أول تجربة يكسبها المرء من سفره هو زيادة التفاؤل بأن العالم مازال
بخير وتسوده قوة الإخاء الإنساني.
فحين تطأ قدماه أول أرض هي غير بقعة في بلده ينتابه شعور أنه قد وصل
إلى بلاد غريبة لا يعرف وضع أهلها لكن محل وصوله إليهم توضح له الصورة
أو شيء منها، أما موضوع كتلوكات السياحة عن ذاك البلد إذا كان قد أطلع
عليها قبل الوصول إلى ذلك البلد فأول ما يلاحظه عن محتواها أن نسبة من
المغالاة في الدعاية للبلد المعني هو من الأمور الثابتة تقريباً التي
تضمها تلك الكتلوكات السياحية سواء من معلومات أو أوصاف أو شروح في كل
بلد كتقليد لترغيب السائحين لزيارة تلك البلدان التي تركز في كتلوكات
دوائرها السياحية والنقلية على أهم معالم البلاد من متاحف وآثار وساحات
وأمكنة استجمام وللسائح بطبيعة الحال نظرات مكثفة يوجهها لأكثر من مرفق
سياحي في البلد المضيف له سياحياً.
والزيارة الأولى لبلد ما قد تشد السائح ليكرر سياحته فيه مع الإبقاء
للرغبة الجامحة لدى كل سائح تقريباً أن يزور كل بلدان الكون إذ أن
الإنسان مشدود بطبيعته إلى الأرض التي هي أرض الله الواسعة المخلوقة
لبني آدم وحواء.
والأجواء اليومية للسائحين تختلف عما كانوا عليه في بلدانهم قبل
سفرهم فتراهم منشدون للتمتع ببرنامج سياحي سواء كان طويلاً أو قصيراً
وعليه السائح من يستفاد من سفره فائدة ثقافية إضافة لقضائه وقتاً من
الراحة والاستجمام في ربوع البلد المساح فيه أو في أسواقه التي تتم
فيها عملية التسويق لاقتناء هدايا للأحبة القريبين من القلب والعقل بعد
العودة إلى الوطن بسلام.
وشعور المرء بكسب انطباع معين عن البلد الزائر هو له لا يستكمل
بوضوح إلا بعد مغادرته حيث تصبح تلك السفرة ضمن التجربة المستقاة عن
ذاك البلد وإذا ما صادف أن يكون السائح قد مزج بين حالة سياحته أو
إنجازه لمهمة تجارية معها فمن الطبيعي فإن الحرارة من غاية تلك السفرة
لا تكون كاملة بسبب توزيع مشاعره على أمرين (شخصي وتجاري).
والعالم اليوم بكرته الأرضية المرشح أن يكون خلال السنوات القريبة
القادمة عالم بلا حدود مفتعلة (أي بلاد آمريات مفتعلة) تضع العوائق
الجمركية وغيرها إذ يفترض أن يكون ذاك العالم بلا حروب والناس منصرفون
في كل مجتمع لبناء وطنهم كما يفترض أن ترى البشرية (ذاك الغد المشرق)
الذي سيبرز عضادة الإنسان لأخيه الإنسان في السراء والضراء.
وبعض الوجوه والأمكنة التي يراها السائح في بلدان الآخرين لا يمكن
أن ينساها وربما عاشت في مخيلته سنين طويلة فبالتجربة من السفر يشعر
المرء بقيمة وطنه لأنه يعيش اغتراباً (غير ملموس) في نفسه نتيجة الفراق
(وعلى قصره) حين يتذكر أهله الطيبون وأصدقائه المخلصون وأماكن بلاده
الجميلة التي يزورها بالمقابل سواح أجانب أيضاً. |