بعد الانفتاح الذي حصل على مستوى حرية التعبير واتساع أفق المنابر
الإعلامية و الأهمية التي تحظى بها من حيث متابعة المواطن لها ومواكبة
ما يرد فيها من خبر أو تحليل أو رأي، فهذه أوجدت مساحة واسعة لتشخيص
الخلل ومتابعة النقاط المظلمة في المجتمع ،سواء كانت على مستوى
المؤسسات أو الأفراد، وتحت هذا العنوان انقاد البعض وراء حماسته أو ردة
فعل تجاه ما كان مخزون في ذاكرته او ما ظهر من نتائج نجمت من خلال
التحولات الأخيرة التي حصلت في البلد , كما نرى البعض ينتقد بدافع
التقويم والأخر يشهر من اجل غايات شخصية أو نفعية، وهذا الحال أدى
بدوره إلى حصول بعض الإساءات إلى الأشخاص سواء كانوا أفراد أو مؤسسات
أم جهات فئوية وقطاعية أخرى..
وهنا يتساءل الفرد هل إن حرية التعبير تعني الإساءة إلى الآخر؟
وحين يحصل ذلك ما هو موقف المشرع العراقي ؟
الجواب على ذلك أراه على وفق ما يلي ، إن الحرية و التعبير عنها لا
تخلوا من ضوابط سواء كانت دينية، قانونية، أخلاقية أو اجتماعية، وهذه
هي التي تقيد الفرد من أن ينزلق في هاوية التسيب والفوضى .
ومن بين تلك الضوابط كما أشرت، القانون الذي لم يترك الأمر على حاله
بل حدد جملة من الشروط التي تنظم العمل دون أن تقيد الحرية أو التعبير
عنها، ومن بين وسائل حرية التعبير، النشر في الصحف ووسائل الأعلام كافة،
حيث تسمع بين الحين والآخر خبر يتعلق بالحياة الخاصة أو العامة لمواطن
ذو مكانة اعتبارية سواء كانت في الوظيفة او المجتمع او أي موقع اخر
وفيه نوع من الإساءة التي تمس ذلك الشخص، كما نسمع أيضا إن جهة ما قد
أقامت الشكوى وطلبت مقاضاة هذه الصحيفة أو تلك تحت ذريعة القذف أو
التشهير او التحريف او ما شاكل ذلك من نعوت و اوصاف مختلفة . وقد انعكس
ذلك في كلا الحالتين سلباً على الحياة العامة والجديدة التي نطمح أن
نصل إليها ، حيث اخذ البعض يعتلي المنابر ليروج لفكرة هدامة او ليقذف
الآخر او يشهر به، والحالة الأخرى مسألة كم الأفواه والتهديد والتلويح
بالمقاضاة والمسائلة القانونية، التي أراها قد حجمت كثيرا من نشاط
الإعلاميين، الذين لهم الدور الأكبر في تسليط الضوء على الزوايا
المظلمة في مساحة الفساد الإداري، فترى ذلك الإعلامي بدأ ينسحب بعيدا
خوفا من المسالة القانونية، وكأننا عدنا إلى ما كنا عليه من جعل
الإعلام بوق السلطة القابضة وليس عين الشعب الراصدة ، لذلك فان أي فعل
ينسب إلى صحيفة او إعلامي ويفسر على انه من أفعال القذف والسب او
التشهير المنصوص عليها في المواد 430 ق. ع أو غيرها على ان تقترن تلك
الأفعال بشرط العلانية، أي بمعنى أن يكون عن طريق العلن، الذي نظمت
أحكامه الفقرة 3 من المادة 19 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة
1969 المعدل، حيث اعتبرت الصحافة والمطبوعات الأخرى ووسائل الإعلام من
طرق العلانية، فأي فعل من قبيل ما أشرت إليه يظهر في الصحف او وسائل
الأعلام يعتبر من الجرائم التي يحاسب عليها القانون وافرد لها المشرع
العراقي المواد (81 – 84 ) في الفصل الثالث من الباب الرابع من قانون
العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل، ورتب عليها أثرا قانونيا إذا ما
اقترف الإعلامي او الصحيفة الفعل الذي جرمه القانون بالأوصاف الوارد
ذكرها فيه كالنشر في الصحف، ووردت تسميتها بالمسؤولية في جرائم النشر ،
وهذا الأمر الوارد في القانون هو من الضوابط التي يحاول المشرع من
خلالها تقنين السلوك العام للأفراد وتشذيبه باتجاه احترام الحرية
الشخصية، وكذلك دعوة الإعلاميين إلى توخي الدقة عند تناول الخبر، لكن
بعد التحولات الزلزالية التي حصلت في العراق، صدر الأمر رقم 7 لسنة
2003 الذي منع المحاكم من قبول الشكاوى في جرائم النشر إلا بموافقة
المدير الإداري لسلطة الائتلاف المؤقتة ( المنحلة ) وذلك بموجب البند
(2) من القسم (2) منه، وبعد انتقال السلطة حل رئيس الوزراء محله . وهذا
يعني إن أي شكوى أو مقاضاة لأي إعلامي أو صحفي وكذلك أي صحيفة أو وسيلة
إعلام اخرى , لا يمكن تحريكها إلا بموافقة رئيس الوزراء حصراً وهذا
يتعلق بالجانب الجزائي فقط، حيث للمتضرر أن يقيم الدعوى للمطالبة
بالتعويض أمام المحاكم المدنية إن كان له مقتضى في القانون .
لذلك فان الضمانة متوفر لكل إعلامي وسيلة إعلام من إنها لن تخضع
للمساومة او الابتزاز بواسطة إتباع وسائل مشروعة لغايات غير مشروعة .
وعليهم أن يكونوا بمستوى الرعاية التي شملهم بها القانون وان يكونوا
عين الشعب الساهرة على مصالحه في تشخيص حالات الفساد وإبرازها من اجل
معالجتها بأقل خسارة ممكنة . |