إن من أهم المسائل المتداولة والتي بها يوازن مدى تقدم وتطور البلاد
هي التنمية حيث السؤال المحير فيها ما الذي يجعل بعض الدول فقيرة
ومتخلفة، بينما البعض الآخر أكثر غنىً وتقدماً؟
وأغلب الأسباب التي ذكرها العلماء واهية كقلة الموارد والإمكانات،
إلى ظروف الطقس، إلى حتمية الجينات التي تعلي من شأن جنس على الآخر،
وصولاً إلى آخر النظريات التي ترى أن تنمية التخلف يعود بالدرجة الأولى
إلى العوامل الثقافية، أو بالأحرى افتقاد (رأس المال الثقافي) وهو
منظور جديد ومهم يعيد الكرة على ملعب الدول المتخلفة، التي استنامت
طويلاً تحت أعذار وتبريرات مريحة، ترجع أسباب هذا التخلف إلى عوامل
تاريخية وخارجية مفروضة عليها، لنكتشف أن السبب الرئيسي هو افتقاد هذه
الدول إلى إرادة البقاء والتقدم.
لقد ساعدت الثقافة العربية في دفع الحضارة الغربية في بداية عهد
التنوير نحو التوازن والعقلانية، حين كانت الحضارة الغربية تسعى نحو
إحلال السلطة والسيادة الدينية محل العقلانية، وساعدت الحضارة
الإسلامية في إدخال التفكير العلمي والسببية في الفكر الغربي.
بعد ذلك حين بدأ الاحتكاك المباشر بين الحضارة العربية والإسلامية
وبين الحضارة الغربية من خلال الأندلس وصقيلية وبيزنطة والحروب
الصليبية، وكذلك عن طريق الترجمة للنصوص الإسلامية واليونانية من اللغة
العربية إلى اللغة اللاتينية. وعن طريق الدراسة والتدريس في الجامعات
الأوروبية والعربية، ثم تبعتها مرحلة الاهتمام بالثقافة الإسلامية من
قبل الغرب في مرحلة الصراع العسكري الذي قاده العثمانيون على أطراف
أوروبا الشرقية وما تلاها من ظهور مرحلة الاستشراق كتمهيد لمرحلة الغزو
الاستعماري للمنطقة العربية، وبخاصة حملة نابليون على مصر والحملات
التبشيرية في المنطقة العربية، ومحاولة استقطاب الأقليات غير المسلمة
في المجتمع العربي الإسلامي، وقد نتج من هذه المرحلة صعود الاتجاهات
العربية للتصدي للوجود الاستعماري في المنطقة، وبروز حركة النهضة
العربية ومحاولات مقاومة الهيمنة الغربية على الثقافة العربية
الإسلامية بشتى صورها.
فأين نحن اليوم من كل هذا؟
يمكننا الإجابة بأنه كان ذاك عندما كنّا خير أمة أخرجت للناس...
كان ذاك عندما لم تنبذ كتاب الله وراء ظهوركم لتشتروا به ثمناً
قليلاً..
كان ذاك عندما تذكرنا قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فإذا
التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم، فعليكم بالقرآن، فإنه شافع مشفع
وما حل مصدّق من جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه إلى
النار، وهو الدليل يدل على خير سبيل، وهو كتاب تفصيل، وبيان وتحصيل وهو
الفصل ليس بالهزل، وله ظهر وبطن، فظاهره حكمة وباطنه علم، ظاهره أنيق
وباطنه عميق، له نجوم، وعلى نجومه نجوم، لا تحصى عجائبه ولا تبلى
غرائبه، فيه مصابيح الهدى، ومنازل الحكمة، ودليل على المعروف لمن عرفه،
كان ذاك عندما بقي لديكم باقية من أقوال أمير المؤمنين (عليه السلام)
عليكم بكتاب الله فإنه الحبل المتين، والنور المبين، والشفاء النافع،
والريّ الناقع، والعصمة للمتمسك والنجاة للمتعلق، لا يعوّج فيقوّم، ولا
يزيغ فيستعتب، ولا تخلقه كثرة الرد، وولوج السمع من قال به صُدّق، ومن
عمل به سبق.
وقال عليه السلام أيضاً أرسله على حين فترة من الرسل، وطول هجعة من
الأمم، وانتقاض من المبرم فجاءهم بتصديق الذي بين يديه، والنور المقتدى
به، ذلك القرآن فاستنطقوه، ولن ينطق ولكن أخبركم عنه، ألا إن فيه عِلم
ما يأتي، والحديث عن الماضي، ودواء رائكم ونظم ما بينكم.
لأن القرآن غنىً لا غنى دونه، ولا فقر بعده.
ومن أراد علم الأولين والآخرين فليقرء القرآن.
مع كل هذه الإمكانات والموارد والدين القويم والثقافة الإسلامية
العالية لم نتمكن من الحد من تنمية تخلفنا وذاك عندما أصبحنا من مصاديق
الحديث الشريف:
وكل أمة قد رفع الله عنهم علم الكتاب حين نبذوه وولاهم عدوهم حين
تولوه، وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرّفوا حدوده، فهم
يروونه ولا يرعونه، والجُهال يعجبهم حفظهم للرواية والعلماء يحزنهم
تركهم للرعاية. |