي وأهله

تحول العراق الى ما يشبه ساحات للجريمة، وهذا الوضع بات يُكبّل يدي الرسام وقلم الشاعر وصوت المطرب وجسد المسرحي. قلق مجبول بالدم وهاجس الهروب من الأزمة. فبات الفنان العراقي هذه الأيام يحمد ربّه ويشكره إذا ما استفاق على قيد الحياة، ككل مواطن عراقي مقيم. ويبدو أن الفنانين الذين ما زالوا يُصرّون على النضال وإنتاج أعمال فنية داخل العراق، أشبـــه بالمغامريـن!.

الأعمال الفنية العراقية، من معارض تشكيلية ومسرحيات وحفلات غنائية، لا تجد فسحة تجمعها بجمهورها، فتجد خلاصها بالهجرة الى عواصم أخرى، بين الأردن والخليج، مقدمة نفسها من هناك.

والفنانون أنفسهم يمتلكون من «دواعي الهجرة» ما يبرر النجاة بأنفسهم من طاحونة العنف الدموي اليومي في العراق، حيث التهمت الكثير منهم في خلال السنوات الثلاث الماضية، وبدأت تضع حدوداً لا يمكن المجازفة بعبورها بين الفنان وعمله، وبين الفن وجمهوره. وكأن «المطلوب» اليوم هو العودة بالعراق الى حياة لا ثقافة فيها ولا فنون، وهو ما دعا الكثير من الفنانين، تشكيليين ومسرحيين وموسيقيين، الى الهجرة. ليس بحثاً عن الرزق، وانما عن الأمن والفن، وعما يحققون به حضورهم الفني، بعد ان عزّ عليهم هذا الحضور في وطنهم!

آخر المهاجرين هو الفنان جواد الشكرجي، كونه لا يستطيع الحركة في شكل طبيعي، لأنه «وجه معروف»، والوجوه المعروفة أصبحت «هدفاً». ثم ان الواقع المسرحي لم يبق فيه من الآفاق المفتوحة ما يلبّي طموح الفنان الحقيقي الذي يريد مسرحاً واسع الحركة، وأعمالاً تتناسب وقدراته الفنية. أما «الدراما التلفزيونية» وان كانت عملاً متاحاً ولكنه محدود، إلا ان «العنصر التجاري» غزا الكثير مما يقدم اليوم في إطارها، وهو فنان يريد لنفسه وعمله ان يبقيا بعيدين عن «ميدان التجارة» الذي تتسابق فيه «شركات الانتاج» و «الفضائيات».

الأدباء بين الإقامة والهجرة.. مَنْ يقف وراء هجرة الأدباء من جديد ؟!

كان الحلم يدفع بهم نحو مرافئ الوطن، ولما وصلوا، كان الوطن ركاماً، دفع بهم الحلم ثانية لبنائه، ووضع اللبنات في الجدران التي هوت، ويعيد الألق لكل شيء. اما الماكثون هنا، فكان الحلم ذاته يحدوهم، لقول اشياء مغايرة، ابداع قائم على حب يعم الوطن من شرقه لغربه، ومن شماله لجنوبه، لكن الجميع فوجئ بالموت يترصدهم، وكمامات اللامعقول تسد افواههم، وتلجم السنتهم، فبدأوا الرحلة من جديد، رحلة البحث عن اقامة في بلادٍ قصية، تتيح لهم القول والعيش. وهكذا نراهم واحداً تلو الآخر، يحملون حقائب الغربة، وهكذا نرى بقية أخرى منهم اختارت البقاء، متأرجحة بين القبول بأمل ينبثق في يوم ما، ويأس يصور لهم الحاضر قتاماً..

الفريد سمعان: الكل يخشى!

الكل يخشى على نفسه، الكل يبحث عن ملاذ آمن، وسط ركام الموت المفخخ الذي يلفنا من كل حدب وصوب، والهجرة الجديدة للأدباء تعكس خيبة الأمل لديها من الوضع القائم، وليس هذا فقط، وإنما الوضع المادي الصعب الذي مازال يعيشه، الأديب العراقي، هو سبب آخر لهذه الهجرة المضادة.

محمد علوان جبر: وطني شوارع ملتهبة

اما القاص محمد علوان جبر، فتحدث هو الآخر قائلاً:

انا لا استغرب هذه الحالة حينما أرى واسمع ومعي الجميع ما يحدث حولنا.. أكثر المهمشين هو المثقف.. واكثر المستهدفين بالموت هو المثقف. لم اسمع ولم أقرأ عن وطن باع مبدعيه أكثر من وطني.. لا أريد ان اكون مغالياً.. أو ناقماً.. فالشواهد كثيرة.. أولها وليس آخرها اعتقال.. القاص محسن الخفاجي.. حدث هذا طوال أعوام ثلاثة.. الشارع ملتهب وربما في لحظة تحاول ان تتنكر لما تكتبه وربما إذا عملت في مؤسسة ثقافية تحاول ان لا يعرف بك احد.. ما الذي تبقى إذاً.. آخر الأحداث.. وربما ليس آخرها اعتقال الدكتور قيس كاظم الجنابي. وهي اهانة مكررة ضمن اهانات كثيرة بحق المثقف والمثقفين.. فلماذا نستغرب هجرة الكتاب.. وطني.. شوارع ملتهبة.. ومنصات رماية الشاخص فيها المثقف.. وأكثر الأدلة هو الدستور.. لم اجد دستوراً في العالم، همش المثقف كدستورنا.. إذاً وفي ظل هذا كله، اجد ان الأمر طبيعي..

 ابراهيم الخياط: لا يعرف الأدباء سوى العراق

اما الشاعر ابراهيم الخياط، فكان له رأيه ايضاً:

بعد المنفى الشاسع الرهيب الذي لجأ اليه اضطراراً عدد من أدبائنا بسبب تعسف النظام الدكتاتوري المباد، عاود الأدباء هجرتهم للأقاصي وللسبب ذاته، حيث بدأت البقايا المجرمة للنظام المقبور ببث الرعب ذاته في محاولة منهم.

كي يجعلونا نتباكي على ما فقدوه من عزّ وبحبوحة وسحت، وفي المشهد المرئي الراهن ظاهرة جديدة وهي هجرة الأدباء من المناطق الساخنة الى الأكثر هدوءاً بل رحل أدباء من مناطق لا يروق لسفهائها مذهب هذا الأديب أو ذاك رغم ترفع الأديب على انتمائه الطائفي وعدم اعترافه به فجل الأدباء أو كلهم لا يعرفون سوى العراق، عراق يا عراق، يا سبب الهجرة والإقامة.

عبد الحميد الجباري: انها خسارة

وقال الشاعر عبد الحميد الجباري عن الموضوع ذاته:

بعد انهيار النظام السابق، استبشرت المنظمات الثقافية واستبشر المثقفون، بان آلاف المبدعين العراقيين الذين اضطروا الى ترك وطنهم سوف يعودون الى الوطن ويسهمون في إثراء الثقافة العراقية، ولكن الذي حصل انهم لم يعودوا بسبب الاضطراب والمشكلات التي حدثت وتحدث كل يوم ويذهب ضحيتها المئات بل الآلاف من العراقيين، بل ان الطامة الكبرى ان الأدباء المتواجدين في العراق أو ما يسمى بادباء الداخل بدأوا بالرحيل عن الوطن بعد ان أصبحت حياتهم مهددة وصاروا لا يستطيعون نشر وكتابة افكارهم بحرية تامة دون ان يتعرضوا للتهديد أو القتل فأية مأساة وأية خسارة ستصيب المرفق الثقافي العراقي..

ولام العطار: ماذا نكتب ولمن نكتب؟

وكذلك تحدثت القاصة ولام العطار عن موضوع هجرة الأدباء من جديد إذ قالت:

في كل أرجاء المعمورة يحظى الكاتب والصحفي بأهمية استثنائية في التعامل والاحترام فهو في المقدمة دائماً لا أحد يتجرأ على مسه بكلمة تجرح إحساسه..

اما ما يحدث الآن فهو تهميش متعمد للأديب والصحفي ليعيش في هاوية الاغتراب.. الاغتراب البيئي والاغتراب الذاتي.. ماذا يكتب ولمن يكتب في هذه الفوضى في جميع مفاصل الحياة.. لذلك نرى ونتلمس في هذه الفترة الحرجة هذه ان الأدباء الذي جاؤا آملين من الوطن ان يفتح ذراعيه لهم، فتحت لهم فوهات البنادق لذا عادوا من حيث أتوا، أما في الداخل فالطامة الكبرى انهم يعيشون حالة التمزق الفكري والاجتماعي والمادي الكل يعيش في سجن كبير لا هواء ولا رأي ماذا يفعل؟.. أين المفر سوى التفكير بالهروب والهجرة؟!

فيما تحدث الشاعر والناقد حسين السلطاني عن هذه الظاهرة الجديدة قائلاً:

هجرة المثقف العراقي أصبحت ظاهرة سيسيوسياسية، وهذا يعني لابد من رصدها من هذه الزاوية والتعاطي معها بوصفها ظاهرة تدخر الكثير من الخطر، فغياب المثقف يعني من بين أشياء كثيرة الغياب الثقافي الذي يمثل ضمير المرحلة والناطق بهواجس الفكر وحاجات الإنسان..

