ما كان طوني بلير ليحصد ولاية ثالثة في تاريخ التاج البريطاني لولا
أنه أجتاز المرحلة بنجاح فهو الذي أطلق الطريق الثالث بين الرأسمالية
والاشتراكية ويمضي في برنامجه الذي نجح من خلاله في تحسين أرقام
الاقتصاد البريطاني وقضى على البطالة. والفضل في ذلك يعود طبعاً إلى
وزير ماليته غوردون براون الذي يرشحه الكثيرون لخلافة طوني بلير بعد
نهاية ولايته الجديدة، وفي وقت يتخبط القضاء الأوروبي في مشكلات
البطالة والتهميش والبؤس الاجتماعي تؤكد بريطانيا كونها استثناء بفضل
إعادة هيكلة بنيوية للاقتصاد لأن الناخب البريطاني يقترع لسعر البطاطا
أكثر من اقتراعه لقضايا خارج بلاده.
ولهذا رغم فوز بلير والذي اعتبره نصراً تاريخياً لحزب العمال إلا أن
الحزب خسر أكثر من مائة مقعد نيابي في مجلس العموم البريطاني الأمر
الذي خفض الأكثرية التي يتمتع بها في الانتخابات السابقة، فبعد أن كانت
مقاعد الحزب في الدورة السابقة هي (412) مقعداً انخفضت في الانتخابات
الأخيرة إلى (353) مقعداً، وإذا كان عدد مقاعد المجلس (646) فإن
الأكثرية المطلوبة هي (324) مقعداً، وهو بذلك اعتبر الحزب الفائز وجرى
تكليف بلير في ضوء ذلك بتشكيل الحكومة الجديدة.
هذا في حين أن حزب المحافظين حقق مكاسب بعد أن فاز بـ(195) مقعداً،
بينما حافظ حزب الديمقراطيين الأحرار على موقعه ففاز بـ(62) مقعداً.
وأياً كانت النتائج فإن الانطباع العام أن الحملة التي شنتها أحزاب
المعارضة ضد بلير والتي استندت على ما أذيع ونُشر من وقائع ووثائق كلها
تؤكد أن بلير أخطأ في المشاركة في الحرب على العراق التي شنها الرئيس
الأمريكي جورج بوش، وتبين أن الحرب كانت مقررة سلفاً وشارك في قرارها
بلير نفسه عندما اجتمع ببوش واتخذا القرار معاً. ومن هنا ظهر أن بلير
وقد ضلل مجلس العموم البريطاني ولم يقل الحقيقة في حقيقة الأسباب التي
دفعته للموافقة على الحرب.
وشكل الجدل على الفتوى القانونية التي وضعها المدعي العام بشأن
شرعية تلك الحرب سيفا ذا حدين ضد بلير ومعه، الأمر الذي زاد إحراجه،
وجاءت رسالة أسر الجنود القتلى في العراق الذين بلغ عددهم (87) جندياً
والتي هدّدوا فيها بإقامة دعوى على بلير وحزب العمال بعد أن تبين أن
الحرب غير شرعية لتزيد في إدانة بلير. من هنا كانت خسائر حزب العمال
لهذا العدد الكبير من المقاعد في البرلمان ورغم المكاسب التي حققها
الاقتصاد البريطاني إلا أن الحرب على العراق كادت تطيح بكل تلك المكاسب. |