لايبدو لنا جميعاً انه امر مستغرب في حالات الفوبيا ، فالكثير من
النساء خصوصاً اظهرن تخوفا من الفئران او القطط او السلاحف الزاحفة على
جدران الغرف داخل المنزل او حتى الصراصير ، ويرى علماء النفس ان رهاب
الحيوان يكثر في الخوف من الكلاب والجياد والقطط وهي اكثر موضوعات
الرهاب شيوعاً وتثير المخاوف لدى الاطفال وكذلك الحيوانات الزاحفة
الصغيرة او العناكب او الافاعي مشاعر غير طبيعية احياناً .
ان كلمة (الفوبيا) ذات اصل يوناني وهي مشتقة من لفظة (فوبوس
Phobos)وتعني الفزع او الرعب او الخوف الذي يدفع الى الهرب . كان عالم
النفس الشهير سيجموند فرويد اول من انتبه الى الطابع النفسي الخفي لهذه
الحالة وحالات الفوبيا الاخرى مثل فوبيا"رهاب" الطريق ورهاب الاماكن
الفسيحة ورهاب الاماكن العالية ورهاب الاماكن الضيقة ورهاب الاماكن
المظلمة ورهاب ركوب الطائرة او القطار ورهاب الامتحانات واعتقد ومعه
المحليين النفسيين ان جميع حالات الرهاب هذه تربطها ارضاً مشتركة تتمثل
في اسقاط الخطر الداخلي الى الخارج ويربطه بموقف او بموضوع معين ، ففي
رهاب الحيوان يختار حيوان مناسب ليجسد الخطر .
يقول د. احمد عكاشة ان استجابة الخوف هي حيلة دفاعية لاشعورية يحاول
المريض اثناءها عزل القلق الناشئ من فكرة او موضوع او موقف معين في
حياته اليومية وتحويله لفكرة او موضوع او موقف رمزي ليس له علاقة
مباشرة بالسبب الاصلي ومن هنا ينشأ الخوف الذي يعلم المريض عدم جدواه ،
وانه لا يوجد اي خطر عليه من تعرضه لهذا المنبه وعلى الرغم من معرفته
التامة لذلك الاانه لا يستطيع التحكم او السيطرة على هذا الخوف والذي
يمثل الخوف من شئ آخر داخله يعبر عنه بهذا الخوف الخارجي ، ومن ثم لا
يواجه الصراع الداخلي بنفسه ويحوله الى مواقف خارجية رمزية . ان
الاعراض المصاحبة للفوبيا "الرهاب"بانواعها تتراوح بين الشدة والاعتدال
واهمها ظهور التعرق الشديد والغزير كذلك الاغماء والاجهاد الواضح على
الوجه والجسم واحيان يكون الشعور بالغثيان والتقيؤ ، فضلا عن تسارع
ضربات القلب مع ارتجاف الاطراف ويظهر لدى البعض من الاشخاص الذين
يعانون من الفوبيا الشعور بغصة في الحلق وصعوبة في البلع .
ان علماء النفس عرفوا الفوبيا بانها خوف فجائي مفرط من موضوع معين
او موقف معين يقابل بالاحجام المستمر، والشخص الذي يعاني من هذا
الاضطراب يعرف تمام المعرفة ان خوفه هذا لا يتناسب مع الخطر الذي
يستشعره ولكنه لا يستطيع السيطرة على هذه المشاعر التي ذكرناها
والاعراض التي وصفناها ، فالبعض يعاني من الرهاب حتى يصل به الامر لان
يفقد السيطرة على نفسه احيانا وهي الحالات الشديدة من الفوبيا ، وتعد
المواقف التي تحدث الاضطراب مثيرات متنوعة وعديدة ترتبط بالمواقف
النفسية التي ادركها في نفسه ، فالخوف من الاماكن الشاهقة والاماكن
المغلقة والزحام او الوحدة او الخوف المرضي من العواصف او رؤية الدم او
الجراثيم او الثعابين او الحيوانات الاليفة او رهاب البرق والرعد او
الرهاب الاجتماعي او فوبيا حقن الابرة او رهاب الموت ، ما هي الا
تعبيرات نفسية لها ردود افعال مزاجية مرتبطة بالقلق والخوف ثم تتحول لا
شعورياً من موقف مثير للقلق الى حالات مرضية .