الشاعر منصور الريكان كان له رأيه في هذا الموضوع:

ان من دواعي حزني ان أرى الأدباء يهاجرون ارض السواد، اما المهاجرون قبل هذا الوقت فانهم لا يعودون، لقد ملوّا الحياة نتيجة لتعرضهم لانواع الاضطهاد، أقول نعم ملّوا من الحياة المليئة بالمفخخات وجحيم الحزبيات والتسلط وهنا في داخل الوطن أرى ان الاديب لا يجد متسعاً من الحرية للكتابة وكأن هنالك سيوفاً مسلطة عليه وخوفاً من القمع والاغتيالات التي طالت الأخضر واليابس، إذن ما العمل؟

وهذه المرة بدأ أدباء الداخل يغادرون ارض الوطن بحثاً عن الأمان، نحن الآن في شريعة الغاب التي جعلت القوي يأكل الضعيف، أهذا هو المنطق؟

وكان آخر المتحدثين الشاعر والصحفي هادي الناصر:

في كل يوم تفرقنا مأساتنا بين راحل الى دكة الأبدية وبين مخطوف وبين مقتول في ضيعة الرصاصات التي تستهدف الأبداع، فما الذي حصل؟ وما الذي تغير؟ العشرات بل المئات من أدبائنا الذين كوتهم نار الاستبداد وفضلوا الذهاب بعيداً في منافي الأرض للبحث عن الخلاص، واعتقدنا انهم يعودون الينا بعد انتهاء هذا الكابوس، وهذا لم يحصل باستثناء عدة اسماء لا تتجاوز أصابع اليد ارتأت العودة الى التنور العراقي، اما البقية فما كان منها سوى القيام بزيارات سياحية، وما ان لامست وجوههم الباردة سعير التنور حتى عادوا دون التفكير بشرف المحاولة مرة أخرى، اما الراحلون الجدد اولئك الباحثون عن فسحة أمان خارج حدود الوطن، فان لهؤلاء قولاً كثيراً لا يسع المجال الى ان نذكره في هذه الوقفة، اعتقد ان الابداع الحقيقي هو ذلك النابع من صلب المعاناة والمبدع الحقيقي هو الذي يعيش الألم.

فنون

فيلم يدين عالم الحرب اللاانساني... «النمر والجليد»... الهزلي الايطالي في بغداد لا ينظر إلى الأشياء لكنه يراها

فيلم «النمر والجليد» - الذي شارك في كتابته وأخرجه وقام ببطولته الإيطالي روبرتو بنيني الحائز (3 جوائز أوسكار عن فيلمه «الحياة جميلة» 1998) هو وثيقة فنية معارضة للغزو الأميركي للعراق، وإدانة قوية لعالم الحرب اللاإنساني. مع ذلك لا يُعتبر فيلماً عن الحرب بقدر ما هو شريط سينمائي كوميدي عن جنون الحب والعشق، عن هوس الإبداع، عن حب الحياة والتمسك بها حتى بين حقول الموت، وفي أشد لحظات اليأس. فهل ثمة علاقة بين الحب والحياة والإبداع؟ ربما كانت الإرادة في مواجهة المعاناة، وربما كانت صعوبة الاختيار وحسم القرار هما ما يربط بينها. لكن الأرجح أنها المتعة والسعادة المتحققة عنها جميعاً.

يدور الخط الرئيسي للأحداث حول الحب بين الشاعر الرومانسي الإيطالي «جيوفاني» وزوجته السابقة «فيتوريا». فهي حب حياته، يحلم بها كل ليلة، يسمعها طوال حياته كلها، ويراها في كل مكان يذهب إليه. لكنها - بسبب تعدد علاقاته - ترفض العودة إليه على رغم أنها هي الأخرى مجنونة بحبه. يسألها: لماذا لا نعيش معاً بقية حياتنا؟! إنه أمر سهل. فتُجيبه وهي مُمسكة بأحدث ديوان شعري له يحمل عنوان «النمر والجليد»: «إن هذا الأمر في سهولة رؤية النمر بين الجليد».

قبل أيام من الغزو الأميركي للعراق في نيسان (أبريل) 2003 تسافر البطلة إلى «بغداد» لاستكمال كتابها عن الشاعر العراقي «فؤاد» الذي قرر العودة إلى وطنه بعد غياب 18 سنة قضاها في باريس، والذي يراه «جيوفاني» شاعراً عربياً عظيماً مثل «دانتي» ويتنبأ بحصوله على جائزة نوبل في غضون خمس سنوات على الأكثر. من جراء القصف الأميركي تُصاب «فيتوريا» بصدمة دماغية وتُصبح في عداد الموتى عيادياًً. فيُقرر الحبيب السفر إليها. لكن كيف ونيران الحرب قد اشتعلت، وحركة الطائرات متوقفة. يدّعي الشاعر أنه طبيب جراح ليتمكن من مرافقة الصليب الأحمر إلى بغداد... نراه يقول لحبيبته الغائبة عن الوعي، أثناء بحثه عن أنبوبة أوكسجين لها، «إنه إذا أراد تحقيق شيء سيُحققه»... إنه ببساطة شديدة يُعلن عن الوجود الإلهي الكامن في أعماق كل البشر، عن إرادة الإنسان القادرة على صنع المعجزات.

سلبيات حرب مجنونة

ينتقد الفيلم في صورة غير مباشرة ـ أثناء محاولات «جيوفاني» إنقاذ «فيتوريا» - سلبيات تلك الحرب المجنونة، فينزع القناع عن الكابوس الذي عاشته بغداد، عن حقول الألغام والدمار الذي لحق بها، عن انتحار «فؤاد» «أعظم شعراء العراق»، عن المباني التي تهدمت على رؤوس أصحابها، عن مذبحة تعرض لها شعب لا حول له ولا قوة، عن الجرحى الذين ماتوا لعدم توافر الأدوية اللازمة، عن عدم السماح للفرق الطبية ومنها الصليب الأحمر بدخول بغداد، عن الجنود الأميركان وهم يملأون الأسواق والميادين، عن حالات النهب والسرقة التي تفشت بين أفراد الشعب المطحون في أعقاب سقوط نظام صدام حسين، عن انقطاع الكهرباء ونفاد الوقود على رغم وفرته أكثر من اللازم. ألم يكن البترول هو السبب الحقيقي والخفي وراء هذه الحرب التي قامت تحت دعاوى وجود أسلحة للدمار للشامل يُخبئها النظام الحاكم. في لقطة، رمزية، تكتنفها السخرية اللاذعة، يهمس البطل إلى حبيبته أنه عثر على أسلحة الدمار الشامل، فقد وجد مذبّة الذباب!

على رغم كل ما سبق لا يوجد في الفيلم مشهد واحد مُؤذ على مستوى الرؤية البصرية، حتى مشهد انتحار «فؤاد» كان في قمة الرومانسية والشاعرية. لا نرى قتيلاً واحداً تنزف دماؤه، لا تقشعر أبداننا من رؤية آلام وجراح الآخرين، فمخرج الفيلم لم يُتاجر بأشلاء ضحايا الحروب وجثثها من أطفال وشباب وشيوخ، من نساء ورجال. «النمر والجليد» فيلم لا يبتزنا عاطفياً، لكنه إبداع فني راق يُخاطب العقول، فيجعلنا نستغرق في البحث عن لغة للحوار. تُسيطر علينا لحظات التوتر والقلق يُخفف من حدتها جرعات أخرى من السعادة والبهجة ترسمها بعض المواقف الكوميدية ذات المغزى العميق. هل هذه الحروب دليل قوة؟ وفق ما يشي به الفيلم إنها دليل على الضعف وعلى فقدان العقل، فبعد سنوات طويلة من الحكمة لم يتعلم البشر شيئاً، وتحول العالم إلى سيرك كبير، وهو ما يُعلنه المؤلف في رمزية شديدة الوضوح عندما اعترف رجل البوليس أن النيران اشتعلت في السيرك فخرجت الحيوانات إلى الشارع.

نمر وجليد

قرب نهاية الفيلم يستكمل المخرج إيضاح إشارات طرحها في بداية الأحداث فيُؤكد على ماهية العلاقة بين النمر والجليد، على العلاقة بين النقاء والقوة، على قدرة الجليد - رمز الرقة والنقاء - على إخفاء النمر - رمز القوة.

في مشهد بديع تتساقط شظايا الجليد مثل ريش الحمام، فيتراكم في الجو وعلى زجاج السيارات مثل تلال من القطن الأبيض ناصعة البياض، عندئذ لا تستطيع «فيتوريا» رؤية النمر وهو يجتاز الشارع أمامها، لا ترى إلا ظله وبصعوبة شديدة. قبل أن تصدمه تتوقف وتمحو الجليد عن زجاجها، فتتلاقى العيون مقيمة حواراً من نوع آخر، حواراً بين إنسان وحيوان، وهو ما يُعيدنا إلى حديث الشاعر مع ابنتيه عن قدرة الطيور والحيوانات مثل الخفاش والعنكبوت والفأر على فهم لغة الإنسان، وعلى التفاعل معه، وهو ما أكده مشهده مع الجمل الذي يقول له «إبرك، قوم» فينفذ الأخير الأمر. ليستحضر بذلك جدلية العلاقة بين صراع الثقافات وإشكالية حوار الحضارات. فإذا كانت إقامة حوار بين عالم الإنسان وعالم الحيوان من الأمور القابلة للتحقق، فمن باب أولى أن يُقيم بنو البشر في ما بينهم حواراً يتخطوا به حواجز الهوية الدينية والثقافية واللغوية.

السماء / الوسادة

جاء الفيلم بمثابة أنشودة حب وتقدير واحترام للثقافة العربية، فوصف سماء بغداد بأنها كانت وسادة العالم، ورفع من شأن شعرائها، أشار إلى تقدم العرب في الطب، إلى أنهم كانوا يُبدعون وصفات طبية لعلاج الصدمات الدماغية قبل اكتشاف الأدوية الحديثة. لذلك لم يكن غريباً عندما أعلن روبرتو بنيني في حواراته بوضوح أنه ضد موقف الغرب من الحرب على العراق قال:» لقد صنع الحرب غربيون تعلموا في الغرب... إنهم يدمرون شرقاً نُحبه وندين له بالكثير».

