ذكرت دراسة حديثة أن نحو ثلاثة من كل أربعة منازل يمتلكون واحدا أو أكثر من أجهزة الكمبيوتر الشخصية في سنغافورة البارعة في التكنولوجيا. وترتفع الارقام الواردة من هيئة تنمية إتصالات المعلومات بنسبة  68 في المئة عن عام 2002. وقالت الهيئة ان هناك وعيا كبيرا بين العائلات عن أهمية استخدام تكنولوجيا المعلومات وبرامج التعليم الوطني.. كما ساعدت الصفقات المالية الجذابة على تزايد دخول الانترنت إلى المنازل. وأسفرت خطط نظام الاشتراك الشهري لخدمة الانترنت الممكن تحملها إلى اشتراك  40 في المئة من المنازل التي جرى استطلاع آرائها في النظام العام الماضي 2003 مقارنة بنسبة  24 في المئة عام 2002.

 

إنَّ سكينةَ القلبِ تُوجبُ الاتزانَ في التفكيرِ، وهو بدورهِ يوجبُ التحرُّكَ الصحيحَ نحوَ الأهدافِ الرفيعةِ.

ايران في جولة ثانية: انكشاف اوراق اللعبة.. انتخاب السيئ لتفادي الاسوء
إغلاق صحف إيرانية جديدة بسبب إشكالات الانتخابات الأخيرة
استجواب صدام واعوانه تمهيدا للمحاكمة الكبرى
إنجاز 70 - 80% من صياغة الدستور العراقي الجديد
75 بالمائة من الفلسطينيين يؤيدون تخلي حماس عن العنف
ندوة الوثائق التاريخية للقدس محاولة عقلانية لإيقاف تهويدها
التغذية السليمة تضمن للانسان ذاكرة نشطة حتى سن التسعينات
 
 
 
 

 

العراق وجاريه غير العربيين

حيدر علي

يشترك العراق بالحدود مع ستة بلدان، أربعة منها عربية هي سوريا والأردن والسعودية والكويت، وبلدين غير عربيين هما تركيا وإيران، كما أن لتركيا حدوداً مشتركة مع سوريا أيضاً، ولإيران أطول شاطىء على الخليج وتطل هي وعمان على مضيق هرمز بوابة الخليج على بحار العالم والمنفذ الذي يمر عبره نفط الخليج الى الأسواق الدولية.

يتجنب كثير من الكتاب الخوض في مقارنة بين علاقات العراق والعرب عموماً مع تركيا وإيران، ولعل السبب هو أن الكاتب اذا اتخذ المنهج الموضوعي الحيادي في كتابته واجتنب الطريقة العاطفية في إثارة المشاعر واختراع موجبات الحقد بلا مبرر... واجه سيلاً من التهم الرخيصة كالعمالة ومحاولة استيراد بعض نماذج الحكم من دول الجوار لتطبيقها في العراق... وقد يُرمي الباحث الموضوعي بأنه غير عربي أو من أصول غير عربية... وكأن انتماء الشخص الى قومية معينة يلغي فكره وإنسانيته، غير أن هناك قرّاءاً يتحرون الموضوعية ويفكرون بعقولهم لا بمشاعرهم ولا بعقول غيرهم... ولهؤلاء أكتب.

ان الهدف من وراء كتابة هذه الأسطر هو الإشارة الى بعض الحقائق في علاقات العراق والعرب عموماً بتركيا وإيران، لنخرج بمقارنة موضوعية ولنكشف عن المفارقات التي يقع فيها الكثير من وسائل الإعلام العربي في الكيل بمكيالين عند الحديث عن العلاقة بهما، ثم محاولة الكشف عن الأسباب والدوافع الخفية التي أدت الى الوقوع في تلك المفارقات، وليس هدفنا مهاجمة سياستهما ولا الدفاع عنها ولا التشجيع على التطبيق الأعمى لتجاربهما الداخلية على الشعب العراقي، ولا مهاجمة بعض الأحزاب والجهات السياسية أو الدينية أو المذهبية سواء الإيرانية أو التركية أو العراقية أو العربية، ولا الدفاع عنها...

