إطلاق تسمية (عصر الشعوب) على هذه المرحلة التاريخية من حياة
البشرية فيه من اللغط ما يمكن ربطه بكون الفراغ السياسي الممكن أن يبرز
بهذا البلد أو ذاك بمجرد منح أي شعب حقه الثابت في التمتع بحريته
واستقلاله وسيادته.
فبسبب الإرث السياسي التخريبي الثقيل الذي أنزرع في تراكيب النفوس
التي أخذت توجهاتها الهلامية المحيرة كيف سيمكن تصور الأوضاع الجديدة
الممكن اعتمادها في مرحلة اضمحلال الحكومات الجائرة أو المستبدة
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو: من وما هو البديل الأفضل عن الأوضاع
السائدة؟ وهل يكفي أن يُقال أن هذا هو عصر الشعوب بوقت تتعرض له الشعوب
إلى الهزائم الكبرى أمام ناسها قبل الأغراب المحتمل أن يحكموا الشعوب
الأخرى (بالتلفون).
واليوم حيث يرتفع مصطلح (بداية عصر الشعوب) فإن أحد معانيه هو
محاكمة هذه الشعوب لجلاديها والمفروض بطبيعة الحال أن يشمل ذلك حتى
أعدائها والموضوع هنا لم يعد يحتمل على تجزيئي الأعداء بين جيد وسيء
فمعظم شعوب الأرض مغزية في عقور دورها أما بواسطة قوة العسكرتاريا
الأجنبية أو المحلية أو الإقليمية أو تتحكم بها التبعية لصالح جهة
دولية معلنة أم لا.
و(الفراغ السياسي) الذي طالما أتخذ حجة لما يتركه من آثار مدمرة لا
محالة فإن دور الشعوب وطلائعها السياسية الخيرة أمست غير معتبرة
فالشعوب بشكل عام قد صارت ماقتة للسياسة وأطروحاتها بعد أن انهزمت في
معاركها كل القوى التي كانت تعرّف نفسها على كونها قوى الخير والسعادة
والرفاه.
ومما لا يمكن التردد في قوله أن الأحداث الرهيبة التي تعصف بمعظم
بلدان العالم النامي هي في صالح الغرب الذي يمكن اعتباره المستفيد
الأول والأخير من كل ما يجري من مآسي وممن تجري على الشعوب النامية إذ
من المعلوم أن هذا الغرب تخلو مجتمعاته المتوفر لها كل شيء من خيرات
البلدان النامية أضحت حكومات الغرب يعتب الشعوب غير الغربية وتوّجه لها
تهمة التخلف السياسي في ذات الوقت المعروف فيه سبب هذا التخلف النوعي.
إن ضربات قاصمة قد وجهت للشعوب إبان عقود القرن العشرين المنصرم
وهذه حقيقة لا يمكن التهرب منها فقد امتازت معظم تلك السنين بمعاناة
شديدة يصعب أحياناً حتى تخيل ما حدث خلالها من عمليات إبادة وتشريد
وقتل على الجانب الأكبر من مؤامرات وحروب واليوم فإن الغباء السياسي
المطبق أن تصدق (أطروحة عصر الشعوب) ما لم يثبت الغرب الذي أضحى القطب
الدولي الحاكم الوحيد أو يكاد أن يكون كذلك إلى إثبات أن تغيير سياسته
وانتهاج مرحلة جديدة لصالح السياسات المتكافئة مع الشعوب الأخرى ينبغي
أن تثبت على المحكات. |