الأفلام التي تنجح فنياً وتجارياً تكاد تتسم بالندرة.. حقق «بنيني» هذه المعادلة الصعبة بنجاح لافت، لكن كيف؟! لم يكتف بالنظر إلى الأشياء لكنه استطاع رؤيتها. تعامل مع السينما مثل الشعراء. إنهم لا ينظرون... بل يرون». والفارق بين الاثنين كبير وعميق. وهل تختلف السينما عن الشعر؟ ألا يُعتبر مبدعو الأفلام شعراءً وربما فلاسفة الفن السابع؟ يُطلعنا «بنيني» على سره الجميل، يكشف عن أسباب تفرده، فيقول على لسان شاعره «دي جيوفاني»:

«بدأ الجمال عندما بدأ الناس يُتقنون الاختيار... انتقي كلماتك بعناية... فلو أن الكلمات غير صحيحة فلا شيء صحيحاً... حتى تنتقي فإن بعض الأشياء تحتاج إلى ثمانية أشهر لإيجاد كلمة واحدة مناسبة... البس قصائدك عليك... اجعل الكلمات تُطيعك».

لكن هل توجد علاقة بين السلام والحرب من ناحية وبين الحب والإبداع من ناحية أخرى؟ يقول البطل: «لو أنك لا تحب فجميعنا موتى... فلتقع في الحب وكل شيء سيأتي إلى الحياة. لا تكن حزيناً وصامتاً... انثر البهجة. اقذف سعادتك إلى وجوه الناس... لكي تحمل السعادة يجب أن تكون سعيداً. لكي تكون سعيداً يجب أن تعاني، وأن تتحمل الألم... لا تخشى المعاناة فالعالم بأسره يعاني».

السينما العراقية تتحدى جراحها وتعاود النهوض

استقطب الفيلمان التسجيليان العراقيان " قطرات متصلة بيضاء" للمخرج فتحى زين العابدين و"شيء من الانتباه" للمخرج صائب حداد اللذين عرضا  على شاشة قاعة المسرح الوطنى فى بغداد اقبالا لافتا من جمهور يفتقد إلى الانتاج السينمائى الذى تأثر شأنه شأن جميع أوجه النشاط الثقافى بالوضع الذى يعيشه العراق.

ويسلط فيلم " قطرات متصلة بيضاء" الضوء على الحقبات التاريخية التى تعرض خلالها العراق وتحديدا مدينة بغداد إلى الاحتلال وما تركته تلك الفترات من آثار على العراقيين عبرعدة أجيال ليبدأ من داخل فصل مدرسى حيث يقدم أحد الأساتذة مادة عن تاريخ العراق إبان احتلال المغول لبغداد عام 1457.

ويحكى الفيلم الثانى "شيء من الانتباه" معاناة الأطفال من نزلاء دور الأيتام والظروف القاسية التى يعانون منها بعد أن فقدوا أسرهم فى الحروب التى شهدتها البلاد وأصبحوا ضحايا الحروب التى دفع هؤلاء الاطفال ثمنها غاليا.

وكان فيلم "غير صالح للعرض" أول فيلم سينمائى يتم تصويره فى بغداد بعد الغزو الأمريكى وشارك فيه عدد من الفنانين العراقيين المعروفين فى مقدمتهم يوسف العانى وعواطف السلمان.

وهناك أيضا أعمال لعدد من الفنانين العراقيين المقيمين خارج البلاد بعد احداث اذار/مارس 2003 من بينها فيلم "الكيلو متر صفر" الذى أخرجه الفنان الكردى هونر سليم المقيم فى فرنسا.

مسرحية (حظر تجوال) تسقط التهمة من الجمهور

شهدت صالة المسرح الوطني، يوم  31/ 7/ 2006 تجمعاً  غفيراً كاد يملأ مقاعد الوطني، وهو يستمتع بمشاهدة مسرحية جديدة بمضمونها، ليست تناصا لمسرحية أجنبية، كتبت قبل نصف قرن، بينما كل زاوية من زوايا الواقع العراقي  الغرائبي، تصلح ان تكون نصا مسرحيا، إذ احسن الكاتب  التماهي مع جمرات الواقع وترجمة افكار ومشاعر الناس الى مادة مسرحية، فقد وظف كاتب ومخرج المسرحية مهند هادي، اثنين من اصحاب المهن الرثة هما صبّاغ أحذية وغاسل سيارات واستلهما من الواقع ليكونا بطلي مسرحيته وجسد هاتين الشخصيتين  الفنان المبدع والمحترف للاداء والفن المسرحي رائد محسن الذي أحسن تربيته وتهذيبه الراحل الكبير عوني كرومي..

الواقع يدق ناقوس الخطر... دور السينما في بغداد تغلق أبوابها نهائياً؟!

هل سينشأ جيل من العراقيين – هو جيل الشباب اليوم – لا يعرف ما ينبغي معرفته عن السينما – لا فناً ولا تقنيات ولا إخراجاً. ولا أفلاماً تكشف عن تطور هذا الفن، وصالات عرض شكلت في بعض المدن الحديثة جانباً مهماً من «فضاءات الثقافة»، وجمهوراً – يكون هو منه – اعتدنا ان نسميه «جمهور السينما»، وقد شكلت السينما جانباً مهماً في ثقافته؟

يطرح هذا السؤال اليوم في العراق عدد من المثقفين والمعنيين بقضايا الفن السينمائي، وهم يقدمون جواباً شبه حاسم بأن الأمر سيحصل إذا ما استمرت الحال على ما هي عليه من ترد وفوضى في الواقع الاجتماعي (الأمني) لهذا البلد.

قبل نحو عام، أو أكثر، كانت شكوى أصحاب ما تبقى من دور العرض السينمائي في بغداد هي ان «عروضهم» تكاد تكون بلا جمهور، ومع ذلك كانوا يصرون على الاستمرار فيها على تهافت مستواها وشحة إيراداتها... فهم يرمون من خلال ذلك – كما قال يومها مدير إحدى دور العرض هذه – تأكيد حضورهم والإبقاء على السينما في حياة المدينة.

إلا أن صاحب دار العرض هذه اضطر، هو الآخر، في النهاية أن يغلق «صالته» تأميناً على حياته وحياة من تبقى من العاملين معه... فضلاً عن أن باب صالة العرض هذه – شأنها شأن سواها من صالات أخرى تتوزع في الأحياء المهمة من بغداد – لم يعد يطرقه أحد... ليس فقط لرداءة مستوى ما تقدم من أفلام، وإنما لأن «التجوال» في المدينة أصبح حالاً محفوفة بأكثر من خطر ومن أكثر من مصدر.

والمسرح؟

وعلى هذا فإن صالات العرض هذه أغلقت أبوابها من دون اتفاق مسبق بين أصحابها... فضلاً عن أن بعضها قد انتهى الى شيء آخر، لا علاقة له بالفن، ما يعني خسارة كبيرة لا أعتقد ان في الإمكان تعويضها، في الأيام المقبلة – إذا واتت لمثل ذلك – بسهولة.

فإذا ما أضفنا حال السينما هذا الى حال المسرح في العراق – الذي أصبح جمهور ما ينجز من أعمال هم العاملون في المسرح، ولا قليل سواهم – تصورنا حجم الكارثة الثقافية التي يعيشها «العراق محتلاً». فقد بدا من سنوات الاحتلال هذه – التي نحن اليوم في الرابعة منها – انها لم تحمل إلينا «رياحاً جديدة» تكتسح ما كان على هذه الأرض من «ثقافة مرفوضة» أو «محتجاً على طبيعتها»... وإنما المسألة – كما تتأكد يوماً بعد آخر – هي في اكتساح كل ما على هذه الأرض العريقة من وجود ثقافي له معالمه التاريخية، لإيجاد أرض خالية من كل ظل – لوجود الإنسان المثقف الذي أصبحت معدلات هجرته ترتفع كل يوم، وقد أصبح «هدفاً» وليس «غاية»... الأمر الذي أثار لدى بعض المثقفين تساؤلات عدة أهمها ما إذا كانت قوات الاحتلال وهي تمضي في مسارها ستمضي في خطوات تالية الى «إخلاء الأرض» من بعد احتلالها؟ ويدعم المتسائلون سؤالهم هذا بما يجدونه يتفاقم على أرض واقعهم من أزمات تكاد تفرغ كل شيء من محتواه، ان لم تكن فعلت: من مؤسسات الفن الى مؤسسات العلم... ومن العقول الثقافية الى مواهب الفنانين... لتصل، في الآخر، الى تسليم ما يتبقى لجوف الصحراء.

إنها ليست نظرة عدمية، أو موقفاً متشائماً من المستقبل، بل هو الواقع الذي يتحدث فيه الوطن.

كاميرات متعبة وأفلام تالفة لتصوير خراب بغداد

أهل الفن والثقافة في بغداد، كما يروي لنا الشابان السينمائيان حيدر حلو (27 عاماً) ومراد عطشان (26 عاماً)، يذهبون خلسة ـ كتنظيم سري محظور ـ في ساعات الصباح لحضور معرض تشكيلي، أو لمشاهدة مسرحية جديدة أو لعرض سينمائي.

سراً، خشية التعرض لهجوم إرهابي أو لاعتداء الجماعات الدينية المتطرفة  تُقام الأنشطة والأعمال والعروض. سراً، يعيش الفن في بغداد، كرجل متخف ومطارد. ورغم ذلك ينجز مهامه ويبتكر أعماله.

