لو تساءلنا هل هناك علاقة بين طبيعة البناء الاجتماعي وظاهرة العنف؟
هل هناك علاقة بين التنشئة الوالدية ودور الاسرة واساليب التنشئة
الاخرى؟
يعد العنف بحد ذاته رصاصة في قلب الانسانية وتعارض سافر مع السلوك
الانساني وهو نتاج طبيعي لعدة اسباب طبيعية في التكوين النفسي الذي
جبُل عليه الانسان،يضاف اليه مع التفاعل الاكيد طبيعة البناء الاجتماعي
فينمو حينئذ هذا الشعور بالعدوانية تجاه الآخر مهما كان انتماؤه او
تكوينه الفكري او المذهبي،فالدراسات النفسية اكدت على ان الاسراف في
القسوة والصرامة والشدة في تربية الطفل خلال مرحلة الطفولة وانزال
العقاب فيه بصورة مستمرة وصده وزجره كلما اراد ان يعبر عن نفسه، سوف
تتكون ردود الافعال التي تظل مكبوتة قد تؤدي به الى الانطواء او
الانزواء او الانسحاب في البداية ثم تتحول الى انسحاب كامل عن
السلوكيات الاجتماعية،حتى يتكون لدى الفرد مستقبلا شعوراً بالنقص وعدم
الثقة في نفسه،وفي الاخرين ثم يتكون لديه شعوردائم بالحدية والقسوة،وهو
تعبير عن كره السلطة الوالدية،يقول علماء نفس الطفولة والمراهقة قديمتد
هذا الشعور الى معارضة السلطة الخارجية في المجتمع،وقد ينتهج منهج
الصرامةوالشدة في حياته المستقبليةعن طريق عمليتي
التقليداوالتوحد،اوالتعلم بالنموذج الوالدي الذي يعد مثالا له،فيكون
مصدرالعنف هو التربية الوالدية مع الاستعداد التكويني الواضح. ومن وجهة
النظر النفسية فأن معظم الذين يمارسون العنف ويستمرون في ذلك هم من
الشخصيات المنحرفة التي يطلق عليها المضادة للمجتمع او السيكوباثية.
يقول علماء النفس، في الطفولة تبدأ المشكلة،اي هي الاجابة على
تساؤلنا الثاني حيث التنشئة الوالدية ودور الاسرة ثم دور الاقران،فجفاف
المشاعر يبدأ من التنشئة في الاسرة وهي لم تكن سليمة تماما في
البداية،فغالبية الذين يماسون العنف في حياتهم كانوا منذ طفولتهم
يعانون من غياب القدوة الحسنة والنموذج المثالي الذي يمكن الاحتذاء
به.فحينما نقول ان سلوك العنف هو جفاف كل المشاعر الطيبة والانسانية في
حياة الشخص العنيف،فهو مصاب باضطراب الاحساس بما هو صواب وما هو
خطأ،وهي امور تكتسب في اعمار مبكرة،ونظراً لانه يفتقد هذه المقاييس
الخلقية،فانه يتحايل على الاخرين في اصطناع الموقف الذي يقوده الى
ممارسة العنف حتى تغدو لديه لغة الحوار،دون اعتبار لاية وسيلة اخرى في
التعامل،والشخص العنيف يفتقد المشاعر الصحيحة،فهو يشبه الطفل في ميوله
الى العيش في اللحظة الراهنة فقط،ويرغب في الحصول على اللذة الفورية من
الدوافع العابرة دون ادنى تأجيل او ارجاء لهذه اللذة.
عندما تجف منابع المشاعر والاحاسيس الانسانية عند الشخص العنيف،فأنه
لا يتألم من اجل اخفاء اعماله،بل ينسى نتائج اعماله السيئة،ولا يندهش
عند مواجهته بما ارتكبه من اخطاء او عدوانية تجاه الاخرين،بل ينسى كل
ما يقوم به من نتائج اعمال سيئة.