يحاول دعاة الإصلاح نشر ثقافة احترام الآخر واحترام خصوصياته كثقافة ولغته ودينه وتقاليده وعاداته، وفي عصر العولمة بدأت تنتقل تلك الأمور بين المجتمعات البشرية وتتبادلها الحواضر الإنسانية، وعلى المجتمع الواعي أن يختار ما يناسبه منها ليكمل رقيه وتطوره، ولذا يدعو مصلحو العالم الى حوار الحضارات بدلاً من تناحرها، ومن مظاهر ذلك: الاحترام المتبادل بين الدول المتجاورة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.

بينما تتكاثر هذه الأيام الكتابات والأحاديث والخطب النارية والفتاوى الدينية... حول العراق ممّا يعد تدخلاً سافراً في شؤونه الداخلية، في حين يأمل العراقيون من كل هؤلاء الذين يدّعون أنهم يريدون بالعراق وأهله خيراً ان يكفوا عن التحدث في المسألة العراقية ويجتنبوا التدخل في شؤون العراق لا أستثني من ذلك الحكومات والأحزاب والمنظمات والهيئات والبحوث الدولية والعربية والإسلامية والأجنبية الحكومية وغيرها، فان للعراق مثقفوه وقياداته الحكيمة التي بامكانها الوصول بالعراق والعالم أجمع الى بر الرفاه والخير والسلام، وما على هؤلاء الذين يدّعون أنهم يريدون بالعراق خيراً سوى توفير وقتهم الثمين لخدمة شعوبهم وحل ما تعانيه من مشاكل جمة، وليمنحوا أهل العراق فرصة بناء العراق الجديد، وفي ذلك خدمة كبرى لشعوب المنطقة وللإنسانية وللسلم الرفاه العالميين.

ومن جانب آخر تعد بعض كتابات العراقيين والعرب تدخلاً سافراً في شؤون الدول المجاورة للعراق، أو نقداً غير موضوعي مما يُعدّ تهجماً وتجريحاً، رغم أن مصلحة العراق تملي على كل من يرتبط بالعراق ويدعي الحرص على مصلحته –خصوصاً المسؤولين الرسميين- أن يجتنبوا التدخل في شؤون الدول المجاورة للعراق؛ لسحب الذرائع التي قد تتذرع بها للتدخل في شؤون العراق.

أتمنى أن يصبح احترام كل الدول وخصوصاً دول الجوار وشعوبها وعدم التدخل في شؤونها من ثقافة العراقيين؛ لنبتعد عما جرى عليه النظام البائد من سياسات اتجاه دول الجوار، أدّت الى حروب كارثية أضرت بمصالح شعوب المنطقة وتحمّل أثقل أعبائها الشعب العراقي ولا تزال بعض تبعاتها قائمة الى اليوم، فالشعب العراقي يدفع نسبة من ثمن مبيعات نفطه الى بعض دول الجوار كتعويضات عن الخسائر التي لحقت بها جراء حروب صدام كما يطالب بعضها الآخر بمئات المليارات تعويضاً عما لحقها من أضرار الحروب الصدامية.

تنشر كثير من الكتابات حول العلاقة بين إيران والعراق تحت عناوين مختلفة كـ (تأثير إيران على العراق) و(محاولات الهيمنة الإيرانية على العراق) (والسياسات الإيرانية في العراق) وما أشبه ذلك من العناوين، ويحاول البعض التهجم على العراقيين -خصوصاً الطائفة الشيعية التي تشكل أكثرية الشعب العراقي- من خلال التهجم على إيران الشيعية، ويسعى بعضهم لتصوير الإيرانيين بأنهم مخلوقات من كوكب آخر قدمت الى أرضنا لتلتهم العراق وتقضي على حضارة العرب وتستعبدهم...

ينشر الخطاب العروبي اشاعة مفادها: أن شيعة العراق إيرانيون، ولا يضير شيعة العراق ذلك فقد ولى زمن الشوفينية والتعصب العنصري والتعالي القومي، لكن لا أدري هل فكر من يدعي ذلك بالنتيجة المنطقية المترتبة على ادعائه؟ فإذا كان شيعة العراق ايرانيين وانضم اليهم الكورد والكورد الفيليين والتركمان... أصبح أكثر من ثمانين بالمئة من الشعب العراقي من غير العرب، فلِمَ التباكي على عروبة بلد أكثرية شعبه من غير العرب؟! وأي جامعة دول عربية تلك التي تقبل انضمام مثل هذا البلد اليها خصوصاً اذا علمنا ان العراق كغيره من الدول العربية له حق النقض على قرارات جامعة الدول العربية لأن قراراتها تتخذ باجماع أعضائها بما فيهم العراق؟! وأي كذب أفضح من أدعاء عروبة مثل هذا البلد؟! وأي دعوة أتفه من دعوة شعب لتغيير قوميته من الفارسية والكردية والتركمانية... الى العربية؟!