على هذا النحو، انتقلت الثقافة العراقية من تاريخ القمع الرسمي الى حاضر من المنع الشامل. انتقلت من الحروب الصدّامية المتسلسلة، الى الحروب الأهلية المتناسلة. لكن من هذا الأتون تأتي المفاجآت، كما المعجزات.

في رحلتنا الأخيرة الى كردستان العراق، في نيسان الماضي، التقينا بمجموعة من الشبان الآتين من بغداد، حاملين معهم فيلماً سينمائياً لعرضه في مدينة أربيل. إنهم في العشرينات من أعمارهم، ولدوا في زمن الحرب الايرانية ـ العراقية، وحصّلوا وعيهم في خضم الذهاب الى حرب الكويت، وما تلاها من انتفاضات شعبية انتهت في المقابر الجماعية والقمع الوحشي. وصرفوا شبابهم الأول في الخراب والفقر والتوحش العسكري والحصار المديد. قضوا حياتهم الأولى دوماً تحت حكم الطاغية، قبل أن تأتي الحرب الأخيرة وتنفلت الجماعات الأهلية على بعضها البعض إرهاباً واقتتالاً.

جيل شهد ذهاب بلاده الى الفوضى وتحطم المؤسسات وتبدد المعالم المدنية وخراب الحواضر والمدن وانهيار المجتمع وتمزق الهوية الوطنية وفساد الذاكرة. ومما شهده، يبدو أنه ألف لغة وخطاباً وموضوعاً، بل مما عايشه واختبره صاغ نصه وأراد أن يرويه.

حكاية حيدر حلو ومراد عطشان، هي حكاية الثقافة العراقية، وأولاً هي سيرة جيل جديد من السينمائيين: نزار حسين وضياء خالد وعدي رشيد ومحمد الدراجي وحسن بلاسم وآخرين.

وان يكون هناك سينما في العراق، فهذه هي المعجزة. خصوصاً، وأن هذا الفن بالتحديد، بوصفه "صناعة ثقيلة" يتطلب ليس فقط ازدهار دولة واستواء مجتمع وعافية اقتصاد، بل يتطلب تطوراً حضارياً شاملاً. وبهذا المعنى، أن تحاول شلة من الشبان "اختراع" سينما وتصوير أفلام في قلب العراق، فهذا من باب اجتراح المعجزات.

أما حكاية هؤلاء السينمائيين الجدد في العراق، فتبدو كأنها هي نفسها عبارة عن الفيلم، الذي نفترض أنه سيروي الأمثولة عن عراق الحاضر.

تقول الحكاية انه عام 2002 أنجز هؤلاء الشبان، بقيادة وإخراج عدي رشيد، فيلماً بعنوان "نبض المدينة" بعد إنجازه وقبل تجهيزه للعرض، جاءت الحرب عام 2003، وفي القصف الذي أصاب المدينة بغداد (موضوع الفيلم)، احترق الفيلم نفسه وتبدد مع احتراق بغداد. كأن في تدمير "نبض المدينة" تمت الكناية عن مصير المدينة نفسها.

ربما لهذا السبب، قرر مراد عطشان أن ينجز فيلماً عن الحادثة بعنوان "رماد فيلم". رمزياً، عنى ذلك بالضرورة أن يتم تصوير رماد بغداد وخرابها. أما عدي رشيد فقرر في العام نفسه (2003) أن يصنع جواباً مختلفاً على ضياع فيلمه. قرر أن يتجاوز الحادثة وأن ينجز بداية جديدة تتواءم بعد البداية الجديدة لتاريخ جديد لبغداد جديدة وأن يكون ذلك في فيلم روائي طويل.

الفيلم عن لحظة الصفر، عن يوم سقوط بغداد. لكن عدي رشيد لم يجد خامات (نيغاتيف) ليبدأ التصوير. هو ورفاقه بدأوا بالبحث عن الخامات في خضم ما يجري وقتها في العراق: السرقة والنهب والتفجير والفوضى وغياب كل ما يدل على وجود دولة واحتلال وجيوش غريبة وانقطاع الكهرباء والمياه... إلخ. كان شغلهم الشاغل أن يستأنفوا استثناءهم، وأن يجدوا بكرات نيغاتيف.

بعد بحث مضنٍ عثروا على خامات محفوظة في أحد المستودعات وقد انتهت صلاحياتها وختمت بعبارة "غير صالح". وكان هذا يعني استحالة عملية، وتأجيل قسري لـ"البداية" واستسلام للحظة تاريخية قاتلة، وتعثر مؤلم لإعادة التأسيس، يماثل تعثر التحول من الديكتاتورية الى الديموقراطية في بغداد ما بعد صدام.

لكن، وبإصرار وعناد، قرروا أن يستعملوا هذه الخامات، وأن يكون الفيلم نفسه بعنوان "غير صالح"، وأن يجعلوا من خلل الألوان والعيوب التي تسببها الخامات التالفة، جزءاً من الملمح الفني للفيلم وأن يستخدموا هذه العيوب بوصفها تأثيرات بصرية تعبيرية.

مرة أخرى، تكتمل الكناية: البداية الجديدة للعراق تأتي تحت عنوان "غير صالح" وبخامات فاسدة. ولكي تكتمل الحكاية، جاء هؤلاء الشبان بفيلمهم هذا الى أربيل ليعرضوه علينا، فلم يجدوا في كل كردستان العراق آلة عرض، فتأجل تقديمه لمدة يومين، قبل أن يأتوا بنسخة DVD ثم حدث أنه في منتصف عرض الفيلم تعطل جهاز العرض نفسه.

على هذا النحو لم يتسنَ لنا أبداً مشاهدته كاملاً. مع ذلك كان حرج أولئك الشبان طفيفاً، كما لو أنهم اعتادوا سيادة الأعطال على أعمالهم وحياتهم. فيما نحن المشاهدين كنا غارقين في ارتباكنا وتلعثمنا ونحن خارجين من الصالة. هذا ربما ما دفع المخرج المصري علي بدرخان الذي كان حاضراً، إلى القول: يمكننا أن نستغني عن نصف أفلامنا العربية مقابل شغف هؤلاء الشبان لنصنع أجمل سينما. أما محمود حميدة فبادر قائلاً: ليس مهماً أن نرى الفيلم كاملاً، لقد عرفنا، على الأقل، أن السينما حية في العراق... يا للشجاعة.

*اقام الفنانان العراقيان طه وهيب ونجم القيسي معرضاً مشتركاً على قاعة مركز ثقافات العالم، مدينة لوراشيل الفرنسية، ضم منحوتات صريحة لكليهما.

اصدارات

الإسطورة في الشعر الكوردي الحديث

صدر للشاعر والكاتب الكوردي الأستاذ (كريم شارزا) كتاب جديد موسوم بالأسطورة في الشعر الكوردي المعاصر من قبل المديرية العامة للثقافة والفنون بوزارة الثقافة في حكومة أقليم كوردستان.

يقع الكتاب بين دفتي مئة وعشرين صفحة من القطع المتوسط، ويتكون من مقدمة والعناوين الآتية: ماهي الأسطورة، أسطورة الشعوب الغابرة في العالم، الأسطورة الكوردية، الأسطورة والشعر، المواد الاسطورية في الشعر المعاصر، الأسطورة في الشعر الكوردي، الأسطورة في الشعر الكوردي المعاصر في قصائد الشعراء كوران ودلزار وهيمن موكرياني والشاعر ع.ح.ب وديلان والشاعر كاكي فلاح وحسيب قره داغي وشيركو بيكس وعبدالله بشيو وآزاد دلزار وخبات عارف وصلاح شوان ومحمد أمين بينجويني وكريم دشتي، وخلق أساطير جديدة في الشعر الحديث في شعر نوزاد رفعت ولطيف هلمت وقوبادي جلي زادة، إضافة إلى النتيجة التي توصل إليها الكاتب في هذا الصدد.

تعد الاسطورة إبداعاً طبيعياً من إبداعات العقل المبدع، وهي موضوع قديم في فولكلور الشعوب، لأنها نتاج تلك الحقبة التي كان الإنسان يقف فيها مكتوف اليدين أمام الطبيعة ولم يكن ليستطيع تحليل وفهم الحوادث الطبيعية بإنتظام والسيطرة عليها. وهنا يتحدث الكاتب عن الأسطورة لدى شعوب العالم في العهود الغابرة بدءاً من السومريين والأكديين والبابليين والآشوريين في العراق القديم، والفراعنة في مصر القديمة، والكنعانيين في فلسطين والأردن، والفينيقيين في سواحل سوريا والبحر الأبيض المتوسط، واليونان والرومان في اوربا وآسيا الصغرى وشمال أفريقيا، والعرب قبل ظهور الإسلام في الجزيرة العربية، ويذكر أسماء الآلهة القديمة لدى تلك الشعوب كزيوس ومردوخ وجوبيتر وأنليل وشمس ورع وعشتار وأفروديت وفينوس وتموز وأدونيس.

كما يتطرق إلى الأسطورة الكوردية قديماً مؤكداً إنها جزء من أساطير الشعوب الهندو الإيرانية القديمة وأنها تختلف إختلافاً بيناً عن اساطير الشعوب القديمة في الغرب، ويظهر ذلك في نوع النماذج الأسطورية، لأننا نجد في أساطير الشعوب الأخرى عشرات الآلهة تمتلك سلطات مختلفة، غير إننا نجد في الأسطورة الكوردية تأثير نموذجين، أو إلهين رئيسيين وهما إله الخير والنور (أهورومزدا) وإله الشر والظلام (أهريمن)،وأن مصدرنا القديم لمعرفة الأسطورة الكوردية هو كتاب الآفيستا لزردشت والشاهنامة للفردوسي.

