نشرنا قبل أيام مقالا بعنوان: على الحكومة العراقية المنتخبة أولا
إعادة كرامة المواطنين العراقيين وتمنينا بأن تصان كرامة الإنسان
العراقي وتثبت كمادة أولى في الدستور العراقي الدائم كما هي مثبتة في
الدستور الألماني كأول مادة : كرامة الإنسان مصانة (مقدسة).
وعلى ضوء هذه المادة لا يمكن لأحد أن يعتدي على أي إنسان يعيش في
ألمانيا ، وحتى رجال الشرطة والأمن لا يحق لهم الإعتداء عليه بالضرب
واستعمال القوة ، ولا يحق لهم تفتيش منزله أو إلقاء القبض عليه إلا
بموجب قرار أو أمر قانوني قضائي صادر عن المحكمة . وتبقى كرامة الإنسان
مصانة حتى إذا كان مجرما . وإذا اعتدى عليه أحد أفراد الشرطة أو شتمه
فمن حق المعتدى عليه أن يقيم دعوى ضد الشرطي . وعندما تصدر المحكمة
حكمها يودع المتهم في السجن لقضاء عقوبته حتى انتهائها أو تبدل بدفع
غرامة مالية .
نعيش في ألمانيا أكثر من 35 سنة فلم نشاهد أو نسمع بأن أحدا من
الأشخاص قد اعتدى على غيره بسبب إرتدائه زي أو لباس يختلف عنه أو انه
انتخب الحزب الفلاني بدلا عن الحزب الآخر أو أنه انتقد مستشار ألمانيا
وحكومته أو انه مسلم وغيره مسيحي .
و كما جاء في الحديث النبوي الشريف : الناس سواسية كأسنان المشط .
لقد عانى شعبنا العراقي النبيل بكل طوائفه وقومياته من النظام
البعثي الفاشي المخلوع طوال أربعين سنة تقريبا أشد الويلات والإعتداءات
على كرامة المواطنات العراقيات والمواطنين العراقيين والإعدامات لأسباب
طفيفة وكذلك الإعتداءات على كرامة علمائنا الأعلام وإلقاء القبض عليهم
وإيداعهم في السجون والمعتقلات دون أي سبب مبرر وتعذيبهم وقتلهم أو
تهجيرهم . وهذا حدث بملايين العراقيين طيلة هذا الحكم البغيض .
وبعد تحرير العراق من النظام الدموي البغيض في التاسع من نيسان
المبارك عام 2003 بفضل المواقف البطولية لدولة الكويت الشقيقة
والولايات المتحدة الأمريكية وقوات الحلفاء وبتعاون المعارضة العراقية
، تنفس شعبنا العراقي الصعداء آملا أن تشكل في العراق حكومة ديمقراطية
فيدرالية تعددية تحترم الإنسان العراقي وكرامته بغض النظر عن قوميته
ودينه ومذهبه أولا وتحترم المبادئ والتعاليم الإسلامية السمحاء ثانيا .
لكن الرياح لا تجري بما تشتهي السفن ، إذ تسللت مجموعات إرهابية
أصولية تكفيرية من الحركات الإسلامية المتطرفة كالقاعدة وطالبان
والسلفية والوهابية وأنصار الإسلام وغيرها عبر الحدود الأردنية
والسورية إلى داخل الأراضي العراقية فقامت بعمليات تفجير السيارات
المفخخة الإرهابية أدت إلى مقتل الآلاف من المواطنات العراقيات
والمواطنين العراقيين بصور عشوائية ، ولا زالت تحصد الأبرياء كما حصل
مؤخرا في الحلة الفيحاء والموصل .
إن الشعب العراقي ينتظر بفارغ الصبر تشكيل الحكومة العراقية
المنتخبة لإستلام ملف الأمني في العراق لملاحقة القتلة الإرهابيين
الصداميين والسلفيين العرب وكتابة الدستور العراقي الدائم الذي نتمنى
أن يحمي كرامة وحقوق كل المواطنين العراقيين دون تمييز .
حدثت للأسف الشديد إنتهاكات لكرامة وحرية طلاب وطالبات جامعة البصرة
في رحلة إلى أحد المنتزهات للترفيه عن أنفسهم ، حيث قام بعض الطلاب من
المتدينين بالإعتداء عليهم وضربهم بالعصي والصوندات وإرغام الطالبات
على إرتداء العباءات .