يهول بعض الكتاب تأثيرات إيران على العراق متناسين تأثيرات العرب الهائلة على إيران، كانتقال الإسلام والتشيع من العرب اليهم، وتقديسهم للقرآن العربي ومحاولتهم حفظه وفهمه وتفسيره ودراسته ودراسة ما يتعلق به من علوم وتطبيقه في حياتهم، وتقديسهم للرسول العربي وأهل بيته الكرام، وتكريمهم النسل الهاشمي العربي المنتمي اليهم عبر الأجيال والقرون، ويطلق الإيرانيون على المنتسب الى ذلك النسل الكريم أسم (سيد) وتمسك رجال الدين الإيرانيين والذين أصبحوا قادة دنيويين أيضاً بلبس العمامة والقباء والجبة والعباءة وهو زي عربي أصيل، وتسمى هذه الملابس في اللغة الفارسية بنفس أسمائها العربية فاسم العمامة –مثلاً- في اللغة الفارسية هو (عمامة) ولا يقتصر تأثر اللغة الفارسية باللغة العربية على هذه الكلمات، فالفارسية مليئة بالكلمات العربية بحيث لا يمكن كتابة فقرة قصيرة باللغة الفارسية إلا باستعمال كلمة أو أكثر من كلمات اللغة العربية، ولا يستغرب الباحث أن يعثر على قصيدة باللغة العربية في ديوان فارسي وعلى بيت أو شطر عربي في قصيدة فارسية كما هو ديدن الشاعر الإيراني الشهير (حافظ شيرازي) الذي تنتشر نسخ ديوانه في كل أرجاء إيران وقد لا يخلو منه بيت في إيران وسائر الدول الناطقة بالفارسية، وأول شطر من ذلك الديوان هو قوله: (ألا يا أيها الساقي أدر كأساً وناولها)... كما أن اللغة العربية تدرس في المدارس الحكومية كافة ابتداءً من المرحلة الابتدائية وحتى قبل تدريس اللغة الإنكليزية، ويستعمل الإيرانيون الحروف الأبجدية العربية لكتابة اللغة الفارسية بعد أن تركوا أبجدية اللغة الفارسية القديمة حتى أصبح الشعب الإيراني المعاصر لا يفقه تلك اللغة رغم أنها لغة حضارته الكسروية ولغة إمبراطوريته التي كانت تعد أحد أقطاب العالم وقواه العظمى آنذاك...

ان من الطبيعي جداً أن تتأثر الشعوب المتجاورة بعضها ببعض، فلا يستطيع الباحث إنكار تأثر الشعوب المجاورة لإيران بالإيرانيين، ومما يشير الى ذلك ما ينقل هذه الأيام من ان بعض العراقيين يتكلمون اللغة الفارسية في بعض المدن العراقية، وقد أثار ذلك استهجان بعض الأقلام.

ان الإنسان المثقف يحاول تعلم أكبر قدر من اللغات خصوصاً لغات الشعوب المجاورة لينهل من ثقافتها، فان كل لغة تحمل خزيناً هائلاً من ثقافة المجتمع الذي تطورت وترعرعت فيه، فانا –شخصياً- أبيح لنفسي التكلم باللغات التي أجيدها بدرجات متفاوتة ولا أجد غضاضة لو تحدثت بالإنكليزية -مثلاً- اذا أجادها مخاطبي وان أجاد غيرها من اللغات التي أجيدها.

ان المطلع على أحوال الدول التي تعد رائدة الديمقراطية في العالم المعاصر يجد أسواقاً تتحدث بغير لغة البلد الرسمية وتكتب لوحات محالها التجارية ودعاياتها بتلك اللغة أيضاً، ومن يشك في ذلك فما عليه إلا القيام بجولة سريعة في أحياء لندن التي تسكنها الجاليات غير الإنكليزية أو ولاية مشغان الأمريكية أو مولمو السويدية أو أوبرن وفيرفيلد من ضواحي سيدني الاسترالية... ولم يعترض مثقفوا تلك البلدان على ذلك، بل قد يعد الاعتراض في بعض تلك الدول من مظاهر التفرقة العنصرية الممنوعة. ولا يمكن إنكار عراقية العراقيين ذوي الأصول غير العربية، لكن يستهجن الخطاب العروبي تكلمهم بلغتهم!!