بعد ذلك يعرج على موضوع الأسطورة في الشعر الكوردي، ويذكر أن الأدب والشعر الكوردي أرتبطا منذ بداية ظهورهما بالأسطورة الشعبية المحلية، وأن الفولكلور الكوردي، وخاصة الحكايات والشعر الشعبي، مليء بالرموز الأسطورية كالعفاريت والأفاعي والصعلوة وغيرها...

ماذا عن الثقافة العراقية تحت الاحتلال؟

سؤال يشغل بال الكثير من المهتمين بالشأن الثقافي العربي عامة والعراقي علي وجه الخصوص، مما دفع القائمين علي مجلة (ألواح) الي تخصيص العدد الأخير من المجلة للاجابة عن هذا السؤال.

المجلة فتحت أبوابها لكافة التيارات والاتجاهات للبحث عن وضع الثقافة العراقية بعد ثلاث سنوات من الاحتلال، فمن وجهة نظره قدم الكاتب العراقي طاهر عبد مسلم تحليلا لهذا الوضع، مؤكدا أن العراق يعيش زمن القبائل الثقافية فيقول: تفجرت في المشهد الثقافي وبشكل مرعب قبائل ثقافية أعلنت عن نفسها في ملتقيات وندوات، فلا طبعت كتب ولا موسوعات ولا وضع حجر أساس لمسرح أو دار سينما، وكله كلام، نعم الكل ينادي ويعلن أنه لا قبائل ثقافية ولا اقصاء لأحد ولا تهميش لأحد ولكن الواقع القبائلي يثبت عكس ذلك، فالقبيلة الثقافية لا تستقطب إلا أفراد القبيلة ذاتها فالأزرق لا يستقطب إلا أتباعه والأصفر يفعل الشيء نفسه وغيره من باقي الألوان، أما الكومبارس الثقافي فهم طبالون للعرس ممن لا رؤية توحدهم فهم جاهزون لتقديم أوراق العمل واحراق البخور للمدير ومالك القبيلة الثقافية وممولها أيا كان أبيض أو أسود أو أصفر أو من أي لون.

وأضاف طاهر في مقاله: هناك قوائم سود لكل من لا يركب الموجة.. وهناك اقصاء ونميمة وكراهية ثقافية ولم يعد من واجب المثقف المستقل في هذا العهد غير تدبيج مقالات المديح والثناء.

أما الناقد وديع العبيدي فيلخص الواقع الثقافي الحالي في مقالته (ملامح واتجاهات الأدب العراقي في عهد الاحتلال) في ست نقاط هي: أولا: ترسيخ واقع التقسيم والقطيعة بين أدب الداخل والخارج، ثانيا: توزيع أدباء الداخل بين منظمات وتشكيلات ثقافية متعددة غير واضحة الخطاب والأهداف والجهات الممولة والموجهة لها، منها ما يماليء الحكم والأحزاب، بالاضافة الي الطائفية والعنصرية علي صعيد الخطاب والعمل، رابعا: انعدام القواسم المشتركة بين الأدباء العراقيين في الخارج وفي مقدمتها انعدام الاطار الثقافي والاطارات الرابطة بينهم أدبيا واجتماعيا، خامسا: انتقال أمراض التمزق الداخلي (البلدانية والطائفية) الي أدباء الخارج وانعكاسها في صور التجمعات الشللية أوالمواقع الالكترونية الممثلة لأدباء هذه المدينة أو تلك الطائفية أوالموقف السياسي المحدد، ولم يكن من المتعارف قبل هذا وصف الكاتب حسب الطائفة أو البلدة، سادسا: تراجع القيمة الوطنية وتصدر الأغراض الشخصية والمكاسب النفعية علي سلوك الأدباء وكتاباتهم، وقد لوحظ التغير السريع في مواقف البعض ممن وقفوا ضد الاحتلال في البداية ظاهريا ثم ما فتئوا أن تقلدوا مراكز رسمية في الوقع الجديد.

ويؤكد وديع العبيدي ان الاحتلال لم يتحول الي قضية أساسية أو سياسية في الأدب العراقي ما عدا حالات محدودة، ولم يتبلور خطاب أو موقف وطني واضح وثابت من واقع الاحتلال، وانصرف الكتاب للبحث عن موضوعات محايدة أو الامعان في النبش في تاريخ زملائهم والتعريض بهم الي حد الانتقاص والاهانة مما لا يتناسب مع الموقف الوطني أو الشعور بالمسئولية، ولم يعن لأحد التساؤل عن القيمة الوطنية أو الأخلاقية المرجوة من انشاء مواقع الكترونية ونشر تخرصات وادعاءات تزيد من تمزيق النسيج الوطني وتشغله عن مواجهة المسئوليات الأساسية المؤجلة التي لا يريد أحد أن يعرف عنها شيئا سوي لغة الادعاءات والمبررات.

وتوالت الدراسات التي ترصد المشهد العراقي المعاصر: (المستحيل في الأدب العراقي) عبداللطيف الحرز (مسح أولي لثقافة العراقيين) علي حسين عبيد، (تحولات المثقف المتكيف) د.فاضل سوداني، (الاعلام بين نارين) سلام صادق، (الواقع الثقافي في محافظة السماوة) زيد الشهيد، (استدراكات في الثقافة العراقية بعد الزلزال) عبدالخالق كيطان، (علي عبدالأمير بين الغياب والتوازي) حسن ناظم.

كما يتضمن العدد ابداعات لأدباء عراقيين، ولوحة الغلاف والرسوم الداخلية للفنان العراقي هاني مظهر.

(ألواح) مجلة مهتمة بالثقافة العراقية وتصدر في العاصمة الاسبانية مدريد، ويشرف عليها: د.محسن الرملي وعبدالهادي سعدون.

اصدارات جديدة

كتابان مسرحيان

صدر للكاتب المسرحي يحيى صاحب، كتابان مسرحيان الأول جاء بعنوان "شجرة النار" ضم مسرحية شعرية واحدة حملت عنوان الكتاب، اخذ ثيمتها من التاريخ العراقي القديم، ثيمة الصراع بين الخير والشر، مستخدماً الشخوص التاريخية التي وردت في التاريخ المذكور.

أما الكتاب الثاني، فجاء تحت عنوان ثلاث مسرحيات شعرية، وهي 1- قدح السم، 2- ركلة حمار، 3- على مائدة الضبع، استوحى ثيمتها من حوادث تاريخية معروفة، مثل حادثة موت سقراط، بشربه السم، وكذلك تعريجه على التاريخ اليوناني القديم، الذي كان زاخراً بالاحداث الكبيرة، وبالعلم، والفلسفة والمعرفة.

والكاتب يحيى صاحب، كاتب دؤوب، يسعى لخلق رؤية جديدة في الكتابة المسرحية، من خلال الموازنة بين الأحداث التاريخية، والاحداث المعاصرة، خلال اربع وعشرين مسرحية شعرية، منها الحسين ابداً، وتموز، والمستنقع، وقبعات لشمس العصر وطاووس.

رحــلــة التــراجـيـديـــا الـعراقــيـة في رواية (عندما تستيقظ الرائحة)

في رواية الكاتبة (دنى غالي) الصادرة مؤخرا عن دار المدى بـ (235) صفحة من القطع المتوسط،يسعى القارىء ومنذ اللحظة الأولى،الى البحث عن تلك الأفكار التي يدونها كتاب المنفى بعد زوال الدكتاتورية وانتهاء حواجز الخوف، والى أي مدى كان انصهار هؤلاء الكتاب في المجتمعات التي امضوا سنوات طويلة فيها ؟. كيف يقراون الواقع العراقي الان؟ او في أية زاوية يضعون انفسهم كفنانين؟...رواية (عندما تستيقظ الرائحة) توضح الكثير من هذه الاسئلة لمن يتوغل في أعماقها ويسعى لتجميع الموضوعات المتناثرة على أوراقها.

فالرواية ومنذ الفصل الاول توضح للقارىء بأنها رواية عن شخوص لديهم مشاكل نفسية واجتماعية،في المنفى الدنماركي ولكنها نتاج مشكلات اخرى حدثت في البلد الام (العراق) وفي زاوية قصية منه هي (البصرة)، لذا تسعى المؤلفة الى الهرب من تقنية الفلاش باك التي اصبحت مملة وغير مستساغة في كشف الماضي، فتلجأ الى تقنية الحوار وهذا الحوار ينبثق بين باحثة اجتماعية وبعض الشخصيات العراقية الموجودة في المنفى الدنماركي ومنهم (مروه البصري) و(رضا المولاني) و(نهلة صباح) واخريات يظهرن في الحكايات التي تروى على لسان هؤلاء، لذا تقول الباحثة: (غالبية اللاجئين بحاجة الى مساعدة وعلاج وان لم يكونوا واعين ذلك) ثم تقول: (اغلبية اللاجئين شغوفون جدا بسرد ادق تفاصيل حياتهم وذلك بلاشك محاولة منهم لا نصاف النفس التي ترزح تحت ضغط الشعور بالظلم).

مصابيح أورشليم.. رواية إشكالية جديدة لعلي بدر

بعد روايته الإشكالية الأولى "بابا سارتر"، ثم "شتاء العائلة" و "صخب ونساء وكاتب مغمور"، أصدر الروائي العراقي علي بدر رواية إشكالية جديدة بعنوان "مصابيح أورشليم، رواية عن إدوارد سعيد" نشر فصولاً منها في الصحف العربية، وسبقتها مجموعة من المقابلات، وها هي الآن تصدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت.

