تطعم الأمهات أبناءهن في جنوب السودان أوراق الشجر حتى لا يتضوروا
جوعا بعد تجاهل الدول الغنية شهورا من المناشدات لمنع وقوع أسوأ أزمة
غذاء في المنطقة منذ سبع سنوات.
تطحن الشابات أوراق الشجر التي تسقط من الاشجار ثم يغلينها على
النار خارج الاكواخ ثم يقمن بتصفية السائل الاخضر قبل أن يلتهم أطفالهن
وجبتهم الوحيدة التي سيتناولونها في ذلك اليوم.
قالت نيانكير مالك (35 عاما) وهي تطحن الاوراق المرة التي تستخدمها
في تجهيز وجبة أصبحت الملاذ الأخير في جنوب السودان "تناول تلك الاوراق
سيسبب الاسهال ولكن ليس هناك خيار آخر."
وأضافت وهي تعبث بأسورة من العاج تحيط بمعصمها "يمكنك أن ترى مدى
نحافتنا... هذا كل ما نأكله منذ يناير."
ورقد طفل عار يبلغ من العمر أربع سنوات على الأرض بعد أن غشي عليه
من الجوع.
قالت والدته ديت بول (30 عاما) وهي تتحدث في مركز تغذية بقرية
باليانج على بعد نحو 250 كيلومترا إلى الشمال الغربي من بلدة جوبا في
الجنوب "رفض أكل الاوراق."
وأضافت في الوقت الذي كان يبكي فيه أطفال آخرون جوعا محتمين بظل
شجرة مجاورة "لا أعلم ما الذي سأفعله."
قالت أمهات مثل بول أن تأخر هطول الامطار وزيادة رعي الماشية أديا
إلى تدمير المحصول في منطقة بحر الغزال التي تواجه أسوأ أزمة غذاء منذ
مجاعة ظهرت في المنطقة قبل سبع سنوات وأسفرت عن وفاة 60 ألفا.
قال باتريك ميرفي رئيس فريق طبي في مستشفى تديره منظمة أطباء بلا
حدود في بلدة ماريال المجاورة "نشهد أسوأ معدلات سوء التغذية منذ عام
1998. الوفاة بسبب سوء التغذية تمثل خطرا."
وقال برنامج الغذاء العالمي التابع للامم المتحدة إن الجهات المانحة
لم تقدم سوى النذر اليسير من المساعدات التي يحتاجها السودان هذا العام
محذرا من أن الجوع قد يؤجج التوترات في الوقت الذي يحاول فيه متمردون
سابقون تنفيذ معاهدة سلام وقعت في يناير كانون الثاني لإنهاء 21 عاما
من الحرب مع الحكومة.
قالت ديسما انيندو ماينا وهي مساعدة طبية تعمل مع منظمة أطباء بلا
حدود وهي تزن الاطفال الذين يعانون من الهزال الشديد "يمكن أن ترى
ملامح رجل عجوز تكسو وجه الاطفال."
وأضافت في الوقت الذي كان يجلس فيه عشرات النساء على الارض وهن
يحملن أطفالا لا يهدأون بعد ساعات من المشي وسط الاشجار بحثا عن الطعام
"الوفاة قد تحدث في غضون أيام لا شهور."
وزادت قلة المحصول في العام الماضي من التنافس على الغذاء والمياه
بين العشائر المختلفة في قبيلة الدنكا أكبر قبائل الجنوب وبين أفراد
قبيلة الدنكا وقبيلة النوير مما أدى إلى توقف الزراعة ووجود زيادة
كبيرة في سرقة الماشية.
يقول سكان قرى إن حملات السرقة كانت عنيفة أكثر من المعتاد هذا
العام ما أدى إلى تراجع آمال في تحسين الأمن في منطقة دمرتها سنوات من
القتال بين الحركة الشعبية لتحرير السودان والحكومة.
ويخشى عمال الاغاثة من أن تؤدي أعمال العنف إلى الاضرار بالجهود
التي تبذلها الحركة الشعبية لتحرير السودان لتشكيل حكومة فعالة بجنوب
السودان في اطار معاهدة السلام التي أبرمتها مع الخرطوم وذلك لاعطاء
الأولوية لتوصيل مساعدات الاغاثة للحيلولة دون وقوع كارثة أسوأ.
وقال برنامج الغذاء العالمي يوم الثلاثاء إنه لا يحصل على ما يكفي
من المساعدات التي يطلبها لجنوب وشرق السودان قائلا إنه في حاجة إلى
302 ملايين دولار لاطعام 3.2 مليون في المنطقتين ولكنه لم يجمع سوى 78
مليون دولار.
وكانت مسألة جمع الأموال اللازمة للمساعدات تمثل مشكلة أقل في أزمة
منفصلة بمنطقة دارفور في غرب السودان ولكن البرنامج حذر من احتمال أن
يواجه صعوبة أيضا في تلبية الاحتياجات هناك.
ويخشى السكان الذين يعيشون في باليانج وقرى أخرى في بحر الغزال من
الموت جوعا.
قال كيروبينو ماجوك (29 عاما) "ليس هناك غذاء... سيتوفى اباؤنا
وأمهاتنا بسبب الجوع أن لم يتوفر الغذاء." |