ان في إيران وتحديداً في أهم مدينتين إيرانيتين وهما طهران وقم توجد أسواق تتكلم العربية باللهجة العراقية وأوضح مثال على ذلك هما سوق (كذر خان) في قم وسوق (كوجة مروي) في طهران، كما يلاحظ الزائر لإيران أن قسماً كبيراً من الإيرانيين من التجار والباعة وسواق سيارات الأجرة وأصحاب الفنادق والمرافق السياحية والمشرفين على المزارات الدينية والآثار التاريخية... يتكلمون العربية والأردية في المناطق المحاذية للعراق وباكستان وكذا في مدن الداخل الإيراني كقم ومشهد وطهران وأصفهان وشيراز... لكثرة ما يتردد على تلك المناطق من الزوار القادمين من دول شبه القارة الهندية والعرب العراقيين والخليجيين...

ان من حق كل إنسان أن يترك حراً في طريقة التعبير واللغة التي يرغب بالتعبير بها عن مشاعره ما دام لم يتعد على مشاعر غيره من البشر، لا أن يجبر أو يشعر أنه ملزم بالتعبير عن نفسه بلغة لا يرغب بالتعبير بها، أو لا يستطيع التعبير بها تعبيراً كاملاً ودقيقاً عما يختلج في نفسه من مشاعر وأحاسيس، كما أن كل لغة تتمتع بمفردات وأساليب تعبيرية لا تتوفر في غيرها من اللغات، ولذا توفر الدوائر الرسمية في الدول المتطورة خدمة الترجمة للمراجعين سواء كانوا مواطنين أم لا، وفي بعض الدول لا تقل ساعة عمل المترجم عن ثلاثين دولار تدفع من خزينة الدولة التي تجمع من الضرائب التي تفرضها الدولة على مواطنيها مما يزيد في العب الضريبي الملقى على كاهل المواطن.

لقد قضى بعض العراقيين الذين هاجروا أو رحلّهم النظام البائد عشرين سنة أو أكثر في إيران بل ولد الآلاف منهم في إيران وأنهى بعضهم مراحل دراسته الابتدائية والثانوية وحتى الجامعية في إيران، فهل يستطيع هؤلاء التحدث بالعربية كما يتحدثون بالفارسية التي تربوا عليها سنين طويلة ؟؟ كما أن أمثالهم من العراقيين الذين تربوا في الدول الناطقة بالإنكليزية –مثلاً- كبريطانيا وأمريكا واستراليا وكندا يتكلمون فيما بينهم بالإنكليزية وهم يفعلون نفس الشيء عند تواجدهم في العراق، فهل يستهجن من سماعهم يتكلمون الإنكليزية أو يعد ذلك من مظاهر الرقي الحضاري وثقافة الانفتاح؟ لا أرغب بإصدار أحكام مسبقة.

ان من الغريب حقاً ان لا يجرأ أكثر الكتاب على مقارنة علاقات العراق بجاريه غير العربيين وهما تركيا وإيران كما لا يجرأ أكثرهم على إثارة موضوع تأثير الأتراك على العراق. وقد اعتاد الخطاب العربي على الكيل بمكيالين في الحديث عن علاقات العراق بجاريه غير العربيين، فمن جهة تراه يتحامل على إيران ولا يدخر مناسبة إلا ونبز فيها إيران، فيتهم إيران بإثارة الفتن التي تقع في العالم العربي، وكل ما تقوم به إيران يفسره على أنه ضد الأمة العربية. بينما يتغافل عمّا تقوم به تركيا من أعمال لو قامت بها إيران لشن عليها الإعلام العربي حرباً لا هوادة فيها ولأتهم شعبها بأنهم فرس مجوس عنصريون أتباع عبد الله بن سبأ ولأصدر الدعوات الى مقاطعة إيران سياسياً واقتصادياً وثقافياً...

