يرى كاتب مصري أن معظم الدراسات التي تناولت التراث العربي تجاهلت
السياق التاريخي الذي أثمر هذا التراث بحيث نشأت حلقة قال انها لاتزال
مفقودة بين ما هو تاريخي وما هو تراثي.
وقال محمود اسماعيل أستاذ التاريخ بجامعة عين شمس في كتابه (التراث
وقضايا العصر) ان الامر يستوجب وجود "المؤرخ-المفكر" الذي يحيط بمعرفة
موسوعية تؤهله لتغطية تلك الثغرة وتكشف كثيرا من خبايا التاريخ والتراث
أيضا.
وصدر الكتاب عن دار رؤية بالقاهرة ويقع في 286 صفحة ويتناول قضايا
منها (تجديد العلوم الدينية) و(مشروعات نهضوية في الفكر الاسلامي)
و(التصوف بين السلطة والمعارضة) و(نحو مصالحة بين المذاهب الاسلامية).
ونبه اسماعيل الى أن التراث الفقهي الاسلامي "ليس مقدسا" بل نتاج
اجتهادات تحتمل الصواب والخطأ مشيرا الى أن تلك الاجتهادات كانت مرتبطة
بالسياق العام لعصورهم من ناحية وبدرجة تكوينهم الثقافي من ناحية أخرى.
وشدد على أن الحفاظ على الشريعة لا يعني تحويلها الى "نصوص مقدسة.
خطورة هذا الموقف المتزمت سوف يقود في النهاية الى تجميد الشريعة
ووضعها على الرف وهو ما حدث فعلا في بعض الاقطار الاسلامية التي اتجهت
نظمها الحاكمة الى القوانين الغربية لا لشيء الا لتخلي الفقهاء عن
مسؤوليتهم في الاجتهاد."
وأضاف في تعميم يخلو من الاشارة الى بلد بعينه أن "فقهاء السلطة
المعاصرين مسؤولون عن هذا التردي" دون شرح لتجليات التردي أو اثاره.
وأشاد اسماعيل باجتهادات السابقين من العصور الاسلامية السابقة
ولكنه قال انه "برغم روعة ما أنجزوا فان انجازاتهم لا تقطع الطريق على
فقهاء (هذا) العصر كي يطوروا ويجددوا ويستحدثوا أصولا جديدة في مسائل
كثيرة مستحدثة لم تكن موجودة في عصور الاولين القدماء."
وقارن بين مجتمع المدينة في شبه الجزيرة العربية في صدر الاسلام في
القرن السابع الميلادي والمجتمع العراقي في فترة تالية حيث نشأ هناك
الامام أبو حنيفة النعمان الذي توسع في الاجتهاد انطلاقا من ادراكه
الطبيعة المعقدة لاي مجتمع تتجدد أسئلته واحتياجاته وفقا لسرعة التطور
الحضاري الذي يمر به.
وذكر اسماعيل أن مذهب أبي حنيفة انتشر وذاع بسهولة في المجتمعات ذات
النشاط التجاري "المتعاظم في اسيا الوسطى موئل التجارة العالمية (انذاك)."
وقال ان الفقه في تطوره وجموده يرتبط بالواقع السياسي-الاجتماعي
مشيرا الى نشأة العلم ومناهجه خلال عصر "الصحوة البرجوازية" في القرن
الثامن الميلادي ولكن عودة الاقطاع في نهاية القرن العاشر الميلادي أدت
الى انتكاس العلم حيث يكون فقه المجتمع الاقطاعي "مقدسا ومتعاليا ولا
انسانيا" على حد وصف المفكر الجزائري محمد أركون الذي استشهد به
اسماعيل.
وأشار الى أن "تدهور الفقه وانحطاطه طوال قرون الظلام التي استمرت
ما يقرب من تسعة قرون كان نتيجة معطيات سوسيو سياسية ومن أسف أن معظم
فقهاء اليوم مازالوا مقلدين لهذا النموذج المتحجر بل يقدسونه لا لشيء
الا لانه مورث عن "السلف الصالح". لم يكن هؤلاء السلف الا فقهاء الحكام
والسلاطين الذين اتخذوا من الدين مطية لتبرير وتسويغ سياساتهم الجائرة."
وقال انه ابتداء من عهد الخليفة العباسي المأمون في مطلع القرن
الثالث الهجري (حوالي منتصف القرن التاسع الميلادي) عبر المعتزلة "بامتياز
عن الطبقة الوسطى المنوطة بدور سياسي وحضاري تقدمي في التاريخ... أصبح
الاعتزال أيديولوجية الخلافة. وفي ضوء ذلك يمكن تفسير النهضة العلمية
والفكرية انذاك. ولا نبالغ اذا حكمنا على أن سيادة الفكر العقلاني
الليبرالي كان انجازا برجوازيا."
ولاسماعيل كتب في التراث والتاريخ منها (هل انتهت أسطورة ابن خلدون)
و(فكرة التاريخ بين الاسلام والماركسية) و(اشكالية المنهج في دراسة
التراث) و(في نقد حوار المشرق والمغرب بين حسن حنفي وعابد الجابري).
المصدر: رويترز |