في كل صلاة جمعة في طهران وسائر المدن الإيرانية تنطلق هذه العبارة
النارية (الموت لأمريكا)،
بينما خطيب الجمعة يعرج في إحدى خطبتيه أو كلتيهما على الشأن
السياسي..(الموت) دعوة بالفناء والثبور لا تصلح إلا لتسميم العلاقات
بين الناس العاديين، فضلا عن الدول، وهي تشير كذلك إلى وصول العلاقة
بين الداعي بالموت والمدعي عليه إلى الحد الذي جعل الداعي يتمنى الموت
لخصمه، والمفارقة أن الرئيس الإيراني محمد خاتمي انتقد هذه الدعوة في
إحدى لقاءا ته الشعبية وطالب من الحضور، وبالطبع من الإيرانيين عموما
ان يرفعوا أصواتهم عاليا لتمجيد الحياة والجمال، كأن يقولوا الحياة
لإيران، ولتعش إيران.. وهي دعوة لا تعني بالضرورة أن يموت الآخرون
مقابل حياة إيران والإيرانيين، ولكنها تعني أيضا أن الإيرانيين يردون
على من يتطاول على بلادهم ولكن بطريقة متحضرة تلائم أخلاقيات عصرنا
الحالي..
لم تكن شعارات الفناء هي الطابع الوحيد الذي اتسمت به ردة الفعل
الإيرانية على ما تطرحه الإدارة الأمريكية ضد إيران، فربما لم تزل
الطرقات تحتفظ ببقايا نقوش العلم الأمريكي قرب (مصلى قدس) في مدينة قم
الإيرانية، ومركز الحوزة العلمية الدينية فيها.. كانت الفكرة أن يداس
العلم الأمريكي بأحذية المارة. بالطبع أن العلم الأمريكي يمثل دولة
مترامية الأطراف، فيها المسلم والمسيحي واليهودي. وفيها العربي وغير
العربي من الأقليات . وفيها المعارض إلى جانب المؤيد لخطاب الإدارة
الأمريكية ضد إيران، كما أن الدعوة بالفناء على أمريكا تحمل ذات
الإشكالية، التي حملها الشعار الداعي بالموت على أمريكا،فإذا كان لا بد
من شعارات كهذه فلنقل..( الموت للإدارة الأمريكية) أو( الموت لبوش)
مثلا .. وفي مقابل الدعوات الإيرانية هذه، وبحيادية مطلقة لم نسمع أن
تظاهرة أمريكية خرجت إلى الشوارع توزع الموت على الإيرانيين، ولم نر
أيضا أن العلم الإيراني كان يوما منقوشا على بعض شوارع أمريكا ليداس
بأقدام المارة.. نعم سمعنا الإدارات الأمريكية المتعاقبة تهدد إيران
وتتوعدها وتتهمها بدعم الإرهاب والتدخل في شؤون الآخرين، وكان بإمكان
الحكومة الإسلامية في إيران أن ترد على هذه التهم والافتراءات بطريقة
متحضرة تلائم الحضارة الإيرانية العظيمة، وتناسب الدور الإسلامي الكبير
الذي عكسته إيران طوال السنوات الماضية من عمرها الذي نتمنى له كمسلمين
أن يكون مديدا ومعافى، كما لا يليق بإيران التي أعطت طوال السنوات
الماضية نموذجا رائعا إلى حد كبير للدولة الإسلامية العصرية، في مقابل
النموذج الإسلامي المتخلف الذي مثلته حركة طالبان وتنظيم القاعدة..
وربما الأهم في هذا الموضوع أننا لم ندرك بعد في عالمنا الإسلامي
عموما أن العالم قد تغير وأن قيم المجتمعات الأوربية قد تطورت، فهناك
اليوم منطق معقول يسود الأوساط الاجتماعية في الغرب عموما.. لايهمنا ما
يصدر عن الساسة والإعلاميين المؤدلجين هناك، ولكن لننظر إلى أخلاقيات
المجتمع الغربي أو المجتمعات الغربية.. هناك منطق وخطاب فيه الكثير من
الشفافية والمعقولية يسود أوساط الناس، وكلما كنا كمسلمين قادرين على
التعاطي مع هذه القيم بطريقة تتفق معها في المضمون الإنساني كان لنا أن
نؤثر في المجتمعات تلك، ولا يهم بعدها كم أثرنا بالحكومات هناك.. للأسف
الشديد لا زلنا نرى الغرب كله واحد.. ونرى الحكومات والشعوب هناك قطعة
واحدة، كما الأمر عندنا في الشرق وعموم العالم الإسلامي وهو الأمر الذي
أفقدنا كثيرا من قدرات التأثير في الآخرين، فحين نضع الغرب كله أو
أمريكا كلها في خانة العدو الأول فهناك خلل ما في خطابنا السياسي
والإعلامي، وهذه بعض أخطائنا التي لا تقتصر على الجمهورية الإسلامية في
إيران، فجماعات قطع الرؤوس أعطت صورة سيئة للإسلام وشوهته بدرجة كبيرة،
ولنتصور لو أن مسيحيا قطع رأس مسلم على مرأى ومسمع من العالم، أو أنه
قطع رؤس مواطنيه المسيحيين.. ماذا ستكون ردة فعلنا؟.. حتما سنقول أن
المسيحيين يقطعون الرؤوس ويكتب بعضنا المقالات الطوال في ذم هذه الحالة،
ولكن ما نجده في الخطاب الغربي مما يجري في العالم، هو عكس ذلك، وإن
وردت إشارات في هذا الشأن، ولكن لم يقل أحد من المسؤولين أن المسلميين
كلهم إرهابيين، بل ما سمعناه من بعض الساسة هناك أنهم قالوا أن الإرهاب
لادين له، وهذا توصيف حضاري مقبول للأعمال البشعة التي صدرت عن مسلمين.
..
إن خطابنا تجاه الآخر فيه استعداء وتحامل على الآخر، وهو ما يضيق من
القيمة الحضارية لهذا الخطاب ويحجزه في خانة ضيقة لا تتيح له التأثير
فيه.. |