بعد تشكيل مجلس الحكم السابق رفضت الجامعة العربية الاعتراف به بحجة
أنه تشكل تحت ظل الاحتلال، ثم بعد ذلك اعترفت الجامعة العربية التي
تقودها مصر بمجلس الحكم، ولكن بحجة أن هناك أصوات عراقية تريد سلخ
العراق من محيطه العربي، ومن أجل منع هذه الأصوات من الوصول إلى
أهدافها قررت الجامعة العربية الاعتراف بمجلس الحكم حسبما صرح به وقتها
أحمد ماهر وزير خارجية مصر.. ليس هذا هو المقصود الأهم من هذا المقال،
ولكن موقف الجامعة هذا صرنا نراه في كل تعاط لها مع الشأن العراقي، ومع
الشعب العراقي..
حين سقط صدام، وحتى قبل سقوطه كان العراقيون يعتبون على محيطهم
العربي، أو عمقهم العربي حسب تعبير القوميين العرب، لأن هذا المحيط لم
يكن ناصحا ومساندا لجزء مهم من الأمة العربية، فلم تسجل الجامعة
العربية أي موقف لمناصرة العراقيين وهم يدفنون جموعا وفرادا في مقابر
صدام الجماعية.. لم يندد ولا حاكم عربي واحد بإعدام علماء العراق
ومطاردته كفاءاته ومثقفيه وزجهم بالمقابر والسجون أو في المنافي القصية..
هذا هو الدافع الوحيد وراء عتب العراقيين على العرب، وهذا هو وحده وراء
مطالبة بعض العراقيين بأن يكون العراق أمة لوحده..
المفارقة الغريبة في الموقف العربي أن عاقلا من حكامه لم يسع لترميم
الفتق بين العراقيين وأبناء عمومتهم، بل العكس هو الذي حصل.. صار
الإعلام العربي وبعض الحكام العرب يشككون بعروبة طائفة كبيرة من
العراقيين ويتهمونها بالعمالة لإيران، ويدعمون اتهامهم هذا بحجة أن
أحزاب هذه الطائفة وقادتها السياسيين اتخذوا من إيران مقرات لهم أيام
المعارضة..
طيب.. حين أوصدت كل الأبواب العربية بوجه العراقيين لم يكن أمامهم
إلا أن يبحثوا عن وطن بديل، وإيران والدول الغربية هي وحدها التي سمحت
للعراقيين أن يعيشوا على أراضيها بحرية ودون مضايقات، فماذا كان ينتظر
العرب من العراقيين.. هل يرفضون الإقامة في دول أخرى ويعودا لصدام كي
يعدمهم ليثبتوا للعرب أنهم عروبيون؟!..
لماذا لم يثبت العرب إذن أنهم عروبيون ويقفوا مع أشقائهم في العراق..
ـ هذا إن كانوا يشعرون أنهم أشقاؤهم ـ.. مفارقات عجيبة غريبة تتجمع في
سماء علاقة العراق بالدول العربية.. وحين نتطرق لها من وقت لآخر فليس
من باب تأجيج المشاعر أو إثارة الكراهية بل من أجل أن يعي العراقيون
حقيقة الموقف العربي ودوافعه.. منذ أكثر من عام والعراقيون يقتلون
ببشاعة والقتلة هم مجاميع من المرتزقة العرب الذين اشتروا مجاميع من
العراقيين.. العرب يدفعون شقاواتهم والفاشلين في بلدانهم لينتحروا
بالعراقيين باسم الجهاد.. أناس يعاقرون الخمرة ويمارسون الزنا واللواط
ويتقاضون الأجور عن جرائم القتل والاغتصاب وتصر الفضائيات العربية
والمثقفون العرب على نعتهم بالمقاومة..
المئات من العراقيين يقتلون بينما الحكام العرب والمؤسسات العربية
تغط في صمت طويل وكأنها فرحة مسرورة بما يجري.. لم يندد أحد.. لم
يستنكر المجازر التي حدثت في الحلة وفي كربلاء.. ولكن بعضهم شارك في
مجالس العزاء التي أقيمت على روح الأميرة ديانا المقتولة على يد
المخابرات البريطانية لعلاقتها بأحد الرجال العرب..
زعموا أن الديمقراطية خيار أمريكي وأقاموا الدنيا ولم يقعدوها على
العراقيين وأرادوا أن يرفض العراقيون كل ما يعجب الإدارة الأمريكية،
لأن هذه الأخيرة لا تفكر إلا بمصالحها، ولم يسمعوا للعراقيين الذين
قالوا لهم أن الديمقراطية خيارنا منذ عشرات السنين.. وحدثت الانتخابات
وشارك فيها ملايين العراقيين وبهت الذين كفروا بالديمقراطية العراقية..
وشاء الله أن يحدث ما حدث في لبنان ليكشف العورة العربية مرة أخرى..
قتل السيد رفيق الحريري، فهجم اللبنانيون على سوريا واتهموها بالوقوف
وراء قتله، وسارعت أمريكا لركوب الموجة وطلبت من سوريا أن ترحل من
لبنان، وهددت إدارة بوش بمزيد من العقوبات والضغوط على سوريا إن لم
تنسحب من لبنان.. وتشاء الأقدار أن يكون وليد جنبلاط على رأس المهاجمين
لسوريا والمتبنين لخيار انسحابها الفوري.. لم يقل جنبلاط أنه تراجع عن
دعوته الجيش السوري لأن أمريكا طلبت ذلك رغم أنه هاجم العراقيين مرارا
واتهمهم بالدوران في الفلك الأمريكي.. لم يقل الإعلام العربي الذي
يهاجم العراقيين ليل نهار أن المعارضة اللبنانية تبنت الخيار الأمريكي..
كل الأطراف الإعلامية والرسمية كانت بمنتهى الحكمة والهدوء وهي تتعاطى
مع الملف اللبناني.. وكثير من الدول اعتبرت الشأن داخليا.. حتى السيد
حسن نصر الله الذي اعتدنا منه على الخطب النارية التي هاجم فيها
العراقيين كان هادئا هذه المرة ويدعو للحوار الداخلي.. يا إلهي.. كم
مكيال لديكم أيها الأشقاء الأعداء.. حين يتعلق الأمر بالعراق فحتى
أطفالكم ومتهوريكم وأشقياؤكم يباح لهم التدخل في شؤوننا، ولكن مع غير
العراق هناك ضوابط واصول ورسميات.. ولكن هذه المواقف المخزية جعلت
العراقيين أكثر قدرة على تحديد المسار الذي يخدم بلدهم، ولتذهب إلى
الجحيم كل الشعارات القومية الفارغة التي هي امتداد لشعارات الجاهلية
والقبلية البغيضة..
ملاحظة: ماذا لو كانت عقيلة أحد
المسؤولين العراقيين قد دعت نائب وزير التربية الاسرائيلي وصافحته
واصطحبته في جولة في شوارع الدوحة.. عفوا في شوارع بغداد.. ما هو موقف
الاعلام العربي في حينها.. يمكن للقراء الكرام أن يقفوا على الموقف
العربي من خلال القياس على موقف الأشقاء من أغنية (البرتقالة)!! |