تتحدث هذه الرواية عن المفكر الفلسطيني الراحل ادوارد سعيد والقدس معا، ضمن تركيبة من الاحداث الثقافية والاجتماعية والاخلاقية التي تشكل في هذه الرواية مواجهة مع الآراء السائدة عن تلك المدينة والتي تعودنا على سماعها من أغلب الكتاب العرب، لكن هذه الرواية تتحدث عن فكرة أخرى، هي فكرة أن تكون هذه المدينة مكانا لكل المنفيين، وكما يرى علي بدر أنها المنفى والفردوس معا، وهي الحرب والسلام، فضلا عن أنها مدينة جاذبة لكل التناقضات...

   مواصفات الثقافة ومحركاتها في هكذا يقرأ العراق صراع الثقافة والسلطة

ياتي اطراء الاستاذ الدكتور رتشرد بلت، استاذ مادة التاريخ في جامعة كلمبيا للكاتب الاستاذ الدكتور محسن الموسوي بمثابة تاكيد لقضية يتفق عليها بين الدارسين و الباحثين الا وهي سعة معرفة المؤلف و براعته في جمع الوقائع بتحليل يسقط على المادة معنى جديدا و أفقا واسعا. فالكتاب الجديد للدكتور الموسوي يتوج منشوراته باللغة الانجليزية خلال السنوات الاخيرة وكتبه الرائجة التي صدرت عن دور نشر معروفة منها كتابه  "الرواية العربية ما بعد الاستقلال" الذي صدر عن دار نشر "برل" والذي صدرت منه طبعتان في اقل من عامين على الرغم من غلاء ثمنه (156 $) و مثله كتابه "الشعر العربي: جادات القدامة والحداثة" الذي صدر عن دار نشر"روتلج" في عام 2006.  وياتي كتاب العراق استهلالا لإهتمام اخر يبدو ان المؤلف مزمع عليه كما تشيرهوامش الكتاب. فالكتاب معني بمتابعة الاسئلة التي تراود اذهان القراء دوما وهي: "لماذا مستنقعات العنف في العراق؟ ولماذا هذا الجور الذي تعاني منه البلاد طيلة تاريخ طويل ما بين الازدهار و التقهقر ومابين النهضة والاحتلال؟ و لا يذهب الدكتور الموسوي مذهب المؤرخين او الايديولوجيين، فهو يستجمع مادة غزيرة في تاريخ العراق الحديث ليسقط عليها تحليله.  ويعتمد المؤلف على ثنائية السلطة و الثقافة فيرى ان حركة علاقات النفوذ ليست معزولة عن الاستخدامات المختلفة للثقافة بصفتها الدينية والمعرفية و الطقوسية و المعتقدية بشكل عام. فالثقافة انتاج يمكن ان يستثمر بهذا الشكل او ذاك و لكنه الانتاج الذي يمتلك في داخله قوة حضور اكثر من غيره فهو يتحرك افقيا او عموديا ليؤسس شيئا اخر او ينفي شيئا اخر. ويرى الموسوي في تاريخ العراق أمثلة مختلفة لما يمكن أن يقال عن الصراع و التآلف. ألم يكن  الرواة المؤرخون  ينقلون عن أرسطو( صدقا ام تاليفا) ما يعني انه رد الاسكندر الذي راى في مناكدة العراقيين امرا متعبا لا ينتهي الا بالتصفية؟ اذ يقول أرسطو حسب النقلة و الرواة: "و ما تفعله بشان التربية والمناخ؟ ا ليسا مسؤولين عن ايجاد هذا الشعب وتكوين شخصيته؟" ليس هذا فقط، ألم يقل المسعودي أيضا ان طباعهم لها ميزة خاصة ونكهة لا تجدها عند أناس آخرين؟ و لكن لنعود الى التاريخ قليلا و نتوقف عند سومر و بابل و ما تقوله المدونات التي لا علاقة لها باي دراسة شفاهية، هذه المدونات تعرض لمكابدات تتلوها انتصارات و نجاحات.  لكننا اذا توقفنا كما يفعل المؤلف عند "انشودة المطر" لبدر شاكر السياب نتساءل أيضا لماذا الفقر و الفاقة في بلد يمتلئ بالثروة و الخصوبة؟ و لا يقدم سوسيولوجي عظيم مثل الراحل علي الوردي جوابا شافيا لهذه القضية لانه لا يجد غير التأويل الجغرافي والمدني حلا لما يسميه بازدواجية الشخصية العراقية ما بين الحضرية و البداوة. ويرى الموسوي أن المسالة يجب أن تقرا في ضوء النفوذ والقوة ذلك لان الجماعات الغريبة عن البلاد من قوى الاحتلال و الغزو غالبا ما تستميل جماعات نافذة من خلال دغدغة عواطفها و مصالحها كما فعل الانجليز في مطلع القرن العشرين. ولكن سرعان ما يدرك جماعة الصفوة ان المحتل لا يمكن ان يقدم حلا منشودا للاوضاع  محلية كانت او وطنية ما دامت له مصلحة اساسية من وراء الغزو. لكن مسألة الثقافة تقدم ايضا حلها لهذه القضية عندما اوجدت الطاقات الوطنية تعليما واسعا طال المناطق النائية و اوجدت فئات جديدة تازرت مع القوى الفلاحية و العمالية في تكوين  مجتمع قوي مثابر.         

 و ينقسم الكتاب الى خمسة ابواب: يتناول الباب الاول المواصفات الاولية للثقافة العراقية، و علاماتها، و كذلك محركاتها و بواعثها الفعلية على الاصعدة الدينية و المعتقدية و الاجتماعية و العنصرية و غيرها. و يتعمق هذا الباب في الاصول و تبعات الارث الحضاري في الذاكرة الجماعية. ويقدم المؤلف ايضا ما يراه من منظورات لازمة لبلوغ شخصية الفرد العراقي. و يتناول الباب الثاني قضية التعليم و ركائزه في العراق الحديث، و ابرز المؤثرين فيه، دارسا ايضا ظهور النخب الثقافية و علاقة ذلك بتغيرات السلطة. و يمر على دور الحصري وفاضل الجمالي، و يتابع الاهتمام العراقي الخاص بنظرية ابن خلدون، منبها الى ان سلسلة من  التربويين العراقيين عنوا بهذا المدخل و سعوا الى تقديم وجهة نظر بشان  التناقضات الاجتماعية و المعتقدية داخل المجتمع العراقي، و الاسباب التي يمكن ان تستثمر من قبل مراكز النفوذ و السلطة. و يقف الباب الثالث عند قضية النمو الايديولوجي  بين الفئات المتعلمة، و طبيعة استقبال الافكار داخل الفئات الاجتماعية المختلفة، من حواضر و بواد. و يتابع المؤلف طبيعة اسقاط الساسة لافكارهم و مفاهيمهم على تاويلاتهم بشان المجتمع العراقي، وهي حقيقة ولدت قطيعة بينهم وبين فئات عراقية متباينة. و يمر المؤلف على معنى ظهور الاحزاب و الجماعات، و كذلك فقه الشعارات و المنابر. و يعرض لذلك من خلال شبكة من الكتابات و التعليقات و القصائد و القصص التي تتآزر جميعا مع الوعي الفني لتقدم صورة المجتمع و طبيعة المشكلات و الطموحات المتوالدة  فيه. و مثل هذا الطرح يقود الى بابي الكتاب التاليين: الرابع و الخامس. و كلاهما يعنى بخارطة الادب العراقي في سياق التكوينات الفعلية و الثقافية العراقية بما يجعل الادب مكونا فكريا فاعلا داخل الحياة العراقية، و مؤثرا لا بد من وعيه و الدراية به اذا ما اردنا فهم المجتمع العراقي و مستقبله السياسي و الاقتصادي. و الكتاب مكتوب بلوعة المحب و دراية الدارس المتعمق، و بوعي الناقد الملم بادوات التحليل و التفسير دون إدعاء او مكابرة. و لهذا جاء الكتاب قويا، مؤثرا، و عميقا يستهوي القارئ. و لا غرابة انه يحقق استقبالا قويا داخل شتى الاوساط في خارج البلاد العربية. إنه كتاب لابد منه لكي نفهم العراق و نتمكن من السعي لحل مازقه وملماته.

والكتاب الجديد للدكتور الموسوي يضم ملحقين، أحدهما يعيد بيان الجنرال مود عند احتلاله بغداد، بصفته البيان الأسي الذي تتكرر معالمه في بيانات المحتلين، شأن بيان نابليون في مصر؛ أما الملحق الثاني فيخص المفكر العراقي الراحل عزيز السيد جاسم.

والكتاب بحواشيه و متونه رحلة مهمة غنية بالمادة والدراسة والرأي و الأسئلة.

من المكتبة العراقية

المدخل الى حوض الغراف

عن دار الكتب العلمية للطباعة والنشر، وتوزيع مكتبة عدنان في شارع المتنبي، صدر كتاب للباحث السيد علي الحيدري يحمل عنوان "المدخل الى حوض الغراف، تاريخاً وحضارة".

تناول فيه الباحث تاريخ حوض الغراف، والعشائر التي تسكن في تلك المنطقة الخصبة. وقدم للكتاب الباحث د. حسين علي محفوظ، اذ قال: يضاف تاريخ الغراف الى مكتبة تواريخ البلدان، ويلحق بكتب التواريخ لمن تقدم من ارباب الفن، ويتمم ما صنف في تاريخ المشرق، وتاريخ العراق.

الفريد سمعان وروح الابداع

للناقد علوان السلمان صدر كتاب بعنوان (الفريد سمعان وروح العصر) تناول فيه ابداع الاديب الفريد سمعان في الشعر والقصة والمسرح في خمس دراسات نشر قسم منها في الصحف اليومية. يقول الناقد عن الفريد سمعان: يمتلك موهبة ادبية متألقة وطاقة هائلة وقدرة خارقة على الغوص الى ابعد الخفايا وتصوير الافكار وخلق صور الابداع، والتقاط اسرار التجربة الانسانية.