وسنستعرض فيما يلي بعض ذلك:

1- استعمر الأتراك -ولعدة قرون- العراق وكثيراً من بلاد العرب والمسلمين وأذاقوا الشعوب المستعمرة الويلات، وكان السبب في عدم نهضة العرب والمسلمين وتخلفهم عن ركب الحضارة الإنسانية هو سياسات العثمانيين الفاشلة وحكوماتهم الفاسدة وشوفينيتهم وجهلهم وانغماسهم في الملذات... ولم يسلم الشعب التركي نفسه من سياسات العثمانيين الظالمة، كما يعترف بذلك الأتراك أنفسهم، وقد ظن بعض قادتهم كأتاتورك الذي يعتبر مؤسس تركيا الحديثة ان مساوىء العثمانيين ناشئة من الإسلام فحاول إبعاد تركيا عن الإسلام وكل ما يمت إليه بصلة حتى وصل الأمر به الى تبديل الحروف التي تكتب بها اللغة التركية من العربية الى اللاتينية ومنع ارتداء الأتراك للزي العربي الإسلامي... ولا أقصد من هذا الإساءة الى الشعب التركي العريق أو حكومته أو قوانينه ونظمه، بل هي حقائق سجلها التاريخ.

2- منع الأتراك كل ما يمت الى العرب بصلة، وكما ذكرنا آنفا فقد قام أتاتورك بتبديل كتابة اللغة التركية من الحروف العربية الى اللاتينية، وهي لغتهم وهم أولى باختيار ما يناسبها، ولكن ما يثير الريبة هو موقف الأعلام العربي الساكت عمّا قام به الأتراك من محو آثار العروبة عنهم، بينما لا يدخر جهداً عن مهاجمة ايران رغم اعتزازها بتأثير العرب الواسع الناطق عليها، والذي ذكرنا بعض ملامحه في فقرة (تأثير العرب على ايران) من هذا المقال.

3- اقتطع الأتراك الاسكندرونة وهي عربية سورية وضموها الى تركيا، ولا أريد الاعتراض على ذلك فهذا شأن سوري تركي وهناك لجان مختصة لرسم الحدود بين الدول والمرجع النهائي في هذا المجال هو الأمم المتحدة، لكن المثير أن الإعلام العربي يتناساها بينما يذكرنا دائماً بأن إقليم الأحواز عربي والجزر الثلاث في الخليج (طنب الصغرى وأختيها) عربية.

4- يغفر الخطاب العروبي لتركيا تدخلها بشؤون العراق من خلال التركمان، فهي لا تنفك عن توخي السبل لإثارة قضية حقوق التركمان العراقيين ملوحة الى أنها تدافع عن حقوقهم وتحميهم، حتى أن الدكتور إبراهيم الجعفري رئيس الوزراء العراقي في مؤتمره الصحفي الذي عقده ضمن زيارته الى تركيا تعهد للأتراك بحماية حقوق تركمان العراق، بينما يتهم الخطاب العروبي إيران بالتدخل بشؤون العراق من خلال الشيعة، رغم أن إيران لم تثر قضية حقوق شيعة العراق المهتضمة على مر القرون، ولو قامت إيران بذلك وتعهدت الحكومة العراقية بحمايتهم رسمياً لأعتبر ذلك خرقاً من إيران لكل المواثيق والأعراف الدولية وتمهيداً لتمزيق العراق ودعوة لإثارة فتنة بين طوائف العراق... أملنا من كل من يدعي أنه من أصدقاء العراق أن يسجل موقفه التأريخي في هذا المجال، وهو حماية كل الشعب العراقي اذا تعرض العراق الى عدوان، وعدم التلويح بحماية شريحة معينة من شرائح الشعب العراقي، وعلى كل شريحة من الشرائح العراقية تسجيل موقفها التأريخي برفضها القاطع لكل أشكال الحماية الأجنبية والعربية، والا أنقسم العراق الى محميات تتقاتل من أجل مصالح دول أخرى.

