لإصلاح بمفهومه الشامل إنجاز كبير ولو على مستوى الجامعة العربية
وبالتالي في الأنظمة العربية صحيح أن هناك مؤشرات كتصريح عمرو موسى عن
الأزمة المالية في الجامعة وعقوق الأبناء الأعضاء عن التواصل ودفع ما
عليهم من واجبات والوفاء بالعهد إلا ان الجامعة الأم أيضاً ساهمت في أن
يعقها أبنائها.
فكما يقال ستون عاماً مضت على إنشاء الجامعة والعمل الجدي فيها
مفقود، والأمل ضائع، والقرارات مجمدة، والإنجاز ممنوع والأوضاع العربية
كما هي إن لم تكن تتراجع إلى الوراء وتسير في خط تنازلي من سيء إلى
أسوأ.
ستون عاماً والأبناء يتلقون الصفعة تلو الصفعة والأزمات والهزائم
والنكبات والنكسات ستون عاماً ومصيره التراجع عن الثوابت واللاءات
والمبادئ والمواقف والالتزامات والقرارات والاتفاقات والمعاهدات تتوالى
من فلسطين إلى كل مكان في الوطن العربي.
ستون عاماً والأمة تعاني من الهدر والفساد والانقلابات والاغتيالات
المشبوهة والتجارب الفاشلة على شعوبها والمبادئ المستوردة والتفرد
والديكتاتورية.
ستون عاماً من الفشل في بناء صرح اقتصادي عربي واحد أو تضامن حقيقي
وتكامل ولو في زراعة البصل والبطاطا أو تخصص في زراعة الفجل أو صناعة
الشماغ العربي الذي يستورد من فرنسا وإنكلترا، أو سجادة الصلاة
المستوردة من الصين وتايوان.
ستون عاماً والجامعة العربية تسير من سيء إلى أسوأ وتضيع في متاهات
الخلافات والبيروقراطية والروتين والمحسوبيات والمظاهر (والفرقعة
الإعلامية) إلى أن وصلت إلى ما وصلت إليه في عهدها الأخير الذي نعلّق
عليه الآمال فإذا بها تذهب هباءً منثوراً.
ستون عاماً والعمل العربي المشترك في حال جمود وشلل وتراجع فيما
العالم يتطور والكيانات تتحد والدول تتقارب وتتفق على تأمين مصالحها
وتحاور على كل شيء من أدق التفاصيل إلى أكثرها بساطة وسهولة. الولايات
المتحدة تبسط هيمنتها وتمد نفوذها في كل اتجاه، وأوروبا تتحد وتضم
إليها المزيد حتى غدت تفاخر بأنها أنجزت اتحاداً يضم (25) دولة كانت
بينها حروب وعداوات وتناقضات سياسية وعقائدية من أقصى اليمين إلى أقصى
اليسار، ومن قمة الرأسمالية إلى ذروة الشيوعية، ومن أعرق الديمقراطيات
إلى أشد الديكتاتوريات تصلباً وضراوة فيما العرب الذين تجمعهم شتى
الروابط والوشائج القومية والدينية وروابط الدم وصلة الرحم والتاريخ
والجغرافيا والمصالح المشتركة يتفرقون ويتشرذمون ويزدادون عصبيات.
ستون عاماً والجماهير المغلوبة على أمرها تحلم وتصدق وتتفاءل وتتأمل
خيراً لعل وعسى ثم تنتظر القطار الآتي من القمم وتمني النفس بحصاد
مثمر، فإذا بها لا تحصد سوى الصدمات ولا تجد أمامها سوى خيبات الأمل
تتوالى وتتكالب عليها لتصيبها بالإحباط والاكتئاب وها نحن نقف الآن
أمام أمل جديد ووعود براقة تسبق عادة موسم القمم العربية في مشهد يتكرر
كل عام. فالقمة التي عقدت في الجزائر مثقلة بالهموم والاقتراحات
والمشاريع من تفعيل مبادرة السلام العربية إلى إصلاح الجامعة والتطوير
والتحديث في العالم العربي وصولاً إلى معالجة الأوضاع الاقتصادية
والسياسية والمصيرية الصعبة.
إذن الأولاد عندما يرون رعاية وحماية من الجامعة الأم وعدم خيبات
الظن والآمال فإنهم يبدأوا بالثقة والعمل الجدي لمساعدة بعضهم البعض
ومن ثم البرّ بالمؤسسة الأم وتنفيذ إتفاقياتها ومتطلباتها بل والسعي
لرفع قدرها والتباهي بصرحها الشامخ حينذاك.
فالمفروض من هذه القمة كسب ثقة الدول المشاركة بتفعيل البرامج
وتنفيذ المهمات والقرارات للحصول على النتائج الملموسة حتى القليل
منها. |