الحرب ومروياتها بصوت سمية الشيباني

رواية جديدة ظهرت لكاتبة عراقية غير معروفة اسمها سمية الشيباني، وعنوان كتابها "حارسة النخيل" صدر عن المؤسسة العربية للنشر ببيروت. الكاتبة مذيعة تلفزيونية ومقدمة برامج، وهناك مايدفع إلى الاعتقاد أنها سجلت في هذا العمل يومياتها، فهي تحكي عن قصة إعلامية مهاجرة تعود إلى العراق في رحلة قطعتها إلى بلدها خلال مرحلة حرجة.وسواء كانت هذه الرواية سيرة حقيقية او متخيلة، فكل ماترويه محض واقع يبنى على دراما التوتر بين بشاعة الحرب وقدرة البشر على التحمل.

يمكن لقارئ هذه الرواية تلمس فيض المشاعر وعفويتها الآسرة التي تشده إلى عوالمها وتقرّبه من فهم الظاهرات لا بالعلامات الرمزية،بل بالتاريخ المسرود للأفراد، ولحركتهم وهي تتنقل في الأمكنة التي طالها زلزال الحرب.

بطلة الرواية وقعت في مأزق إحتلال الكويت، وهي من أب عراقي وأمّ كويتية من سكنة البصرة، وعليها وهي تتابع الكارثة التي تلوح في أفق البلدين، أن تستذكر تاريخها الشخصي بين إنتماء إلى العراق عززته زيجتها من عراقي إعلامي مثلها، وإنتماء إلى أمّ عانت الغربة وجحود الزوج. وهكذا تقول الكاتبة انها كتبت حكاية الأم التي عاشت بين بلدين، في حين إنها تسجل قصة من قصص العراق المؤثرة.

تسجل الرواية يوميات القصف وهجرة الناس من بغداد إلى المدن البعيدة، حيث تلاحقهم الحرب وتحاصرهم بوابلها إلى كل الأماكن.

انزياح الحجاب

صدرت رواية عراقية جديدة، في بيروت عن دار (ناجي نعمات) بالعربية والانكليزية.

الرواية بعنوان (انزياح الحجاب ما بعد الغياب) للقاص جاسم عاصي، وكانت قد فازت بجائزة مسابقة (ناجي نعمات) إلى جانب كتب قصصية وروائية اخرى.

ندوات

ورشة عمل ثقافية تناقش مفاهيم وحقوق المرأة والشباب

بمشاركة نخبة من المثقفين والاعلاميين وطلبة الجامعة من كلا الجنسين، تواصلت اعمال ورشة العمل الثقافية التي أقامتها مؤسسة (عراق) للابداع، على قاعات مدارات في الوزيرية ببغداد للمدة من 29 ـ 31 آب الماضي..وكانت الورشة قد بدأت اعمالها بمحاضرة ألقاها د. حسين الهنداوي رئيس مؤسسة (عراق) للابداع، تناول فيها المفاهيم والمبادئ الاساسية التي تتعلق بحقوق الانسان والسبل الكفيلة بتطبيقها، اضافة الى استعراض اتفاقية (سيداو) التي تنادي بالقضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة.في حين ركزت المحاضرة الثانية التي قدمها المحامي طارق حرب على اهمية مشاركة المرأة والشباب في الحياة السياسية واعطاء ضمانات دستورية وقانونية حول الحق في هذه المشاركة.واحتوى اليوم الثاني من اعمال الورشة على محاضرة قدمها د. غزوان هادي استاذ العلاقات الدولية في كلية الصادق الاسلامية أكد فيها على طبيعة مفهوم المجتمع المدني والدور الذي تضطلع به منظمات المجتمع المدني في اشاعة حقوق المرأة والشباب والطفل وبقية مكونات المجتمع.أعقبه د. عامر حسن فياض استاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد بمحاضرة تناولت طبيعة النظام التربوي والتعليمي واهميته في تشجيع مشاركة النساء والشباب والطلبة في بناء الحياة السياسية والدور المؤثر الذي تلعبه هذه القطاعات في تطور المجتمع حضاريا وثقافيا ومعرفيا.فيما حفل اليوم الثالث بمحاضرتين، الاولى سلطت الضوء على دور مؤسسات المجتمع المدني والاعلام في دعم مشاركة المراة والشباب في عملية نهضة المجتمع والارتقاء بمؤسسات الدولة، قدمها الزميل جهاد زاير مدير تحرير جريدة “الصباح”، والثانية القاها الكاتب حسن الموسوي، تناول فيها اهمية الديمقراطية ودور المرأة في المشاركة في الحياة السياسية واتخاذ القرارت، والمهارات القيادية للنساء والشباب في تطوير العمل الاجتماعي وعلى جميع المستويات.

أحوال الرواية الكردية

ماذا يعرف القارئ العربي عن الرواية الكردية؟

بدا المؤتمر الذي دعا إليه إتحاد أدباء كردستان ارتجالياً وغلب عليه الطابع الاحتفالي أكثر من الهم الإبداعي. وقد يكون مرد ذلك أنه أول مؤتمر من نوعه ينظم حول الرواية الكردية في أربيل عاصمة كردستان. أو ربما لأن فكرة المؤتمر اختمرت في رأس الداعين إليه بتأثير من عشرات المؤتمرات والمهرجانات التي باتت تقام في إقليم كردستان منذ أن غدا يتمتع باستقلال ذاتي بعيد عن المركز في بغداد.

المفيد أكثر من أي شيء آخر تمثل في التقاء الروائيين والنقاد الكرد الذين أتوا من جهات مختلفة اذ أمكن لهم التعرف بعضهم إلى بعض. وخلق المؤتمر فرصة نادرة لتبادل الآراء والأفكار والاطلاع على أصوات ونصوص وتجارب لم يسبق الالتفات إليها.

الحال أن صعوبات كثيرة تواجه الكتاب الكرد وتمنعهم من التواصل الفعلي في ما بينهم. ولايتعلق الأمر بالالتقاء والجلوس وجهاً لوجه بل في العراقيل التي تقوم في قوام الأدب الكردي نفسه. فثمة تعدد اللهجات التي يكتب بها المؤلفون الأكراد والتي يبلغ الاختلاف فيها حداً يعجز معه الناطقون بلهجة محددة من فهم ما يكتبه الناطقون بلهجة أخرى. يضاف إلى هذا وجود أكثر من أبجدية كتابية تتوزع على الأبجديات اللاتينية والعربية والكيريليكية.

عقد المؤتمر برعاية السيد نيجيرفان البارزاني رئيس حكومة إقليم كردستان وتحت شعار «تطور الرواية الكردية دليل لحضارة شعبنا» وافتتحه السيد فلك الدين كاكايي وزير الثقافة في حكومة الإقليم الذي أبدى استعداد حكومته لدعم الكتاب والمثقفين. وهو أفصح عن أن الوزارة التي يترأسها وضعت برنامجاً لإعادة طبع الروايات الكردية و ترجمة الروايات غير الكردية.

مؤتمر الرواية الكردية كان نافذة للإطلال على هذا البيت الواسع للإبداع الكتابي في بلد عرف عن الفرد فيه صورة واحدة: مقاتل يحمل بندقية وكيس تبغ.

حضور كبير استعاد لحظات الفرح العراقي

ضمن نشاطها نصف الشهري، اقامت مؤسسة المدى للثقافة والاعلام والفنون، احتفال نهارات المدى، حمل عنوان (يوم عراقي للفرح الشعبي) ضم عددا من الفعاليات والنشاطات التي تعكس التراث الشعبي البغدادي شارك فيه عدد من الجمعيات التراثية، وباعة الانتيكات وباعة المأكولات والشرابت، والفرق الشعبية للرقص والغناء ومجموعة من الرسامين، بينهم عدد من اطفال المدارس الابتدائية الذين قدموا رسومات عبرت عن التلقائية والعفوية عندهم.واكتظت قاعة (الحمراء في نادي الجادرية) بالزوار والمدعوين يملؤهم الفرح وكأنهم يقولون لقوى الظلام: الحياة تسير رغما عنكم..!

تراثيات

كانت لجمعية الحرف للتراث الشعبي، مشاركتها في هذا الاحتفال، حيث ضم معرضها عددا من الصناعات والحرف الشعبية، السيد عبد الكريم الاحمدي رئيس الجمعية، قال: اشتركنا بمعرض للحرف والصناعات الشعبية مثل النحاسيات، والعباءات الرجالية والنسائية، والنقش على الجلود والخشب، والبسط الشعبية، واللوحات التراثية.

والغاية من كل هذا، تعريف الزائرين بالموروث الشعبي العراقي.

وكانت للفنان احمد الشيخلي مجموعة من الرسومات التي جسدت الحياة الشعبية العراقية، ولنصير النقاش عدد من اللوحات (الحفر على الخشب) تمثلت فيها الشناشيل البغدادية والبصرية القديمة (والمطيرجي) واهل السحور وسوق الشواكة، وخريطة العراق ولوحة عبرت عن الواقع العراقي الحالي.. وكان للسيراميك مكانه في هذا الاحتفال من خلال الفنان سلمان البصام الذي قال: اعتمدنا في اعمالنا المعروضة هذه على التراثيات فقط، وهي ليس كل الاعمال التي كنا نروم تقديمها بسبب صعوبة النقل.

