طالما أن إحكام السيطرة على العالم وفرض الهيمنة الكاملة عليها
يحتاج إلى آليات استراتيجية تؤثر في أكبر قدر من البشر فلا غرابة من
نشر ثقافة الخوف والتخويف وتضخيم معطيات الرعب وأسبابه فالخوف هذه
الكلمة التي تخترق أذهاننا كدوي صاعقة سماوية وتزعزع الذات لا بل تزحزح
الصلب من مكانه وليس فقط تؤثر فينا كبشر بل حتى الحيوانات تتأثر بشكل
أو بآخر بهذا الحدث الذي به يفقد العاقل لبّه ويتصرف بشكل عشوائي جنوني
ليس للعقل فيه سلطان على الذات والنفس والتفكير.
يعتبر الخوف من الأمراض التي تؤثر على الإنسان، وقد ينتج عنه الكثير
من المشكلات التي تؤثر على سلوكيات الإنسان المصاب وتضعف من قدرته على
التعامل مع الواقع بشكل سليم وطبيعي ولهذا المرض أيضاً انعكاسات على
شخصية المريض، وقد لا يتمكن من تأدية التزاماته تجاه المجتمع والآخرين
وهذا المرض منه الظاهري ومنه المخزون، فالظاهري يكون محسوساً وملموساً
من الآخرين والمخزون لا يعرف به إلا المصاب بهذا النوع من المرض حيث
يكون المريض إنساناً مهزوزاً لا يستطيع اتخاذ أي قرار لخوفه الشديد من
النتائج التي قد يظن من خوفه أنها ستحدث فيما بعد فيكون متردداً،
والخوف له أشكال عدة، فمنه الخوف من المجهول وخوف التخيل والخوف
بمفهومه العام، فكل هذه الأشكال مجتمعة قد تؤدي إلى نتيجة واحدة وهي
مرض الخوف.
والخوف ضمن حدوده الطبيعية في الحياة اليومية لا يعتبر مرضاً بل هذه
المشاعر حسب رأي خبراء الصحة النفسية هي صمام الأمان الذي يقوم بتحذير
الإنسان من وجود خطر ما يهدد الجسم وضرورة تجنب هذا الخطر من خلال سلوك
أو ردود فعل معينة يهيئها التغييرات الفيزيولوجية داخل الجسم عند
الشعور بالخطر فتساعد الإنسان على التعامل مع الموقف بشكل مناسب.
وهذا القدر من الخوف ضروري للإنسان ولحفظ القوانين ولولاه لما آمن
بالله واليوم الآخر ولما حُفِظ حق وسُتِر عرض وأدي معروف وأحيي فضيلة.
ولكن عندما تصبح مشاعر الخوف والقلق شيئاً دائماً في حياة الإنسان
اليومية وتزداد حدّتها إلى درجة التأثير سلباً على قدرة الإنسان على
القيام بوظائفه الحيوية بصورة طبيعية وبالكفاية المعتادة فهذه المشاعر
السلبية تتحول إلى مجموعة من الأمراض تسمى مجتمعة أمراض القلق النفسي.
ومن هنا فأي قوة أكثر تأثيراً من الخوف يمكن استغلاله للسيطرة على
البشر وتعليب عقولهم حسب المطلوب وصياغة أفكارهم لخدمة الأسياد فقط
وطاعتهم وذلك بتغذية مشاعر الخوف لديهم وتثبيتها في قلوبهم وأفكارهم
لتجميدها في الطاعة فقط وإقصاءها عن الإبداع والتحرّر وذلك لضمان
السيادة واستمرارها. |