5- يغرق الخطاب العربي في صمت مشبوه وكأن لا حدود للعراق ومن ثم العالم العربي مع تركيا عندما تقوم فيالق بكامل عددها وعدتها ومن مختلف صنوف القوّات المسلحة التركية باقتحام الحدود العراقية متى شاءت وتبقى داخل العراق المدة التي تراها مناسبة بحجة ملاحقة أعدائها الكورد من أتباع (أوجلان) بناءً على معاهدة رسمية وقعها النظام الدكتاتوري البائد مع تركيا، وفي أول زيارة قام بها الدكتور الجعفري رئيس الوزراء العراقي خارج العراق الى تركيا تعهد للأتراك بملاحقة أتباع (أوجلان) باعتبار أن حزبه مسجلاً على قائمة الإرهاب الدولية. ومن جهة أخرى يؤوي العراق جيش منظمة مجاهدي خلق الإرهابي المعادي للشعبين العراقي والإيراني وقد تشكلت في العراق أول حكومة شرعية منذ قرون لكنها لو وقّعت مع إيران معاهدة تخولها دخول الحدود العراقية للتخلص من جيش منظمة خلق الإرهابي، لاعتبر ذلك خيانة من الحكومة العراقية وتفريطاً بسيادة العراق ومبادرة من إيران لاحتلال العراق والعبث بمقدراته... ورغم أن العراق يحتضن الى الآن جيش منظمة مجاهدي خلق فان إيران لم تعامل العراق بالمثل ولم تحتضن معارضي العراق الإرهابيين من البعثتين والتكفيريين ولم تشيد لهم المعسكرات الضخمة ولم يثبت بالدليل القاطع قيام ايرانيين بعمليات انتحارية ضد الشعب العراقي كالتي يقوم بها المجرمون من حملة جنسيات الدول العربية المجاورة للعراق أو من المتسللين إليه من حدود تلك الدول؛ وان كان من الصعب تحميل الحكومات تبعات جرائم مواطنيها أو المتسللين عبرها اذا قامت تلك الحكومات بما تمليه عليها الأعراف والقوانين الدولية، والتي نأمل من الحكومات العربية مراعاتها.

6- أثار الأتراك مطالبتهم بالموصل طبقاً لبعض المعاهدات الاستعمارية القديمة، ولم تثار ضدهم ضجة كبرى، ولو طالب الإيرانيون مقابل ذلك بالبصرة –مثلاً- طبقاً لبعض المعاهدات القديمة بينهم وبين العثمانيين، لأصم آذاننا الخطاب العربي بالدفاع عن بوابة الأمة العربية الشرقية... ويجب التذكير بأنه لا يحق لأي دولة المطالبة بأراضي دولة أخرى خلافاً للحدود المعترف بها لدى الأمم المتحدة، وهي المرجع الوحيد في تحديد كل ما قد يحصل من خلافات حدودية بين الدول، والا ابتليت البشرية بحروب لا نهاية لها؛ لأن عدداً كبيراً من الدول المتجاورة تتنازع السيادة على بضعة كيلومترات مربعة هنا أو هناك.

7- بدأت تركيا في القرن الماضي بناء عشرات السدود على منابع دجلة والفرات مهددة بقطع الماء عن العراق وسوريا وقد انتهت من إقامة بعضها والباقي تحت الإنشاء وتستمر تركيا بخطتها لتجفيف هذين النهرين، وما يجتمع لدى تركيا من ماء فائض عن حاجتها تنقله الى عدّوة العرب (إسرائيل) بواسطة سفن عملاقة معدة لهذا الغرض تمشياً مع العلاقات الوطيدة التي تربط تركيا بإسرائيل والتي شملت كل مجالات التعاون حتى العسكرية والاستخباراتية الموجه ضد العرب، بينما قطعت إيران علاقاتها بإسرائيل دعماً للقضية الفلسطينية التي يزعم العرب أنها قضيتهم المركزية. لا أريد الاعتراض على ما تبنيه تركيا من سدود فهذا من شأن الحكومة العراقية والسورية ولعل هناك معاهدات دولية أو إقليمية تنظم استغلال الأنهر المشتركة، كما أن العلاقات بين الدول أمر يخص تلك الدول فمن حقها إقامة علاقات تحفظ مصالح شعوبها، ولا يحق لأحد من خارج شعوبها الاعتراض على ذلك، لكن المفارقة تظهر في الخطاب العروبي الموجه ضد إيران المساندة لقضيتهم المركزية التي لم تقطع عنهم الماء الذي يشربونه وتسلمه لعدوهم، بينما يحاول تناسي تركيا وان قامت بكل ذلك.

