في ظل المتغيرات التي تشهدها الساحة العراقية وحساسية المرحلة يجب
أن يتنبه من يتولى زمام الأمور إلى ما يحيط بهم ولا تأخذهم نشوة السلطة
وسحر الكراسي، لأن المسؤولية كبيرة وجسيمة ، فمن يرى في نفسه القدرة
على تحملها فليستمر وليبارك الله له مسعاه، ومن لم يجد في نفسه القدرة
على ذلك فليتنحَ بأسرع وقت قبل فوات الأوان وقبل أن يندم، لأن من ليس
لديه القدرة على تولي هذه المسؤولية الكبيرة سيفسد أكثر مما يصلح
وسيهدم أكثر مما يبني، ولا يظن أن هذه المناصب والكراسي هي متعة وصعود
إلى سلم المجد كما كان يفعل صدام حسين ويتصور أن هذا حلم تحقق، وهو
كهارون الرشيد عاش في القصور زمنا وظن أن لن يقدر عليه أحد، حتى اختفى
بعدها في جحر الجرذان،ولم يستطع حماية نفسه.
وفي هذه المرحلة بالذات فالتحديات جسام من الداخل والخارج، وإن لم
يكن من يتولى الأمر اليوم رجلاً ويقف بوجه هذه التحديات فسيكون غداً
جرذاً كما أصبح صدام المقبور.
لذلك يجب على كل من تولى منصباً في هذه الحكومة أن يفكر في قول
النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته )
وليتذكر قول الإمام علي عليه السلام: (لو أعطوني الأفلاك السبعة بما
فيها على أن أسلب نملة جلب شعير ما فعلت ). وليكن هؤلاء العظام الذين
خلدهم التاريخ : رسول الله الأعظم وأهل بيته عليهم السلام، وصحابته
الكرام قدوة لكل من يريد أن يتولى حكماً، وليتفكروا في قول الله تعالى
} قُلْ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ
وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ
مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {
(آل عمران/26).
كما نحذر نحن العراقيين من تولوا أمورنا من أن يجاملوا فلان وعلان
على حسابنا من أجل أن يكسبوا ودهم أو لأجل الاستمرار في الكرسي لأن ذلك
الزمن ولى والشعب هو الذي يجب أن يُكسَبَ وده ، كما يجب أن يحافظوا على
العراق من النهب المنظم ولا يفكروا في أرصدة وحصص من العقود التي يباع
فيها الشعب ومقدراته، وأن يرفضوا كل ما يسيء إلى هذا الشعب الذي عانا
الأمرين حتى وصلوا إلى الكراسي التي نصبوا عليها اليوم، لأن كل ما
يحققونه من مكاسب للشعب ستكون لهم إذا كانوا جزءاً منه، أما من يفكر أن
يثري على حساب الشعب ويذهب، ولا يعد نفسه جزءاً من الشعب، فذلك إما أن
يهلكه الشعب إن كشفه وظفر به، وإما أن تلاحقه لعنة الله، والسحت الحرام
الذي أكله سيأكله كما أكل صدام حسين .
كما يجب على من تولى الأمر أن لا يفكر في إرضاء أمريكا والأغنياء
وأصحاب الجاه والسلطان، بل يجب عليه إرضاء عيال الله سبحانه وتعالى :
الفقراء والمظلومين ، وإنصافهم ورد مظالمهم أولاً، قبل زيادة ملايين
الأغنياء والشركات، كما يجب المحافظة على العراق وثرواته ومقدراته، ولا
يتصرف كل واحد بما يراه مناسباً بنفسه بل يجب أن يكون الأمر شورى، حتى
على مستوى الوزارة الواحدة والشعبة الواحدة والدائرة الواحدة ، لكي لا
يُتَّخَذُ قرار يعرض العراق وأهله للخطر سواء في حاضرهم أو مستقبلهم،
كما لا يحق لكل من تعلم كلمتين في دولة أو درس شيئاً يريد أن يطبقه على
حساب العراقيين، وليفكر الجميع أن وضع العراق وطبيعته وثرواته وتكوينه
مختلف تماماً عن كل بلاد الأرض، فلا نموذج الخليج ينفعنا ولا نموذج
الغرب ينفعنا ولا غيره لأننا لا نتحمل تجارب ولا نرضى أن نكون حقل
تجارب للأيديولوجيات الغربية أو غيرها، بل يجب العمل من خلال واقع
العراق وطبيعة تكوينه الاجتماعي والجغرافي والديني والقبلي والثقافي،
وليكن العراق نموذجاً يصنعه أهله يحتذى به في الشرق الأوسط، فمن رأى في
نفسه الكفاءة على ذلك، فليمض على بركة الله، ومن يرى أنه يريد أن يطبق
نظريات تعلمها هنا وهناك ويجرب فلا محل للتجارب، ليتنحى ويحفظ شعبه
وأهله وكرامته وكرامة العراقيين ولا يطمع في الكرسي فهو لم يدم لأحد،
وهو كالفرس الصعبة من لم يكن فارساً أسقطته وكسرت رقبته.
ولينظر الجميع إلى المصلحة الوطنية فوق المصالح الطائفية والعرقية
وغيرها، فما يتحقق من خير للجميع، وما يقع من شر لا سامح الله يقع على
الجميع، وقد رأى الجميع ما حصل، لم يميز الموت والقتل وذل الاحتلال بين
أحد بل شمل العراق من شماله إلى جنوبه، وليكن خطاب المسؤولين بمستوى
المسؤولية وخطاباً متوازناً ومتزناً ومدروس قبل الكلام به، لكي لا نكون
أضحوكة لمن يسمع، فيقول هؤلاء العراقيون لا يعرفون يتكلمون ويتخبطون،
وليقللوا من الشعارات الرنانة والكلام المعسول، ويتركوا التنظير
ويتجهوا للعمل قبل رفع الشعارات، فلم نعد نحتمل شعارات وأكاذيب تطلق
اليوم وتختفي غداً لا نريد شعارات، نريد عمل على أرض الواقع، ومن لم
يجد في نفسه الكفاءة على الكلام والعمل ومواجه الجماهير فليوكل من هو
أفقه منه وأفوه وأقدر لكي يصل الخطاب إلى أسماع من يريد مخاطبتهم،
ويكون خطابه واقعاً ملموساً، كما يجب إثبات حسن النية والإخلاص للشعب،
وطمأنته على مستقبله، ولا يجب أن ننسى القول المأثور (ما خاب من استخار
ولا ندم من استشار) والمثل العراقي الذي يقول (من ليس له كبير فليضع
عمامته ويستشير). |