يمكن إقصار الثقافة الإقليمية على مجموعة من الشعوب تتكلم لغة واحدة
وتقرأ بلغة واحدة معينة إذ يلاحظ أن اهتمام تلك الشعوب يكون متقارباً
لأن اللغة الخاصة بهم جميعاً هي اللغة ذاتها.
ومن هذا المعنى المبسط للغة الإقليمية يمكن ضرب مثال أن الثقافة
الفارسية بحكم تداول اللغة الفارسية في أذربيجان وإيران وأفغانستان قد
جعلت الثقافة الإقليمية الممكن حصرها ضمن جغرافية البلدان الثلاث
الآنفة تبدو واحدة وطبعاً مع اختلاف طفيف هنا وظاهر هناك وهذا الاختلاف
يظهر في أذربيجان أكثر من أفغانستان لأن في البلد الأول كان هناك خضوع
للأيديولوجيا الاشتراكية حيث كان هذا البلد ساكناً لنشر تلك الثقافة
المؤدلجة لصالح النظرية الاشتراكية ولزهاء مدة زادت على النصف قرن حيث
يلاحظ أن الاتحاد السوفيتي القديم الذي هو أمام الحصار للتدخل الغربي
الخفي لم يستطع أن يعمم أيديولوجية الاشتراكية على أفغانستان وينشر
ثقافة فاعلة فيه وربما يكون هذا ضمن سبب قصر فترة الاحتلال السوفيتي
السابق لهذا البلد الذي قارب عقد من الزمان المربك مع أن اللغة القادمة
للبلدين أذربيجان وأفغانستان كانت واحدة هي اللغة الروسية التي كان لها
دور مؤثر في بلد هادي دون حرب مثل أذربيجان أو بلد مندلعة فيه حرب مثل
أفغانستان مما حال من نسبة التأثير للثقافة السوفيتية على البلد الأخير.
أما الصورة للأيديولوجيات في بلدان العالم العربي التي تعضد اللغة
العربية فيما بين مجتمعاتها فيلاحظ أن نشر الثقافة الدينية الإسلامية
قد أخذت منذ أوائل القرن العشرين الماضي أقصى مداها نتيجة لتنوع النشر
في اللغة العربية أولاً ثم استغلال تأسيس الإذاعات التي تبث برامجها
باللغة العربية فكاد أن يجتمع العرب المسلمون وهم يسمعون الترتيل
القرآني المبارك من الإذاعات العربية الناشئة آنذاك لدرجة يمكن التقدير
إن ما من أحد أقتنى جهاز راديو آنذاك إلا يسمع القرآن الكريم حيث ربت
الإذاعات أصوات كان لها شأنها المتفرد في حسن الإلقاء القرآني الكريم
كالمقرء (أبو العينين شعيشع) والمقرء (عبد الباسط عبد الصمد) وغيرهما.
وما لا ينكر أن الأيديولوجياات الدينية الإسلامية التي أخذت تنتشر
تعريفاً عبر المدونات المطبوعة قد صاحبها ظهور الدعوات لاعتناق
أيديولوجيات علمانية أيضاً وهذا ما أثر على إفتار العزيمة لدى التوجهات
المجتمعية في العالم العربي الذي كانت تجمع مجتمعاته لغة التداول
العربية وما تزال وهي ثروة ينبغي عدم التفريط من أجل جمع وتوحيد الكلمة
بين التجمعات العربية تواشجاً مع تقوية الثقافة الإسلامية الحقة.
وبصدد مقومات الثقافة الإقليمية فإن التوسع السلبي في مفهومها لا
يعتبر مستوعباً للتجربة الثقافية السائدة وأسسها فمثلاً شهدت السنوات
القليلة ظهور مصطلح (الثقافية المتوسطية) ويقصد بها ثقافة البلدان
المطلة على حوض البحر الأبيض المتوسط وهي ثقافة لا يمكن وصفها إلا
بالنشاز لأنها تضم بلداناً لها من الثقافة الإيجابية وأخرى من الثقافة
السلبية إضافة لكونها ثقافة غير متجانسة من حيث اللغات المتعددة بتعدد
المجتمعات المحيطة بالبحر المذكور إذ من العسير التحدث عن ثقافة أوسطية
بين الغربيين والليبيين (مثلاً) بدل من تعميم الثقافة الإنسانية
الشاملة. |