ورغم كل ما تقدم من مواقف تركية اتجاه العرب والعراق فان الدول العربية ترتبط بعلاقات تجارية بتركيا تساهم في إثراء الدخل القومي التركي بمليارات الدولارات سنوياً، فمثلاً يدفع العراق لتركيا ملايين الدولارات يومياً من رسوم نقل نفط كركوك العراقي الى ميناء جيهان التركي ورسوم البضائع التي يستوردها العراق من أوربا عبر تركيا ومن مبيعات البضائع التركية الى العراق، بينما يربح العراق بعلاقاته مع إيران مليارات الدولارات سنوياً من ملايين السواح الذين يرغبون في زيارة العتبات المقدسة في العراق وهم معروفون بشغفهم العارم للتسوق من تلك المدن لاعتقادهم بشمول البركة لما يباع فيها، كما أنهم معروفون بسخائهم في التبرع لاعمار تلك العتبات واعمار المدن التي تحتويها، وحيث يجب على كل شيعي دفع خمس الفائض من دخله السنوي الى المراجع الدينيين فإذا فتح الطريق أمام الزوار الإيرانيين فان الكثير ويفضل كثير من الإيرانيين دفع الخمس الى المراجع المقيمين في العراق لما عرف عنهم من زهد وانقطاع عن الدنيا ومجاورة لمراقد أئمة الشيعة من أهل البيت ويقوم هؤلاء المراجع بدورهم بصرفه في العراق. ومع كل ذلك يعتبر الخطاب العروبي إقامة العلاقات التجارية مع تركيا نوعاً من التكامل الاقتصادي بين العرب وجيرانهم، بينما يطبل لصدام الذي غزا إيران وقطع معها كل تلك العلاقات التي طالما استفاد منها الشعب العراقي.

والأغرب من ذلك ان الأقلية الدكتاتورية التي حكمت العراق سابقاً حاولت فرض منطق أهوج مفاده: ان العراقي الأصيل هو من يحمل وثيقة عثمانية، ولا يعلم سوى الله كم من الحائزين على تلك الوثيقة العثمانية هم من أصول تركية وشركسية؟؟ ولكن على العراقي أن يفخر بوثيقة منحته إياها دوائر المستعمر العثماني؛ ليثبت بها أصالته وعراقيته، كما يتباهى بعض العرب والعراقيون الى اليوم بخدمتهم أو خدمة آبائهم وأجدادهم في جيش المستعمر العثماني الغاشم أو سائر دوائره الاستعمارية... واما من لم يشأ الخدمة في جيش المستعمر العثماني ولذا لم يسجل اسمه في سجلات نفوس الدوائر العثمانية الرسمية أو سجل أسمه على أنه إيراني أو استمد من جيرانه الإيرانيين المدد والعون للتحرر من استعباد العثمانيين ومن شاكلهم ممن خلفهم في حكم العراق فهو غير عراقي، وكل من يعيش في العراق من غير العراقيين يجب مصادرة أموالهم ورميهم على الألغام خارج الحدود بعد احتجاز الشباب منهم لإجراء تجارب أسلحة الدمار الشامل عليهم!!! فالعراقي الأصيل هو عثماني وان كان من أصل تركي أو شركسي... وعلى هذا الأساس هجّر النظام العراقي البائد كل من لا يحمل هو أو من ينتهي إليه نسبه وثائق عثمانية! والويل لمن يحمل التبعية الإيرانية رغم أن الأتراك لا يقتصر وجودهم على تركيا الحالية، ففي فترة حكم العثمانيين لتركيا وسواها من بلاد العرب والمسلمين كان يحكم إيران الصفويون والقاجاريون وهم أتراك أيضاً إلا أنهم يعيشون في إيران كالتركمان الذين يعيشون في العراق وكالأذريين الذين يتكون منهم شعب جمهورية أذربيجان... ولغة جميع هؤلاء هي اللغة التركية وان اختلفت لهجاتهم كاختلاف لهجات الشعوب العربية، حتى أن وثائق الدولة الإيرانية في عهد الصفوية والقاجارية كانت تكتب باللغة التركية كما كانت تكتب وثائق الدولة العثمانية، وقد يسمى أتراك إيران أذربيجانيين أيضاً، لكن أغلبية أتراك تركيا من الطائفة السنية وأغلبية الإيرانيين بما فيهم الأتراك الإيرانيين وشعب جمهورية أذربيجان من الطائفة الشيعية، وهنا الطامة الكبرى التي على أساسها بنيت سياسة التفريق بين التبعية الإيرانية والعثمانية، ولعل من أوضح الأدلة على ذلك أن بعض العراقيين من التبعية الإيرانية من أتباع المذهب السني لم يرحلهم النظام البائد من العراق، فكل المرحلين كانوا من الشيعة، كما رحّل صدام بعض الشيعة من حملة التبعية العثمانية للشك بولائهم لنظامه الفاشي.