ان الفوبيا بانواعها تبدأ في مرحلة الطفولة اومرحلة المراهقة وتزداد
بالتدريج مع نمو الطفل وربما تزول ولكن بعض الحالات تستمر مع الشخص الى
سن النضج والرشد والبعض منها يختفي ويزول مدة من الزمن ليعود من جديد
على حالته الاولى او بشكل مختلف عن الحالة الاولى وبصورة محرفة عنها
بشكل جديد . وربما ظهوره لا يكون بسبب حالة او موقف ، وانما تلقائياً ،
اوقد يكون رد فعل لظروف متعددة تساهم بعضها في بعث حالة الفوبيا من
جديد ..
يقول علماء النفس ان بعض حالات الرهاب قد تزول لتحل محلها حالة
نفسية اخرى مثل القلق المرضي الدائم او الاكتئاب او غيرها من الحالات
المرضية ، ويعتقد علماء التحليل النفسي في تفسير هذا الظهور بانه وسيلة
من وسائل الدفاع النفسي ، فأذا ما زال هذا الدفاع لسبب من الاسباب عادت
الحالة النفسية للاتزان وذلك عن طريق تحويل الطاقة الدفاعية الى حالة
مرضية اخرى تخدم نفس الغرض الذي وجدت من اجله ، ويعتقد البعض من علماء
النفس ان حالات الرهاب البسيط غير المتمركز تزول نهائياً مع مرور الزمن
، الا اذا ظلت فكرتها تراود الفرد بين حين وآخر وتشغل تفكيره فأنها سوف
تكون عامل مرضي يؤدي الى تدهور الحالة الصحية كما هو الحال هنا في
الدول الاسكندنافية ، حيث ينتشر الرهاب الاجتماعي وخصوصا في السويد
بسبب العزلة الدائمة وعدم الاختلاط والتفاعل الاجتماعي بين افراد
المجتمع السويدي فضلا عن الشتاء الطويل والقارص الذي يضطر الكثير من
الناس لان يظلوا في سكنهم لمدة طويلة او يقضوا حاجاتهم من مراكز التسوق
ويعودوا ثانية الى دورهم .
ان استجابة المخاوف المرضية "الفوبيا" الرهاب عموماً تنحصر في :
- انها استجابة غير متناسبة اطلاقاً مع الموقف .
- من الصعب تفسيرها بشكل منطقي .
- من الصعب التحكم فيها ارادياً .
- تؤدي دائما الى الهروب من الموقف الضاغط والمواجهة وتجنب الموقف
المخيف .
هذه الحالات واعراضها واستجاباتها تقدم لنا الاجابة الكاملة لما
يدور في داخلنا وما نعيشه في وهم احياناً او حقيقة في احيان اخرى ولكن
يظل الرهاب يتراوح من مواقف شديدة مثل الخوف من الاقتراب من الحيوانات
والاماكن المرتفعة ، الرعد ، الظلام ، ركوب الطائرة الى حالات اقل شدة
مثل التبول او التبرز في مراحيض عامة ، او الخوف من مأكولات بعينها ،
او منظر الدم او الجروح او الخوف من التعرض لامراض معينة بالرغم من ان
الموقف المثير محدود ، الا ان التعرض له قد يثير رعباً كما هو الحال في
الرهاب الاجتماعي او رهاب الاماكن الفسيحة ، وبامكاننا القول ان
الفوبيا "الرهاب" قد تستمر عقود من الزمن في حياة الفرد ولكن يستطيع ان
يتجنب الموقف الرهابي وخصوصاً الموضوعات الشائعة من الرهاب مثل الخوف
من التلوث البيئي او العدوى المرضية او الاصابة بالامراض التناسلية او
نقص المناعة المكتسبة "الايدز" في حضارتنا المعاصرة التي جلبت معها
مخاوف جديدة لم تكن معروفة سابقاً .
*السويد- استاذ جامعي وباحث سيكولوجي
elemara_32@hotmail.com |