يوم
كان للاتحاد السوفيتي وجود على هذه الأرض، كانت الإمبريالية تعني
للكثيرين الشيء الكثير. لكن مع زواله أصبحت الكلمة ذاتها أقل دلالة
واستخداماً، على رغم أنها تكاد تكون أكثر انطباقاً على وصف سياسة
الولايات المتحدة الحالية.
لكن
بدا أن عقد التسعينات وما حمله من تغييرات بنيوية على صعيد الخريطة
الدولية والفكرية والثقافية، كانهيار دول المنظومة الاشتراكية وسقوط
جدار برلين وبروز الرأسمالية كأفق اقتصادي ناجح وحيد، والانتصار الساحق
لفكرة الديموقراطية السياسية بالنسبة إلى معظم الثقافات والحضارات،
وتصاعد العولمة بميكانزماتها التقنية والإعلامية كوجهة كونية، كل ذلك
ترك بصماته على صعيد الأفكار، إذ بات الجميع في حاجة إلى مراجعة نقدية
بدت مصيرية بالنسبة إلى الفكر الماركسي تحديداً الذي راهن على نموذج
الاتحاد السوفياتي بديلاً حقيقياً ووحيداً للقطب الأمريكي الإمبريالي.
لكن
السياسة التدخلية الأمريكية في حرب الخليج وكوسوفو وغيرها خصوصاً بعد
أحداث (11) أيلول في ظل إدارة الرئيس جورج بوش حيث انقلبت سياسة
الولايات المتحدة من سياسة ذرائعية إلى سياسة وقائية وإيديولوجية، مما
فاقم حجم الكراهية العالمية ضد الولايات المتحدة، وبات سؤال (لماذا
يكرهوننا؟) محركاً للكثير من الندوات والكتابات والأفكار داخل الولايات
المتحدة.
وتبدو
كتابات فيدال وشومسكي رائجة كثيراً لدى اليسارين الأمريكي والأوروبي
وأكثر رواجاً في العالمين العربي والإسلامي اللذين يعيدان إنتاجهما
بوصفهما (شواهد) من داخل الولايات المتحدة ذاتها على أخطاءها السياسية
والعنيفة أحياناً، وهو ما يرسل رسالة خاطئة لنا عندما نرغب باستمرار في
سماع ما نوّد سماعه من دون أخذ مسافة نقدية لإدراك أن هذا النقد يخرج
من الولايات المتحدة ذاتها، وبالتالي علينا ألا نقف عند حدود تكراره
وترداده، وإنما إدراك اللوحة كاملة، إذ لا يمكن بناء سياسة على كراهية
الولايات المتحدة وحدها، بل علينا أن ندرك أن المحرك الاقتصادي
والإعلامي داخل أمريكا هو ما يحرضها باستمرار على تطهير سياستها وإرضاء
غرورها العسكري، ولذلك فإنتاج أيديولوجيا جديدة تقوم على كره الولايات
المتحدة ستجعل منا مجدداً أسرى الشعارات والأوهام، فالولايات المتحدة
لا تختصر في السياسة، إنها مجتمع متعدد وغني ومملوء بالإبداعات
والتناقضات، فهي المحرك الرئيسي لاقتصاد العالم، وحجم الأفكار
والنظريات التي تضخها يفوق ما تضخه دول الاتحاد الأوروبي مجتمعة، لذلك
يبدو من قصر النظر وعدم الإدراك السياسي والمعرفي قراءة الولايات
المتحدة على أنها جورج بوش فقط وإعادة إنتاج كراهية الولايات المتحدة
كإيديولوجيا تقوم عليها السياسات والأحزاب القومية يكشف عن خلل عميق في
بنية التفكير العربي، وهذا ما يفسره تهافت الدول العربية إلى دعم حملة
جورج بوش ضد منافسه آل غور قبل سنوات، وتحمل التكاليف الكبيرة من
الميزانية الانتخابية لأن أباه جورج بوش الأب كان محايداً وليس ضد
العرب. |