وقد أثّرت تلك السياسية في العقل العراقي لذا يلاحظ ان العراقي يفخر بأنه حائز على شهادة جنسية تبعية عثمانية، بينما يتبرأ من التبعية الإيرانية والهندية، وقد يعد من الشتيمة أو الإهانة لدى بعض العراقيين أن تبادره بالسؤال: (هل أنت من التبعية الإيرانية؟) أو (هل أنت من التبعية الهندية؟) رغم وجود عراقيين من التبعية الهندية في العراق، وقد سرت هذه الحالة الى بعض المثقفين الذين يتوقع منهم التعالي فوق هذه الأمور.

اني لا أدعو الى منح إيران امتيازات في العراق كالامتيازات الممنوحة الى تركيا، ولا أدعو الى سلب الامتيازات التركية في العراق، ففي العراق حكومة وطنية منتخبة ووزارة خارجية تعنى بدراسة هذه الأمور وتتخذ القرارات التي تصب في مصلحة الشعب العراقي، كما لا أدعو الى خطاب عدواني اتجاه الجارة تركيا ولا اتجاه غيرها من دول العالم فان من مصلحة شعوب العالم أن يسود بينها خطاب المحبة لا خطاب الكراهية، ولكني أردت التنبيه الى أن أهداف وأسباب الضجيج المعادي لإيران طائفية لا وطنية ولا قومية، وقد يضاف الى ذلك سبب آخر لمهادنة الخطاب العربي لتركيا وهو قوة تركيا لانتمائها الى حلف شمال الأطلسي فعلاً وستنتمي الى الاتحاد الأوربي مستقبلاً، والملاحظ أن الخطاب العربي ازداد حدة ضد إيران بعد زوال نظام الشاه، ولعل ذلك راجع الى خوف موجّهي الخطاب العربي من سطوة وقوة الشاه شرطي أمريكا في المنطقة وصاحب خامس جيش في العالم رغم ارتباطه بعلاقات وثيقة مع إسرائيل التي يعاديها العرب ومساعدته لحركة الملا مصطفى البرزاني شمال العراق الذي عاداه الحكم العربي في بغداد...

ان من المفارقات الكبيرة –وهي كثيرة في الخطاب العروبي- ان أغلب العرب يأخذون معالم دينهم من أئمة المذاهب السنية ويتناسون أن أغلب هؤلاء الأئمة ايرانيون، ويأخذون من سيبويه قواعد لغتهم العربية ويتغافلون أنه إيراني، ويفخرون بهارون الرشيد الذي بنى صرح الحضارة العربية العباسية وبنى مدينة ألف ليلة وليلة وجعل منها أقوى وأجمل عاصمة في المنطقة... ويتناسون أن العباسيين قدموا من خراسان وانتصروا بسيوف إيرانية على الحكومة الأموية التي دافعت عنها السيوف العربية. كما يفخر العرب بالمأمون الذي قام بحملة للترجمة وشجع العلم والعلماء... ويتناسون أنه حاكم إيران الذي انتصر بسيوف إيرانية على السيوف العربية التي دافعت عن أخيه الأمين حاكم بغداد. ان السبب في ذلك يرجع الى أن أغلبية إيران كانت في تلك الحقبة سنية فلا ضير أن يصبح أئمة المذاهب الإسلامية وأئمة اللغة العربية من الإيرانيين، ولحكمة العرب وحصافتهم أنهم اتبعوا الإيرانيين فيما أملوا عليهم من سياسات!! ولرجاحة عقل العرب سمحوا للإيرانيين بالتدخل في شؤونهم وتبديل خلفائهم وخضعوا لمن فرضه عليهم الإيرانيون من خلفاء!! ولما ازداد الشعب الإيراني وعياً وهو الوريث لدولة الأكاسرة العظمى وبدأ التشيع ينتشر فيه على أيدي العرب الذين لجؤوا هرباً من الظلم الى قم والري... استعان العباسيون لحفظ ملكهم بشعوب هضبة الأناضول البدوية فبنوا لهم سامراء ومهدوا لكارثة استيلاء العثمانيين على العرب وكثيراً من بلدان العالم الإسلامي، واما بعد انتقال أغلب الإيرانيين الى مذهب أهل البيت فقد صنفهم المنطق العروبي على أنهم عدو العرب الأول رغم أن أهل البيت عرب أقحاح وأغلب أئمة المذاهب السنية ايرانيون!!!

شبكة النبأ المعلوماتية - الأحد 5/ حزيران/2005 - 26/ ربيع الثاني/1426