يبدو اسم الواقع السياسي السلبي في ذهنية بعض الناس بمثابة بعبؤ
فالسياسة عالم رهيب في نظرهم ومفتوح الغايات المجهولة بحيث يصعب أحياناً
فهم لماذا يحدث فيها كذا أو كذا!
وهذا ما يضع أحكام السياسة في نظر البعض على كونها أحكام أن لم تقتل
فهي تجرح من يتقرب لها فقد شاع عن السياسي الناجح كـ(خطأ في التقدير)
أنه شخص يضع مصلحته الشخصية فوق كل اعتبار آخر وهو الشخص الوحيد المدعو
إلى عدم الالتزام بأي أخلاقيات يعهدها الناس ولعل في نظرة لإعماله
وتعاملاته مع مجتمعه توضح الصورة أكثر وطبيعي فهي صورة لن تشرف أحداً
على أكثر احتمال.
والصورة القاتمة لعالم السياسة التي ركزها الطغاة قديماً والحكام
العملاء والأحزاب العاملة في الجاسوسية الدولية تحت شعارات من الوطنية
أو القومية أو العدالة الكاذبة من أمثال (يزيد بن معاوية) و(ميكافيلي)
و(صدام) وغيرهم ما تزال تجدد ألوانها ناهية بذلك عن كل معروف وآمرة بكل
منكر وبالقوة الغاشمة ترى هؤلاء الحكام يفرضون نظاماً من الحصار على
مجتمعاتهم التي تبدو وكأنها رهينة تحت رحمة سلطات الجور والظلم والتعسف.
وأمام مثل هذه المهزلة في الواقع السياسي حيث يأخذ الخوف والجزع
اصطفافات الناس الذين يعانون في الأصل من حالة (الجبن) تراهم يشكلون
أرضية خصبة لموالاة الحكومات الظالمة ومثل هذه الموالاة التي لا يمكن
وصفها إلا باعتبارها كمثل تجمعاً لـ(الجُهال) فإن ما يترتب على جهالتهم
مسألة معروفة حيث يبيعوا كل شيء من أجل الإبقاء على مصالحهم الشخصية أو
يحققوا شيء من طموح غير مشروع لديهم.
ولذا ليس غريباً أن الحكومات الظالمة التي تعرف من أين يؤكل الكتف
تعرف درجات جبن ذيولها وخسة تطلعاتهم فتسخرهم ليكونوا إحدى أدواتها
وبالذات في مجال الإخبايات عن بني جلدتهم وإدراك مثل هذا الواقع المرير
له أبعاد تنعكس أحداث حالة من النكوص لدى الجمهرات العادية من الناس
مما يساعد على سكوتهم حتى عن أبسط حقوقهم. إذ لا أحد ممكن أن يوجه
لمسؤول جلف في أي دولة ظالمة سؤالاً من قبيل: (لماذا تفعلون كل هذا
الظلم بنا؟!) إلا ما ندر.
إن تأكيدات ترد أحياناً متسربة عن بعض المواقف الشجاعة لمن يودعون
بلا وجه حق في السجون لأن شخصاً من الموالين للحكومة الظالمة قد أشار
أن الصاحب المواقف الشجاعة آراء ديمقراطية مثلاً! وكأن الشخص المعتقد
بصحة مبدأ الديمقراطية هو مخالف للسياسة وتكون الصورة معكوسة هنا فلا
بد من التذكير أن الديمقراطية لا تخيف إلا الحكام الظالمين وفرقهم
السياسية الجائرة ومواليهم من الجهال والمرتزقة ممن يدعون زوراً
وبهتاناً أنهم يعملون لصالح شعوبهم وأوطانهم.
إن الالتفاف حول الحقيقة يتطلب وضوحاً في التعامل من أساس كل تقدم
سوية ما وأن أي وضع سياسي لا يلتزم بالسوية مبدأ عادلاً في التعامل
العام وهو وضع لا يشرف إلا الساقطين. |