تقول امرأة: إن الله يسر لها زواجاً مباركاً وزوجاً محباً طموحاً
وذو إحساس مرهف ودخل جيد، فلم ينقصهم شيء من أسباب السعادة وإن كانت
متواضعة فالأهم هو الألفة وتبادل شعور المحبة والسكن إلى الآخر.
ولكن الطامة الكبرى هو أنهما لم يُرزقا بأولاد وبعد إجراء الفحوصات
تبين أنهما سالمان من كل عيب وأن الأمر بيد الله تعالى.
وتضيف: لكنني أعيش في حيرة من أمري ويقتلني حديث الناس فهم يرمون
دائماً باللائمة عليّ، ويحاولون إقناعه بالزواج من أبنة عمّه، لكنه
يرفض ذلك ويردهم دائماً، ويقول أن الأولاد أرزاق، والرزق من رب العباد
وكل شيء بالقسمة، وأنا أحب زوجتي فإذا قسم لي أن أرزق بطفل فليكن منها
هي.
والمحير هي موقفها كما أغلب النساء: فتقول: أما أنا فتكاد الحيرة
والملل والوحدة تفتك بي، فأنا حائرة كلما نظرت إلى زوجي أحزنني ما
اصابه ويمر به من آلام فهو يحب الأولاد ويحبني في الوقت نفسه وهو ممزق
بين هذا وذاك.
فماذا أفعل؟ هل أطلب منه أن يتزوج من ابنة عمّه أو أي امرأة أخرى
عسى أن يرزقه الله بأطفال منها؟ أم أطلب منه الطلاق على أمل أن نوفق
بزواج آخر، أوفر حظاً من هذا؟
يضحى بكل المشاعر، وتموت كل الأحاسيس، ليبقى مركب الحياة عُرضةً لكل
الرياح، ترمي به في كل أفق، وتدفعه في كل اتجاه. كل مشاعر الحب طارت،
وكل أحاسيس الود فترت، وكل الرغائب اضمحلت، وبقيت تلك الرغبة هي
البوصلة التي تحدد الطريق وترسم الخطى.
فعندما يقال: لماذا فعلت ذلك أيها الإنسان؟
- يبادر فوراً بالجواب: أريد أن أرى عيونا حولي.
- هذا حقه ولكنه أهمل عينين ترنوان له، وتحدقان به، فهما أولى
بالعناية والنظرة الحميمة.
- أريد قلوباً تحس بي وتشعر بي.
- لكنه أساء للقلب الذي يهفوا له، وينبض معه في كل خفقة، أتراه يحس
بقلوب غائبة.
- أريد من يحمل أسمي من بعدي، ويحفظ ذكري في الأجيال.
- لكنه محى اسم من تحمل اسمه في الحياة، وتحفظ ذكره في الواقع.
- أراد أن ينظر للبعيد، لكنه أهمل القريب. ثم لنرى أن الشجرة غير
المثمرة، فيها من جمال المنظر، وروعة الألوان ووارف الظلال، ما قد لا
نجده في الشجرة المثمرة. حتى أصبحت مقصد المتعبين، ومطلب المتنزهين،
وهدف الهاربين من حرارة الدرب الهجير.
فلماذا لا يغوص في عمق الآخر ليعبّ من تبع عواطفه الفياضة، وينهل من
جدول أحاسيسه الرفيعة، وليأخذ من إنسانيته مشاعل تضيء بها ظلمة الحياة،
ويستمد من نبضه قوة يستعين بها على ما تصدفه من صعوبات، ويلقاه من
عوائق، وليأخذ من جمال نفسه فسحة يستريح فيها من وعثاء السفر وتعب
الترحال.
وإن كان لا بد من الأمر فبرضى الطرف الآخر ومساعدته وحبّه وحنانه
دون قطع الصلة ومرارة الانفصال الذي هو أبغض الحلال ففيه من سخط الباري
وكفران نعمته وتفريط فيما أعطاه لعبده من هنيء عطاءه ويبقى الصبر قبل
كل شيء هو أفضل الخيارات وأقواها حتى ضمن أقل الخسائر فبالصبر تنال
الرغائب. |