وكانت هنالك مجموعة عربات مصنوعة من خشب الميلامين. واتضح من كلام المسؤول عن هذا القسم، أنها أي العربات ترسم على الورق اولا وبالتالي تنفذ، وتصمم على الشكل الذي شاهدناه.

أما عمر الصفار، فهو احد العاملين في سوق الصفارين، اشترك بمجموعة من النقوشات على النحاس، اعتمدت تاريخ العراق القديم.

وشارك خالد رحمة بعدد من الانتيكات الصوتية القديمة مثل الراديو والكرام والاسطوانات القديمة، فكان هنالك راديو امريكي RCA مصنوع سنة 1940 ويعمل بنظام اللمبات أي الصمامات، وراديو هزماسترفويز انكليزي الصنع عام 1954، وقال خالد رحمة: هنالك نوع آخر من هذا الراديو يعمل بالنفط.

وكان لوداع الفنهراوي، صاحب محل لبيع التراثيات البغدادية في الكرخ مشاركته ايضا.. وضم جناحه الصغير المهفات والكواشر وسفرات الاكل وطبكية الخبز، وحافظة الخبز.

مكتبة المدى كانت هناك

بمئة وخمسين عنواناً معظمها من اصدارات عام 2006 شاركت مكتبة المدى في هذه التظاهرة، وقال السيد داود محمد مسؤول المكتبة: لدينا ثلاثون عنوانا لم تطرح في الاسواق حتى الان منها مذكرات آغاخان والجواهري فارس حلبة الادب لمحمد جواد الغبان، والفتوة التشغرجوي رواية يشار كمال وشعائر الجنازة لجان جينيه والعالم بعد "أيلول لبريماكوف وغيرها من العناوين الاخرى.

على قاعة اتحاد الادباء والكتاب في العراق جلسة احتفائية بالروائي جمعة اللامي

بحضور عدد كبير من الادباء والمثقفين ترافق مع انقطاع طويل للكهرباء الوطنية فضلا عن غياب صاحبة الهدير المجلجل (المولدة)، اقيمت على قاعة "مشوى!" اتحاد الادباء والكتاب في العراق جلسة احتفائية بالقاص والروائي جمعة اللامي الذي يقيم في مهجره الخليجي في دولة الامارات منذ اكثر من ربع قرن، قدم للاحتفائية الناقد علي حسن الفواز مبتدئاً بالقول: اليوم، نحتفي برمز من رموز الثقافة العراقية، باسم لامع من اسمائها، جمعة اللامي الذي انجز الكثير من ملامح الابداع في سيرة السرد العراقي، وهو اسم راسخ في هذه السردية، وكل من يقلب اوراق المنجز الثقافي العراقي، لا اعتقد انه سيغفل اسم جمعة اللامي، فجيل الستينيات جيل متمرد، جيل صاخب، جيل انفتح على اول ملامح انكسار المشروع السياسي الرومانسي العراقي..

احمد خلف: ادب جمعة اللامي ادب مأساة

ثم قرأ القاص والروائي احمد خلف ورقته عن اللامي وجاء فيها: انني لن اتحدث عن جمعة اللامي كصديق ومجموعة ذكريات، اذ لا يمكن احتواء هذه الذكريات لانها تستحق ان تكتب كرواية مستقلة عن جيل الستينيات. حاولت في هذه الورقة ان اكتب عن جمعة اللامي من داخل النصوص، فأدب جمعة اللامي ادب مأساة، يعتبر ادبه القصصي، ادب فجيعة، اي انه ينتسب وينتمي الى الادب المأساوي، الذي تعارفنا في الاداب العربية والعالمية وترتكز القاعدة الفكرية المغذية لنشوء نصوصه على المعادلة الثنائية، التي تقول بضرورة البحث عن الوشائج او القواسم المشتركة بين التجربة الذاتية للمبدع وبين تراثه الوطني او القومي، لذا فالتجربة الخاصة للمبدع جمعة اللامي من الثراء والغنى، بحيث نجدها تحوي في بعض النصوص التي كتبها في النصف الثاني من مرحلة الستينيات، على تجارب معرفية واجتماعية وبعضها ذو اصول دينية واخرى سياسية واضحة المعالم.

خضير اللامي: جمعة اللامي كان يبحث عن الذات والوجود والحضارة

بعد ذلك، تلا الكاتب خضير اللامي تحية المحتفى به، القاص والروائي جعمة اللامي والتي جاءت تحت عنوان "كانت هنا ارض اسمها العراق" يقول فيها جمعة اللامي وجه جنوبي ميساني، سومري ينحدر من عائلة فقيرة، تكاد تكون معدمة لها معيل واحد هو رب الاسرة. يشتغل عاملا بسيطاً وفي منتصف عام 1958 هاجرت العائلة من مدينة الماجدية في محافظة ميسان الى بغداد، العاصمة، وجد جمعة اللامي نفسه مقذوفا في خضم هذه المدينة ذات الشوارع والمنعطفات والازقة المتفرعة والمتقاطعة وغير المتناهية، عاصمة غاصة بانواع العجلات والمركبات والمزدحمة بالمارة والملاهي والبارات والنوادي والمقاهي الليلية والمراقص المضاءة بالمصابيح والنيونات الملونة بالالوان الزاهية فضلاً عن الكنائس والجوامع والاكواخ الطينية والصرائف.. كان هذا الصبي يبحث بين هذه الاشياء عن الذات والوجود، والحضارة والعرفانية والحركات السياسية، تقدمية ورجعية واخرى مستقلة وهو لم يزل شابا في مقتبل العمر.

حميد المختار: انه الستيني الذي اثارغبار المعارك الابداعية

يؤكد المختار: انه الستيني المتوثب، الذي اثار غبار المعارك الابداعية واسس مع رفاقه بناهم التحتية الموغلة في سردية حداثوية، شكلت خطوة اولى، محطمة القواقع وفاتحة الافاق الواسعة امام شباب القصة العراقية ليقتحموا المجاهيل ويواصلوا مغامرات الشكل والمعنى والافكار، ولم يكتف عند هذا الحد فقد رافق زملاءه الذين كانوا معه في الكلمة والمنطق والصف، كأحمد خلف وجليل القيسي ومحمد خضير وسركون بولص وفاضل العزاوي ومحمد عبد المجيد ليؤسسوا نهجا جديدا في القصة، ويوجهوا دفة السردية الى معالم اخرى وسواحل غريبة، واستمر اللامي في الكتابة حتى وهو يعيش عزلته الصوفية بعد وفاة والدته، فكتب مجموعة "اليشن" وهي الاخرى شكلت حضورا متواصلا لهذا القاص المبدع.

وفي ختام شهادته يشير المختار: تواصلت اصدارات اللامي في غربته الطويلة عن بلده، ابتداءاً من مقامته اللامية وحتى مجنون زينب اضافة الى كتبه ومقالاته السياسية والفكرية، التي اعطت للعالم صورة واضحة المعالم لما يحمله هذا المبدع من هم وطني وانساني متأصل في ذاته ومنطلق الى افاقه البعيدة.

ندوة عن التراث العلمي السرياني في قاعة اتحاد الأدباء والكتاب

بحضور عدد كبير من الادباء والمثقفين ضيف اتحاد الادباء والكتاب في العراق، الدكتور بشير الطوري ليلقي محاضرة تحت عنوان "نظرة في التراث العلمي السرياني"، ابتدأها بتقديم لمحة سريعة عن المستوى العلمي الذي امتاز به العراقيون خلال عصورهم الحضارية المعروفة، ثم انتقل الطوري الى محور ندوته متحدثاً عن السريان وتراثهم العلمي بالقول:

إن السريان هو ورثة البابليين والاشوريين لمدة عشرة قرون او ما يزيد. وقد اصابوا جانباً كبيرا من هذا الارث لحضاري وطوروه، ورغم شحة المصادر المتوفرة في هذا الموضوع فاننا نجد الكثير من التفصيلات العلمية مبثوثة في قصائد مار أفرام ومار يعقوب السروجي، وغيرهما، ولا يمكن لاحد ان ينكر دور ابن ديصان في الفلك والشعر، واسباب شحة هذه المصادر يعزوها الباحثون الى عدم وضوح مفهوم العلم، والى افتكار السريان بانها (علوم وثنية)، فيها الكثير من الالحاد والسحر والشعوذة، لا سيما في علوم الفلك والتنجيم والكيمياء. وكذلك اهمال الباحثين المحدثين هذا الجانب من التراث.

تعرف العلوم الطبيعية عند السريان الطبيعيات. وقد نشر المستشرقون بعضا من تلك الفصول ونقلوها الى لغاتهم.

ولقد عنى السريان بعلم الطب ومارسوه مدة تقرب من الف عام او اكثر وقد اداروا المستشفيات، ونقلوا من اليونانية الى السريانية والعربية أجَلّ الكتب وافضلها بعد غربلتها وتلخيصها، وتفسيرها..

وعن العلوم الطبيعية تحدث المحاضر قائلاً:

بقدر ما شاعت كتب الطب السريانية شحت كتب العلوم الاخرى، وخير ما نبدأ به هذا القسم من موضوعنا هو فقرة من بحث طريف نشر في المجلد الاول من مجلة مجمع اللغة السريانية بعنوان "الفيزياء والكيمياء في المؤلفات السريانية" للمطران مار غريغوريوس بولس بهنام (ت 199م) وقد اختار الباحث ابن العبري باعتباره احد عمالقة الادب والعلوم في السريانية ونوى العلوم الطبيعية مبثوثة في مؤلفاته زبدة الحكم ومنارة الاقداس والاشعة، فاشبع هذه المواضيع درسا وتحقيقاً.

شبكة النبأ المعلوماتية-الاحد 14 كانون الثاني/2007 - 23 /ذي الحجة /1427