التعامل مع نتاجات نشر الكتب هو في الأولوية منه تعامل مع المعرفة
وتصنيع الكتاب أو المجلة أو الصحيفة التي تتولى دار نشر معين طبعها
تخضع لجملة مسائل إلا ما يميز نجاحها هو كثرة أصدقاء أي منها بكونهم
جمهورها القارئ الذي أول ما تشده إلى الكتاب عنوانه على الغلاف مضافاً
للتصميم الفني الناجح له.
ورغم أن تجربة التعامل ما بين المؤلفين من جهة وأصحاب دور النشر من
جهة مقابلة آخذةٌ بنمط يكاد يكون موحداً من حيث توفر الشروط الطباعية
للكتاب مثلاً إلا أن ما يميز طبع الصحف (مجلات وجرائد) هو استعادة طبعة
الكتاب كميزة له على طبعات أخرى لكن مثل هذه الميزة غير متوفرة تقريباً
فيما يتعلق بالصحف وباستثناءات قليلة جداً إذ ظهرت خلال السنوات
القريبة الماضية ما يسمى بـ(طبعة ثانية) أو (طبعة ثالثة) بالنسبة لبعض
الصحف أو طبعة المدن إذا جاز التعبير كـ(طبعة لندن) مثلاً لهذه الصحيفة
و(طبعة القاهرة) لتلك الصحيفة وهكذا في حين أن استعادة طبع الكتاب قد
تمتد لسنوات عديدة وربما بلغت إعادة طبع الكتب القيمة لأكثر من مائة
طبعة.
والتعامل مع المؤلفين يكاد أن يعلو على سطحه شيء من العلاقة البحتة
بالنسبة لطريقة استقبال أصحاب دور النشر لعموم النتاجات الثقافية لدرجة
باتت نسبة (10%) هي الحصة المفروضة لصالح مؤلفي الكتاب مع أن هذه
النسبة من الناحية العملية تقل في واقع الحال عن ذلك بكثير أحياناً
وأحياناً لا يستلم المؤلف أي مبلغ من نسبة بيع كتابه وهنا تكمن
المفارقة الكبرى.
والمؤلف بصفته الصانع الأول للحياة الثقافية فإن ما يحز في النفس أن
دور نشر وهمية أخذت في السنين الأخيرة تظهر لطباعة كتب ذات (عناوين
رنانة) لكن محتواها خالٍ من أي مضمون جديد إذ أنها لا تمثل أكثر من
تكرار ممل من تجميع مواد من عدة مصادر وطبيعي أن يؤدي تعميم مثل هذا
الحال بدرجة الارتقاء بالكتاب من كونه كتاب يفتش عنه القارئ اللبيب إلى
إصباحه كتاباً يفتش عن القارئ كي يبتاع نسخة منه.
وتنشيط الحركة المكتبية اليوم تكاد أن لا تعرف بشكل مضبوط بسبب كثرة
(من هب ودب!) في عالم التأليف الذين يحاولون أن يصبح مهماً اسماً في
عالم المعرفة عبر مساهماتهم الهشة في التأليف الضحل (المكرر والممل
وهذا يعني دون شك بأن طباعة كتاب جديد لا يعني أن الكتاب جديد إلا كونه
ينزل إلى المكتبات لأول مرة حيث يمكن اعتباره كتاباً قديماً في مادته
المكررة ولن يزيد رفوف الكتب القيمة شيئاً.
إن ربط القراء بالكتاب الرديء مسألة محسوبة على الساحة الثقافية
الخالية اليوم فعلياً من وجود الرقيب الثقافي الكفوء والعادل والخبير
في عالم إبداع تأليف الكتب ولذا فإن عدم وجود ناشر مميز على المستويين
الأهلي والرسمي هو ناتج حاصل الواقع المرير الذي تعيشه الساحات
الثقافية. إن عالم الكتب عالم بديع وحرام أن يوضع مصيره بيد اللامبدعين
أو الذين يجهلوا كيف يكون رصد حركة الكتاب وفائدته. |