يحاول العرب والمسلمون بخاصة ودول العالم الثالث بعامة تجاوز عهود
الاستبداد وغياب الحرية والديمقراطية وحكم الفرد، وتسعى الحكومات الى
إدخال إصلاحات في سياساته الداخلية والخارجية، بعد تلقي ضغوط من قبل
الإدارة الأميركية والغربية نحو تغيير سياساتها تجاه الشعوب، وأن تركز
على حرية الرأي والتعبير والتعدد السياسي أو الحزبي.
بعض الدول حتى الآن لم يبدأ في الإصلاح الديمقراطي الحقيقي، وأصحاب
السلطة هم أنفسهم، وهم ذات طبيعة مقاومة للتغيير الديمقراطي، بل تجاهل
هذا البعض الحريات البسيطة مثل حرية التفكير والتعبير.
ولا شك ان من مسؤولية الحاكم أن يحمي الأمة ويحافظ على وحدتها بكل
الصور، لكن غياب الحرية وشيوع الاستبداد هما من الاسباب الرئيسة وراء
تخلف العرب والمسلمين وعموم شعوب العالم الثالث، بخاصة وان الشعب
العربي لم تكن لديه حرية اختيار نظامه السياسي، وهو ما أصاب المنطقة
بخيبة أمل وفي قياداته وأحزابه السياسية التي غرقت بعضها في وحل
الفساد.
إن نظام الحكم الفردي يضمن بقاء الحاكم واستمراره في الحكم، وهو
قادر على أن يناهض أي فكر سياسي ديمقراطي في الديمقراطيات الشكلية، وفي
بعض الديمقراطيات الشكلية في أيام الانتخابات يمنعون الصحافيين من نقل
مجريات الانتخابات مباشرةً، وفي بعض الأحيان يحرم الصحافي أو الكاتب من
الكتابة وتغلق المجلات الثقافية والفكرية. فليس من المعقول أن يفوز
رئيس دولة بنسبة مئة بالمئمة من الأصوات حتى اصبح الرقم .99٩٩ بالمئة
السمة العامة لمعظم الديمقراطيات الشكلية.
والحقيقة أن الحاكم الناجح هو الذي ينافس المجتمع والمعارضة السلمية
من خلال السماح بتكوين منظمات المجتمع المدني والاحزاب الحرة والنقابات
المهنية المستقلة لا أن يستقطب المزيد من الأفراد للعمل في الأجهزة
السرية والمخابراتية.
إن الدخول في عملية الإصلاح الديمقراطي باعتبارها بديلة عن التخلف
في مرحلة الاستبداد، هي ليست تغييراً جذرياً أو ثورياً بل هي مرحلة
انتقالية تخدم البلد والحاكم، ومرحلة الإصلاح الديمقراطي في المنطقة لن
تصل إلى حد الاحتقان السياسي والاجتماعي بل تؤدي إلى انفراج يبشّر
بالخير.
إن معظم دول المنطقة في الشرق الأوسط لم تكن تقبل بأي مشاركة
ديمقراطية حقيقية، بل تكرس السلطات كلها بيد الأسرة الحاكمة، وبعد ظهور
الضغوطات من قبل الإدارة الأميركية والأوروبية، بدأوا يبدون تخوفاً من
خسارة السلطة، وراحوا يتحركون قليلاً نحو الإصلاح والديمقراطية
والحرية. أي إذا لم تكن هناك ضغوطات أميركية أو أوروبية في الآونة
الأخيرة، لكان الأمر في بعض الدول التي شهدت تغيراً بعد عقود من
الطغيان والاستبداد، على حاله، ولبقي الرئيس يحكم لآخر أنفاسه مخلفاً
الرئاسة لأبنائه وأحفاده.
فالحكومة المستقرة الراشدة هي التي يشرك حاكمها شعبه في السلطة وأن
لا يكون الحكم محصوراً على الأسرة الحاكمة، وأن يطلق الحريات لشعبه في
أن يختاروا حاكمهم وأن ينتخبوا نوابهم بكل حرية، وأن يتقبل الحاكم رأي
المعارضة والدخول في الحوار معها على أساس الديمقراطية وحرية الرأي
والفكر، وليس باللجوء إلى مهاجمتهم وإدخالهم المعتقلات والسجون أو
مضايقة المعارضة وقياداتها وتهميش فكرها، فالمعارضة ليس من جنس آخر
آتياً من الفضاء الخارجي، فهم من الشعب نفسه ويحملون همومه.
إن ممارسة الديمقراطية في المنطقة ككل تكون من خلال إعطاء فسحة من
حرية الفكر بعيداً عن رقابة الرقيب وزوار الليل، فالأزمة هي في مشكلة
الحكم وغياب الإصلاحات الديمقراطية وحرية التعبير وعدم الالتزام بحقوق
الإنسان.
إن ما حصل في العراق هو نموذج ربما سينسحب الى دول أخرى إن لم تبادر
الحكومات إلى احترام حقوق الإنسان وإجراء إصلاحات سياسية ومحاربة
الفساد، فهو المخرج السليم للعديد من الحكومات الشمولية للخروج من
أزمتها الحالية ومكاشفة المجتمع وتحقيق الحريات ومبدأ المساواة لمنع أي
تدخل خارجي كما حصل في العراق.
* لندن
salahmazaj1@hotmail.com |