الديموقراطية الغربية في الدول النامية هي أزمة تعاني منها أغلب دول
العالم الثالث، لأنها مفصلة ومصنوعة وملائمة للمجتمع الغربي والذي
أكثرهم ينتمون إلى البرجوازية الوسطى أو الصغيرة التي تستفيد من تلك
المفاهيم والمقولات أكثر من الطبقة العاملة. ولئن كان الفكر
الديموقراطي قد رأى النور في المجتمعات الرأسمالية، فقد ظل مديناً لها،
وتظل الديموقراطية التي تسهم في تحقيقها تحمل علامات هذه المجتمعات
التي ولدت فيها، وهذه الديموقراطية حسب الطلب أسهمت في النهوض
الاقتصادي والتحولات الاجتماعية، لكن في الوقت نفسه بقيت ممارستها حكراً
على النخبة السياسية والاقتصادية ذات المصالح.
وسبب أزميتها في الدول النامية التي استوردتها هي تطبيقها كما هي
مطبقة في مجتمعاتها الأم، نظراً لاختلاف الظروف الاجتماعية والاقتصادية
والسياسية، وأدت لمشكلات كان من أهم نتائجها زيادة الفقر، وتفجير
الصراعات الداخلية، وإرباك جهود التنمية، وشلّ مؤسسات الدولة، وتعميم
الفوضى.
وما نشهده اليوم على بعض المنابر الإعلامية هو شكل من أشكال التهييج
والابتزاز نظراً لضعف واغتراب الفكر الذي يطرح من جهة، وضعف الوعي
الشعبي لأبعاد هذه الطروحات من جهة أخرى، ومحاولة البعض الإنابة عن
الشعوب في طرح المقولات قد يفقد الجماهير المناعة الذاتية، ويضعف
مبادراتها لإرساء تقاليد تسمح بممارسة النقد والنضال المشترك الذي يحقق
المصلحة المشتركة، ويبقيها في حالة من الركود واللامبالاة بانتظار ما
ستسفر عنه العاصفة، ومطالبة البعض بالديموقراطية الليبرالية على الصيغة
الغربية التي يتم تسويقها ليست محقة، وأصحابها غير صادقين في دعوتهم،
لأنهم ليسوا على استعداد لتحمل مغبتها بالنسبة للشريحة الواسعة من
الجماهير، وإنما تكمن في دعوتهم هذه في أن يقدموا أنفسهم رسل إصلاح،
وبالتالي يغسلوا أيديهم من أخطائهم ويحمّلوا وزر كل نتائج التداعيات
التي يمهدون لها الدولة، وإلا لماذا تدعم الحلول والوصفات الأمريكية
العولمية بالدبابات والطائرات وحاملاتها وتتم عبر القتل والتدمير
مستغلة الواقع المضطرب للدول، وبحجة قمع الإرهاب والتبشير الحديث
المريع وإتباع سياسة العصا والجزرة مع هذه الشعوب والدول وصولاً إلى
إعلان الحرب على كل من ليس معهم.
إن الديمقراطية الحقيقية هي الآلية والأسلوب التي توصل من يمارسها
إلى انتفاء الحاجة والعوز المادي والمعنوي لديه وعلى الصعد والمستويات
الحياتية كافة.
إن ممارسة هذه الديموقراطية الممارسة الحقيقية والسليمة لن تكون إلا
في ظل سياسات وحكومات وقوانين وشرعات منبثقة من حاجات ومتطلبات بناء
المجتمع والدول وتنمية وازدهارها وفق إرادة ومشيئة المجتمع وعاداته
وتقاليده ومفاهيمه.
والحرية هي المطلب الأسمى والأثمن في تاريخ البشرية، ولكن لا حرية
لمن احتلت أرضه وسرقت خيرات وطنه واستلبت شخصيته وهويته وثقافته واعتدي
على معتقداته ومقدساته وشرفه التي هي كرامته كما أنه لا كرامة لمحتاج
ومعوز في وطنه. |