نود هنا أن نعلن أن مثل هذه التجاوزات من قبل الأشخاص على حرية
وكرامة الطالبات والطلاب تشكل خطرا على حرية الإنسان العراقي وتتنافى
مع قانون الإدارة الإنتقالية ولا تخدم الإسلام والمسلمين . فمهما كانت
الجهة المنفذة جمعية أو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو غيرها
، فإنه لا يحق لها الإعتداء علىالمواطن العراقي . لأن الملايين من
أبناء شعبنا العراقي إنتخبت الحكومة العراقية والجمعية الوطنية من أجل
تطبيق الديمقراطية التعددية الفيدرالية وبناء مؤسسات المجتمع المدني
وإنشاء دولة القانون والسلطة الدستورية لحكم البلاد بدلا من أن تنفرد
جماعات متطرفة تحكم وفق ما يطيب لها وتصبح دولة داخل دولة ، كما حدث
ذلك سابقا في النجف الأشرف .
فإذا كان هدفها إصلاح ما أفسده النظام البعثي البائد ، فعليها
إستعمال الأساليب الإنسانية السلمية كالمحاضرات والوعظ لإرشاد وإقناع
الطالبات والطلاب بالتي هي أحسن وليس بالضرب بالعصي والصوندات وغيرها .
إن مثل هذه الأساليب مرفوضة وهي لا تختلف عن ديكتاتورية نظام البعث
المخلوع واستهتار عم الطاغية المقبور خير الله طلفاح عندما أمر بصبغ
سيقان البنات والنساء السافرات وقص شعر كل شاب شعره طويل وتوقيفه في
السجن .
ذات يوم أوقفت شرطة النظام بنت وزير الدفاع البعثي صالح مهدي عماش
وصبغت سيقانها ثم اقتيدت إلى السجن . وبعد اتصالها بوالدها قامت
القيامة وألغي أمر الطاغية خير الله طلفاح .
أن العراق بلاد الحضارات متعدد القوميات والأديان الإسلامية وغير
الإسلامية ، فإذا أردنا أن نعيش بوئام وسلام دائمين فعلينا إحترام
الحريات الشخصية وكرامة الجميع ، فلا يحق لنا نحن المسلمين أن نسيطر
على الآخرين ونجبرهم على إرتداء العباءات والصلاة أو عدم شرب الخمر
وغير ذلك من الأمور الشخصية الخاصة . فلا إكراه في الدين .
العبادة لله عز وجل ، ومن يريد أن يصلي ويعبد ربه الكريم فليتفضل
ومن تريد لبس العباءة فخير على خير ومن لا تريد فهذا أمر يخصها شخصيا .
إضافة إلى ذلك فإن كل مواطن عراقي يجب أن تصان كرامته من قبل
الدستور العراقي الدائم ، ولا يحق لأحد العبث بحرية المواطن والإعتداء
عليه .
ومجمل القول لا نريد أن تطبق في العراق أساليب المملكة العربية
السعودية وإيران في تضييق الخناق على الحريات الشخصية ومس كرامة
المواطنين والتدخل في حياتهم اليومية الخاصة . لأن الضغط يولد الإنفجار
وربما التطرف والإنحراف الأخلاقي .
الشعب العراقي النبيل بأمس الحاجة اليوم قبل أي وقت مضى إلى الرعاية
والعطف وإعادة كرامته وتأهيله ورفع معنوياته وتعويضه بما لحق به من
خسائر مادية وأضرار معنوية نتيجة للممارسات القمعية والإرهاب والتعذيب
والتهجير التي اقترفها نظام البعث الفاشي المخلوع طوال أكثر من 35 سنة
.
لذا نرجو من الحكومة المنتخبة والجمعية الوطنية العراقية تخويل فقط
الجهات القانونية لمعالجة القضايا التي تمس تقاليد وعادات المجتمع
العراقي وفق القانون والقضاء والعدالة وليس باستعمال أساليب العنف
والإعتداء على كرامة وحرية المواطنين العراقيين . وأن تقوم لجنة كتابة
الدستور الدائم التركيز على عدم المساس بكرامة الإنسان العراقي وتضييق
الخناق على حريته الشخصية وتثبيتها في مواد الدستور العراقي الدائم
ومعاقبة كل من يخالف القانون بحزم ، لكي يعيش كل العراقيين بغض النظر
عن دياناتهم ومعتقداتهم وقومياتهم ومذاهبهم بأمان وسلام ، والله ولي
التوفيق .
ماربورغ في 20 / 3 / 2005
adnan_al_toma@hotmail.com |