منذ سقوط نظام صدام...
وتحديداً بعد قرارات بريمر الثورية، وقبل إنتقال السيادة بدأت
العمليات الإرهابية تتبلور، لتتصاعد، فيصبح الإرهابُ بطلاً للشاشة
الفضية، ويبقى البطل الأوحد حتى اليوم الذي فيه لا يمتلك الإرهاب في
العراق أكثر مِن مجموعتين صغيرتين:
الأولى: 500 متطرِّف مُستورد للعراق خصيصاً!!
الثانية: 3 آلاف مِن أعضاء الأمن
والمخابرات في النظام السابق.
مجموعتان ربطتهما وحدةُ المصير والمال والسلاح الوفيران وإستباحة
أرض العراق الجريح لتصفية حسابات إقليمية ودولية.
فهلْ سيبقى الإرهاب مع كل ذلك بطلاً للشاشة الفضية هذا العام أيضاً!؟
مع المخاض العسير لولادة الحكومة العراقية الجديدة، والولادة الصعبة
غير المكتملة تنامت الهجمات الإرهابية مِن جهة، وبدأت ملامح بطل ثان
للشاشة الفضية بالتبلور، وكأنّ قراراً في هوليود الجديدة قد تمَّ
إتخاذه ليكون اسمُ النجمِ الجديدِ الطائفية.
فما أكثر المقابلات والحوارات والتعليقات والتحذيرات على كثير مِن
الشاشات الفضائية التي تحاول إختزال ما يحدث في العراق مِن تحوّل
ديمقراطي تدريجي فتي، لتصويره وتسويقه كتحوّل إلى الطائفية، ومقدمة
للوقوع في مستنقع فتنة الحرب الأهلية، والإقتتال الطائفي.
ولم يقتصر هذا المنحى التسويقي على السيدة الفضيّة فحسبْ، بلْ ومع
الأسف قد اقتحمَ بعض أروقة قصر صاحبة الجلالة متمترساً خلف مفهوم جديد
للمواطنة، فالمقالات ليست بقليلة في بعض الصحف والمجلات، والتي تنحب
وتبكى وتتباكى على المواطنة! وما تسميه لبننة النظام السياسي في العراق
لإقحامه في حرب طائفية!
فهلْ ستْخطف الطائفيةُ الأضواءَ مِن الإرهاب لتصبح هي بطلة الشاشة
الفضية!؟
يبدو أن الأمور يُراد لها أن تسير في هذا الإتجاه، ولكن...
فمنذ الصعوبات التي رافقت إنبثاق الحكومة العراقية الجديدة أخذَ
الحديثُ عن الطائفية وطائفية الحكومة الجديدة يتصاعد، ومع تصاعد
الهجمات الإرهابية وعمليات التصفية على الهوية:
فما الذي حدثَ!؟
إنتخابات حرّة جرت بالعراق في يناير الماضي وكان بابُ المشاركة فيها
مفتوحاً ترشيحاً وإنتخاباً، أذهلت المشاركةُ الشعبية فيها القاصي
والداني والصديق، والمخالف، فلم تترك مجالاً لتشكيك مصداقية الإنتخابات
وتمسك العراقيين بالخيار الديمقراطي، إلا بالعودة إلى المربع الأول
للتشبث بأن الإنتخابات جرت في ظلِّ الإحتلال أو التواجد العسكري
الأجنبي:
فهلْ العراق هو الدولة الأولى في التاريخ التي تُجرى فيها
الإنتخابات في ظلِّ الإحتلال؟
أمْ أن العراق هو البلد الوحيد الذي تُجرى فيه الإنتخابات في ظلِّ
وجود عسكري خارجي؟
أمْ أن الأمثلة قليلة في التاريخ لترشدنا إلى إمكانية إستكمال
إستقلال وسيادة البلاد عبر الوسائل السياسية والديمقراطية المشروعة
السلمية؟
على كلِّ حال كيّ لا نغوص في قصة البيضة والدجاجة، فتهرب الدجاجةُ و
تسقط فتنكسر البيضة فنعدم خيرهما معاً مرة أخرى، نعود إلى نتائج
الإنتخابات التي أفرزت تصدراً نسبيّاً في البرلمان لشريحة عراقية
تُشكِّل أغلبية الشعب العراقي، وهذه نتيجة طبيعية ومتوقعة في اللعبة
الديمقراطية، وعلى الرغم مِن أنه كان بالإمكان الإنطلاق وبسرعة لتشكيل
الحكومة الجديدة وفقط وفقاً للإستحقاق الإنتخابي، إلا أن الموضوعية
والحكمة وروح الإتحاد والإندماج ولدعم تماسك النسيج الإجتماعي العراقي
لَمْ يسلك الفائزون طريقَ الإستحقاق الإنتخابي لوحده، بل بذلوا (ونعم
ما صنعوا) قصارى جهدهم لإشراك الجميع في الحكومة الجديدة، ودون أي شرط
أو إشتراط مثل:
• قبول الخيار الديمقراطي ربحاً وخسارة على طريق وحدة العراق
وسيادته وإستقلاله.
• إعلان موقف كامل وصريح ينبذ العنف والإرهاب ويدعو الجميع للإنخراط
في الوسائل السياسية السلمية المشروعة.
المهم...
وحين طالَ أمدُّ المفاوضات، ودفعَ البعضُ بها إلى طريق:
خذْ، وفاوِضْ للمزيد.
قفزَ إلى الشاشة الفضية البطلُ الجديد، وأعني الحديث عن الطائفية،
ولبننة النظام السياسي في العراق، والمواطنيّة، والمفهوم الجديد
للمواطنة الذي يقول:
بأن البحث عن التوافقية والحلول الوسط المشروعة التي تُشكِّلُ
عِماداً مِن أعمدة الديمقراطية يطابقُ ودائماً الطائفيةَ والمحاصصةَ
الطائفية المقيتة، ويمثلُّ إبتعاداً عن محورية المواطنة في الدولة.
أما الدليل على طائفية الحكومة الجديدة في كنف هذا المفهوم الجديد
للطائفية فيكمن في تصدر البرلمان وتبعاً لذلك (طبقاً للدستور المؤقت)
الحكومة مِن قبل أعضاء ينتمون إلى مذهب يُشكِّل أغلبية ضمن مكونات
الشعب العراقي، حتى لو جاءت بهم الديمقراطية والإنتخابات.
وبعبارة أخرى فكأنّ حقوق المواطنة لا يمكن أن تجتمع مع الإنتماء
لطائفة دون تعصب أو تمييز، وإن المواطنة تلازِمُ عدمَ فوزِ الأغلبية
بأكثرية المقاعِد، وكأنّ أصبح عدم الطائفية تعني (وفيما يخص تشكيل
الحكومة) أكثر مِن مساواة المواطنين ترشيحاً وإقتراعاً في الإنتخابات
إلى جانب محورية الكفاءة والنـزاهة والخبرة في الإختيارات والتعيينات
للحقائب الوزارية مع نبذ كل أنواع المحاصصة بما فيها الطائفية التي ما
برحت المرجعيات تؤكد عليها منذ اليوم الأول لإنطلاق قطار العملية
السياسية في العراق.
فنجاح هوليود الجديدة في خلق نجم جديد ينافس الإرهاب على الشاشة
الفضية يتوقف على التعاطي العراقي مع معزوفة الموت التي باتت تُكرر
باسم الطائفية، وقبل ذلك يجب أن نعرفَ:
كيف احتفظَ الإرهاب بموقعه الأول على الشاشة الفضية لحد الآن؟
*التعليق الخاص بمركز الدولي للأنباء
|