ان جذور العنف تمتد الى اساليب التعامل الاولى في طفولته ومن ثم
فترة التنشئة الاجتماعية التالية في المراحل اللاحقة،ودور العوامل
الاخرى وخصوصاً التوجهات الدينية المتطرفة او الفكرية المتحجرة،حيث
يقول علماء النفس ان الراشد العدواني يحس عادة التحكم بمظاهر عدوانيته
وهو لا يفجرها الا في اوضاع معينة،واليوم بدأت ظاهرة العنف الدموي
والتطرف والتخلف التي يحمل اصحابها صفة الاسلام والسلفية الاسلامية،هي
اليوم الظاهرة التي تشغل العالم،ويكثر الحديث عنها، وتكثر التوصيفات
والاستنتاجات حولها،فنشوء السلوك العدواني والسلوك العنيف يتكون من
العيش في بيئة يهيمن عليها العنف تؤدي في آخر المطاف الى تصرفات عنيفة
والتي تمثلت في الرغبة في القتل المعلن والانتقام من الناس
الابرياء،وتفجير السيارات المفخخة وسط حشد من الناس،واستهداف سلطة
الدولة والقانون،كلها تعبيرات نابعة من جفاف الجانب الانساني في النفس
المريضة،ويضيف علماء النفس ان في الذات نزوة،هذه النزوة هي النزوة
العدوانية،بينما يرى عالم النفس الشهير "البرت باندورا" ان السلوك
العدواني والعنف ماهو الا عمليات معرفية لدى الفرد تتضمن كيفية التمثيل
الرمزي عنده وترتبط ببعض المزايا المثيرة للغضب
وللانفعال،ويوضح(باندورا) ان هذه التصورات العقلية قد تتغير من خلال
تزويد الافراد بانماط مختلفة من المعلومات،وبناء على ذلك تبرز اهمية
العمليات الادراكية (المعرفية) الكامنة وراء" الاستجابة "العدوانية
وممارسة العنف كسلوك،ولهذا فأن العدوان والسلوك العنيف يتم تعلمه من
خلال التعلم الاجتماعي وذلك عن طريق المحاكاة والملاحظة.وهكذا نستطيع
ان نتوصل الى ان ليس بالامكان فهم السلوك العدواني والعنف عند الانسان
الا برد هذا السلوك الى اطاره الاجتماعي ونوع العلاقات الاجتماعية
السائدة والبيئة المهيئة له.
ان البعض من السلف الاسلامي دعت الناس الى امتهان العنف كوسيلة
لتحقيق الاصلاح في النفوس اولا ومع الاخرين ثانياً ومع المؤسسات
الاجتماعية والبنى الاجتماعية،فاذا كان الاصلاح الديني ينطلق من هذه
الممارسات،فما هو الباقي من الخيارات لكي يلجأ اليها المصلحين او الناس
الخيرين، واين يكمن الحوار. نحن نعتقد ان الاصلاح مهما كان نوعه او
اساسه او منطلقاته، ينطلق من الحوار وليس من العنف كما يعتقد البعض من
دعاة السلف،ولذلك لابد من معالجة الظاهرة بطرائق تربوية ونفسية
واجتماعية ودينية وسياسية جديدة،ولكن بكثير من الاناة والبدء قبل كل شئ
بالبحث عن جذورها وعن صيغتها الراهنة،وعن القوى التي تحركها
اليوم،علينا مواجهة ظاهرة العنف بين الاطفال اولاً ووضع اسس تربوية
جديدة تجفف مشاعر العنف، وتزرع بدلها مشاعر اللاعنف وتنشأ مشاعر
المسالمة والتسامح،على عكس ما يفعله اخوة لنا في الاسلام خطوا طريق
اشعال الروح بالعدوان والسلوك العنيف،وساعدوا على تنمية اتجاهات التعصب
تحت مسميات عديدة وصار هذا التوجه نحو الكائن البشري الذي هو موضوع
السلوك العدواني وقولنا الاخير اننا نصف من يمارس العنف والسلوك
العدواني،انه فشل في التواصل بين الذات والآخر.
*السويد - استاذ جامعي وباحث سيكولوجي
elemara_32@hotmail.com
|