أكدت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس مؤخراً أن الولايات
المتحدة تعمل على نشر مبادئ الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان في
العالم عموماً وفي الشرق الأوسط خصوصاً، وأنها ستعامل حكومات الشرق
الأوسط كما تعامل هذه الحكومات شعوبها، وأشارت بارتياح إلى الانتخابات
التي جرت في أفغانستان والعراق والأراضي الفلسطينية، وإلى التحولات
التي جرت وتجري في مثل جورجيا وأوكرانيا ولبنان والتي بدأت تؤسس لتجربة
ديمقراطية يعيشها هؤلاء السكان بعد فترة اضطهاد طويلة.
ويأتي هذا التهديد المباشر بعد تخطيط ودراسات عميقة ضمن عناوين
مختلفة ومنها (التفتيت النظيف) تهدف فرض السيطرة والقضاء على النظام
العربي برمته من دون التمييز بين صديق أو عدو، وكأنه جرى تصنيف الدول
العربية والإسلامية كلها في (محور الشر).
قد نلقي اللوم على بوش ونصفه بأنه شخص جد بسيط، جد عنيف، ذو آراء
متطرفة إلى جانب كونه شخصاً جهولاً. وأنه مزيج ذو خطورة عظمى، فقد تسبب
أمثاله في كوارث كثيرة على مرّ التاريخ البشري. ونسمي المؤدلجين الذين
يتحكمون في أفكار بوش وأفعاله (المحافظين الجدد) بأنهم مجموعة ثورية،
المحافظة ليست هي هدفهم، بل هدفهم هو الإطاحة بما هو قائم. هم يهود في
غالبيتهم، اتباع ليو شتراوس الأستاذ اليهودي الألماني الذي كان له ماضي
تروتسكي، والذي انتهى به الأمر بتطوير نظريات شبه فاشية والترويج لها
بجامعة شيكاغو. أوضح شتراوس نظريته من الديموقراطية بالاستشهاد بقصة من
كتاب (رحلات جليفر) حينما اشتعلت النيران في مدينة الأقزام، أخمدها
جليفر بأن طرطر عليها، وفي رأيه، فهذا هو الأسلوب الذي يجب أن يتبعه
مجموعة النخبة من القادة في تعاملهم مع الجماهير الجاهلة الساذجة،
الذين لا يعرفون خيرهم.
في خطاب تتويجه، وعد بوش أن يأتي بالحرية والديمقراطية إلى كل ركن
من أركان العالم. لا أقل ولا أكثر. استشهد بالبلدين الذين حقق فيهما
هذا الهدف العراق وأفغانستان. ولم يعد سراً أن (المحافظين الجدد)
عازمون على الإتيان بالديمقراطية إلى إيران وسوريا ومن ثم فهم عازمون
على محو عدوين تقليديين للولايات المتحدة وإسرائيل. تنبأ بالفعل، ديك
تشيني، نائب الرئيس بأن إسرائيل قد تهاجم إيران، وكأنما يهدد بإطلاق
الكلاب الشريرة عليها.
تعطى الأوامر الآن لإعداد السفن للقتال – وعلى سطح تلك السفن يقبع
بوش مثل مدفع منطلق لا يمكن كبحه، خطر على الجميع، ربما ينظر التاريخ
لنتائج تلك الانتخابات بصفتها كارثة عمت جميع أرجاء العالم.
وقد يحلو لنا أن نسمي أمريكا بأمريكا المُثُل، وخطة مارشال، والعلوم
والفنون، وبلد الحريات والفرص المفتوحة وموئل الغرباء، وقد ننقلب
ونصفها أمريكا إبادة البشر التي مورست ضد السكان الأصليين، وبلد تجار
العبيد وأسطورة الغرب البري، أمريكا هيروشيما، والفصل العنصري وفيتنام،
وأمريكا العنيفة القامعة.
ولكن هل هذه الصفات والتسميات تغير من واقع أمريكا التي تستخدم
سياسة الشدة واللين لتثبيت هيمنتها وسيطرتها على دول العالم؟
ثم ألسنا نرحب ونطبل ونكيل الثناء والمديح بإنجازات أمريكا
وديمقراطيتها إذا ما انتهت فترة بوش وانتخب آخر؟ فنعود وننسى كل شيء
وكأننا لم نكن نعاني أزمة كادت تمزق الأمة إلى أشلاء.
فالتسميات حسب الأهواء والخوف على مراكز السلطة والجبن عن اتخاذ
المواقف وتقوية الإرادة الشعبية ومنح الحرية الكاملة لأفراد الشعب
ليتعاضدوا مع الحكم لا تغني عن العمل الجدي والمنظم شيئاً. |