عن اللطيف الخبير في كتابه الكريم:
(وَقَضَى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيَّاهُ
وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ
أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا
تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا
جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا
رَبَّيَانِي صَغِيراً).
لا شك أن العقوق حالة شاذة وسلوك غريب في الإنسانية ويأخذ العقوق
صوراً وأشكالاً تراوح بين الاعتداء البدني والسباب أو الشتم، إلى تبرؤ
الابن من والديه وهجره لهما وعدم رعايته لهما في عجزهما ومرضهما، وصولاً
إلى عدم طاعة الوالدين في أي أمر من الأمور، ووقوف الابن دائماً موقف
المعارضة في وجه أي رأي أو نصح أو توجيه يصدر إليه عن طريق الوالدين.
فالأبناء العاقون هم صور غريبة وشاذة من البشر لأنهم فقدوا الكثير
من إنسانيتهم، وسلكوا مسلكاً يخالف كل عرف وشرع وعقل، فهل جزاء الإحسان
إلا الإحسان؟
هل الجزاء الذي يحصل عليه الآباء من أبنائهم العاقين عن سهرهم
وتعبهم وقلقهم وشقاقهم في سبيل رعايتهم، يقدمه هؤلاء الأبناء قسوة
وظلماً واعتداء وإيذاءً؟
أمام هذه الحالة الشاذة هناك اتجاهات اتجاه حديث طالما يجهد في
التفكيك الأسري بين المجتمع ليتسنى لهم السيطرة التامة دون إزعاجات
تؤرقهم أو مطالبات تقلل من أرصدتهم وبالتالي ضمان عدم الرقابة وإلتهاء
الناس بالمشاكل العائلية وجعل الشعب كلهم كعبيد مطيعين للسلطة ولا
استقلال لهم حتى في المعيشة والوظيفة التي تؤمنها السلطة لهم، وخلاصة
القول أنهم لا يستطيعون العيش في بيئة صالحة ونظيفة تسودها العزة
والشرف والفضيلة وما تمليه عليهم الضمير الإنساني من قيود وواجبات
ليسوا بأهل لها فلا نرى إلا اجتهاداً وإبداعاً لأساليب تشجع تمرد
الأولاد على الآباء والأمهات وتأمين الحماية للأولاد بحجة المطالبة
بالحقوق ومن ثم العيش على هوى النفس.
وهناك اتجاه القرآن الكريم حيث يقدّم لنا صوراً رائعة، تتوجه إلى
الفرد حول أسلوب رعاية ومعاملة والديه، وكلها آيات توصي بالوالدين خيراً،
حتى الكلمة الجارحة نهى القرآن الكريم عن توجيهها إلى الوالدين فلا تقل
لهما أف ولا تنهرهما، وقل لهما قولاً كريماً، وأخفض لهما جناح الذل من
الرحمة وقل رب أرحمهما كما ربياني صغيراً.
وسلوك العقوق لا يصدر إلا عن أبناء ساءت تربيتهم واضطربت البيئة
المحيطة بهم، وازداد القلق والإحباط في حياتهم وعقوق الأبناء يسهم في
حدوثه سلوك الآباء غير السوي في الأسرة، كما يسهم فيه العلاقات غير
السليمة التي تقوم بين الأبناء والآباء.
وإذا استثنينا العقوق الذي يصدر عن بعض الأبناء الأغبياء والمتخلفين
عقلياً، فإن مسؤولية عقوق الأبناء تقع على الأسرة، خصوصاً على الوالدين.
فإذا حَسُنَ سلوك هؤلاء الآباء، واستخدموا مع الأبناء الأساليب
التربوية والنفسية السليمة، وأشبعوا الحاجات المادية والنفسية لأبنائهم،
وإذا جعلوا من أنفسهم نماذج سلوكية صالحة في الأسرة يقتدي بها الأبناء،
لكانت النتيجة أبناء صالحين بررة يحسنون صحبة ورعاية آبائهم. |