الفقر
والازمات الاقتصادية وهبوط المستويات التعليمية اضافة الى اهمال الاهل
والرفقة السيئة هو العامود الفقري الذي تستند عليه ظاهرة اطفال الشوارع
التي تفشت في تركيا في السنوات الاخيرة.
فاليوم تسعى الحكومة التركية ومنظمات النفع العام بتسخير طاقاتها
كافة بمد خدماتها وبرامجها لهذه الفئات للمساهمة في اعادة تاهيلهم
وادماجهم في مجتمعاتهم.
فاذا كان اطفال الشوارع في تركيا وباء يحتاج الى علاج فعال اعربت
بعض اجهزة الدولة عن رغبتها في القبض عليهم والحاقهم بمؤسسات الدولة
الاصلاحية بيد ان الغالبية ترى ان العلاج الفعلي هو مكافحة الفقر
والجوع والمرض وشدة الحاجة.
اطفال لا يحملون من طفولتهم سوى الاسم فقط بعد ان غابت عن ملامحهم
الابتسامة وحلت مكانها علامات البؤس والشقاء واحيانا الجريمة.
تراهم تارة في الشوارع في تجمعات او فرادى بعد ان تركوا بيوت اسرهم
اما قسرا بسبب انعدام الانسانية في قلوب البعض او طوعا بعد ان زحف شبح
التفكك الاسري ليخيم على البعض الاخر فاصبح الشارع هو الملاذ الواسع
والمخيف لهؤلاء الأطفال.
وسجلت مديرية الامن العام في اسطنبول ارتفاعا سنويا مطردا بلغة
نسبته نحو خمسة في المئة من ظاهرة اطفال الشوارع.
وفي اخر احصاء لها فاق عددهم عن ال90 الف طفل بينما وصل عدد الاطفال
المحتاجين الى رعاية وحماية الى نحو ال50 الفا.
وفي
الوقت الذي يحذر فيه وزير الدولة غولدال اكشيت من ان اخر عملية احصاء
سكاني كشفت عن خطر تحول 625 الف طفل الى الشوارع بسبب عدم تامين
الرعاية الاجتماعية الكافية لهم.
ومن المعلوم ان هذه الظاهرة الخطيرة موجودة في معظم المدن التركية
لكن يكثر انتشارها على وجه التحديد في مدينة اسطنبول المتزاحمة بالسكان
تليها مدينة لزمير ثم انقرة العاصمة اضافة الى مدينتي غازي عنتاب وديار
بكر.
وقد قدرت اخر الاحصاءات ان عدد الاطفال المشردين في مدينة اسطنبول
فقط يبلغ ثلاثة الاف طفل مشرد في حيث ترى اطفال الشوارع فيها يبيعون
الالعاب والمنتجات المصنعة محليا او اجنبيا على الارصفة وداخل الشوارع
و في كل مكان وفي كل موقع بداية من المناديل الورقية مرورا بمساحي زجاج
السيارات وانتهاء بمساحي الاحذية.
واذا رسمنا معالم الجرائم التي يرتكبها اطفال الشوارع في عموم تركيا
نرى ان هناك ارتفاع كبير في اعدادها مقابل انخفاض اعمار مرتكبيها.
ويرجع الخبراء اسباب الظاهرة للهجرة من الريف الى المدينة وانتشار
المناطق العشوائية وارتفاع معدلات الهرب من المدارس والزيادة السكانية
والاعتماد على الاطفال لتولي بعض الاعباء الاسرية اضافة الى اسباب
اسرية اخرى كفقدان احد الوالدين او كلاهما والاقامة مع الغير وغياب
الاب.
وقال مدير مركز رعاية اطفال الشوارع في اسطنبول احمد يوسف ل (كونا)
"لقد ظهرت ظاهرة اطفال الشوارع في تركيا مع بداية
الهجرة
من القرى الى المدن في الخمسينيات بسبب تدهور الحالة الاقتصادية وفي
تلك الفترة لاول مرة نرى الاطفال يبيتون تحت الجسور وعلى الارصفة حتى
ان الظاهرة تناولها العديد من كتابنا المشهورين واعطت طابعا اخرا في
ادبياتنا".
واضاف ان ازدحام الارصفة بالباعة ولعب الاطفال جعل من الوصول الى
مكان ما على الرصيف حلم يراود الشباب والاطفال واصبح حكرا على من لديه
القدرة على التفاهم مع البلدية او شرطة المرافق.
فاذا كان الجهل سيد الموقف في قضية تشرد الاطفال في تركيا فانه يغيب
عن الاسر الفقيرة ضرورة تحجيم الاطفال عن مسح الاحذية في الشوارع بما
ان مكانهم الصحيح هو المدرسة التي تربي الاجيال وليس الارصفة التي تشكل
البنية التحتية في عالم الجريمة.
فهذه الظاهرة المتفشية كمرض معد قاتل في تركيا تدمى القلوب عندما
ترى الاطفال وهم يلتقطون قطعة خبز من الطريق ويلتهمونها او عندما
يهربون في الشوارع خوفا من مطاردة رجال الامن لهم والماساة تكون عندما
تسمع قصصهم والاسباب التي دفعت بهم الى عرض الشارع.
وكان حزب (العدالة والتنمية الحاكم) قد قطع وعدا ملزما بان يتم
القضاء على هذه الظاهرة المحزنة ومحاربتها في غضون السنوات القليلة
القادمة. |